خبر 40 ألفاً تخطوا الانقسام في مؤتمر فلسطينيي أوروبا

الساعة 03:58 م|14 مايو 2010

40 ألفاً تخطوا الانقسام في مؤتمر فلسطينيي أوروبا

فلسطين اليوم : وكالات

من البداية كان مستحيلاً الحصول على التأشيرة الألمانية، وبالحد الأدنى، كان يجب تقديمها قبل ثلاثة أشهر من أي موعد مطلوب. أربعة أسابيع لحجز موعد في السفارة، أسبوعان لتحريات الشرطة، وستة أسابيع لإنجاز معاملات التأشيرة... من غير ضمان النتيجة!

ولأننا كنا أصلاً في أوروبا، مرتبطين بندوة "الذاكرة الشفوية الفلسطينية" التي نظمتها "دار الجنوب" غير الحكومية في فيينا، تزامن وجودنا مع المؤتمر الثامن لفلسطينيي اوروبا، وذهبنا إلى برلين لحضوره. كان ملاحظاً التضييق على الوفود القادمة من الشرق، حيث غاب من الضيوف الرئيسيين القياديون الفلسطينيون صلاح صلاح (لبنان) وحسام خضر (فلسطين). على خلفية ما كتبته "جيروزاليم بوست" قبل أسبوع من المؤتمر - حسب الإعلامي المقيم في فيينا حسام شاكر- تحت عنوان "حماس تعقد مؤتمراً شعبياً في برلين"، كان التشديد الأمني على المؤتمر متجسداً بالعدد الكبير لسيارات الشرطة الألمانية التي واكبت المؤتمر 14 ساعة، تحسباً لحدوث ما يعكّر الوضع الداخلي، خاصة أن كل سنة في هذا الوقت يتعرض وزير الداخلية لضغوط التظاهر في يوم العمال العالمي، وغالباً ما ينتهي الأمر به إلى الاستقالة.

في برلين

أربعون ألف فلسطيني يقيمون في برلين، دخلوها في عدة موجات هجرة، فهي بلاد منهمكة بتطور صناعتها التي لا تتواءم مع متوسط الأعمار، الذي يدل على أنها بلد عجوز، وتستجلب اليد العاملة الفتيّة من كل مكان، لتسود فيها صراعات سياسية على خلفية أن "استجلاب اليد العاملة يعني استجلاب بشر!".

أقلّتنا سيارة الناشطين في المؤتمر، في جولة سريعة في الأحياء العربية، لتناول الفطور في مطعم المصطفى. وأمام المطـعم الصغـير، تبارينا في قراءة لافتة بالاحرف لاتينية "RIZA"، فإذا بها "رزقة". وتنتقل خطوات من المطعم إلى «حلويات المنار»، وهو محل للبناني جنوبي، سماه كذلك تيمّناً بقناة "المنار"، ويلاصقه "كافيتيريا ومرطبات يعقوب»، ويعقوب المقيم في برلين منذ ثلاثين سنة رجل سبعيني من تجمع القاسمية للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، يعصر ويحضر ويقدم بنفسه العصائر، ويتحدث مع الزبائن الذين عرفونا عند دخولنا، ودار حديث بيننا عن المؤتمر وهموم فلسطينيي برلين وألمانيا عموماً، ومعظمهم حدّثنا عن مشكلة الوثائق الجديدة... ألمانيا لم تعد تعترف بوثائق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ووزعت عليهم وثائق جديدة أصدرتها وزارة الداخلية، لا مكان فيها لجنسية اللاجئ، ويصنف رواد المطعم هذا الإجراء في إطار "التوطين!" الذي يسمح به الدستور الألماني (علماً أن الجنسية مُنعت عن آلاف الفلسطينيين المقيمين منذ عشرات السنين)، وحددت الحكومة الألمانية الاول من آب 2010 يوم بدء العمل بهذه الوثائق.

انتهينا من جولتنا، فإذا بنا أمام مسجد دار السلام للجالية الفلسطينية، حيث كان فريق من الناشطين قد انتهى من إعداد الغداء لضيوف المؤتمر، بطعام فلسطيني بدأ بالمسخن وانتهى بالمجدرة وملحقاتهما، صنعته أيدي النساء الفلسطينيات الناشطات في برلين اللواتي زوّدن المؤتمر والضيوف لثلاثة أيام بالمأكولات الفلسطينية.

المؤتمر الفلسطيني الجامع

بين الكلمات السياسية بامتياز لكبار الشخصيات الفكرية الفلسطينية، وأغاني الـ"راب" الفلسطينية بأربع لغات قدمها فتَيان فلسطينيان مولودان في أوروبا، وما بينهما من ندوات سياسية وفكرية وحلقات إعلامية وفقرات فنية، انعقد مؤتمر فلسطينيي أوروبا الثامن يوم السبت في 8 أيار2010، بعنوان وحدوي "عودتنا حتمية... ولأسرانا الحرية".

قبل أسابيع، اجتمع ممثلو الفصائل الفلسطينية في برلين، ووقعوا ميثاق شرف ضد الانقسام الداخلي ومع الوحدة الفلسطينية. وتجسدت الوحدة في كلمات الافتتاح للشيخ رائد صلاح ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك (كلمة مسجلة) والنائب الأسير مروان البرغوثي (قرأتها زوجته فدوى البرغوثي).

ونظمت هذا الحدث الفلسطيني الكبير، الأمانة العام لمؤتمر فلسطينيي أوروبا، ومركز العودة الفلسطيني في لندن، والتجمّع الفلسطيني في ألمانيا، وبالشراكة مع مؤسسات فلسطينية في ألمانيا، ووسط إقبال شعبي فلسطيني كبير، وبحضور وفود غفيرة من الفلسطينيين القادمين بالحافلات من عموم أوروبا.

الشيخ رائد صلاح أعلن في الجلسة الافتتاحية عن مشاركته في أسطول كسر الحصار عن قطاع غزة. وأكد صلاح أنّ "جدار الفصل العنصري سيسقط في الضفة الغربية كما سقط سور برلين".

بدوره أعلن الدويك، عن قناعته بأنّ نكبة الشعب الفلسطيني إلى زوال، وأنّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم ستتحقق بلا شكّ.

وخاطب البرغوثي المؤتمر مستعرضا الظرف التاريخي الذي عقد فيه هذا المؤتمر، من حصار وحرب تجويع واستيطان وتهويد واعتقال، منبهاً إلى أنّ "ما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام منذ عدة سنوات، يلقي بظلاله السلبية على مقاومة شعبنا وحقوقه".

إلى ذلك أعلن رئيس المؤتمر ماجد الزير، عن إطلاق مجموعة من المبادرات والمشروعات والبرامج الجديدة المنبثقة عن المؤتمر، ومنها "إقامة مؤتمر قانوني دولي متخصص بقضية أسرانا وأسيراتنا في سجون الاحتلال، سيُعقد هذا العام في باريس". وأعلن العام 2011، "سنةً لمناهضة المستوطنات والجدار العنصري".

وتحدث في المؤتمر أيضاً المفكر الفلسطيني منير شفيق ممثل المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي ومؤتمر الأحزاب العربية، ورئيس هيئة علماء فلسطين في الخارج الدكتور عبد الغني التميمي، والكاتب بلال الحسن المتحدث باسم الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الثوابت، ورئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا شكيب بن مخلوف، والأمين العام للمؤتمر عادل عبد الله، وعن الجالية الفلسطينية في ألمانيا رائف حسين، وعن مخيمات الشتات ياسر علي، وعدد من الشخصيات السياسية الألمانية.

جولة سياحية

بعد انتهاء اعمال المؤتمر، أقامت اللجنة المنظمة جولة سياحية سياسية للمشاركين من خارج ألمانيا، زرنا فيها جدار برلين، الذي امتلأ بلوحات فنية معبرة، ومساحات بيضاء للتعبير عن الرأي، حيث كتب المشاركون شعارات ضد الجدار الفاصل في فلسطين. ثم بوابة براندنبورغ، ومبنى البوندستاغ (الدخول مجاني)، وقصر المستشارة الألمانية (تحاذيه حديقة عامة يلعب فيها الأطفال مع عائلاتهم)، وقصر الرئيس الألماني (رأينا في حديقته حارساً واحداً فقط!).

ولولا هذه الجولة ما شعرنا أننا في ألمانيا، بل في أحياء عربية في الشرق، تحكمها أنظمة بلدية غربية، تضيف إلى علاقاتهم وروحهم الشرقية نظاماً وحرية، تحتاجها بلادنا هنا.