خبر نحن والمال وقصة يوسف ..أيمن خالد

الساعة 06:03 ص|12 مايو 2010

نحن والمال وقصة يوسف ..أيمن خالد

فتحت الدول العربية المال على المقاومة الفلسطينية كنوع من القتل الرحيم، في أعجب صورة جلست عليها المقاومة، فبدت عليلة تمتص هذا المال، الذي استطاع تصفية فصائل بحالها، واستطاع في نهاية المطاف أن يجعل فكرة الثورة تجلس بانتظار رغيف خبز عربي، وأما صناعة الفساد ومتمماته، فهذه مسألة أُخرى من الممكن أن تنشأ بلا سيل العرب المالي للإفساد.

العقلاء يفكرون دائما بصناعة المال، وجعل هذه المادة أولية، وتنتمي للبيئة ولا تحتاج حالة من الاستيراد الخاص لها، ولعلي مجدداً، أجد في التجربة التركية المجهولة في بلادنا، نمطاً رائعا على الأقل، لا يعرف اغلبنا كيف تكونت تجربة المال عندهم، وكيف تسير، حتى فاض هذا المال وصارت أطرافه تمتد من - فطاني وبورما - شرقا، وحتى ـ نيجيريا - غربا، وهو المال الذي أنقذ البوسنة في لحظة تاريخية هامة، عندما بنت البوسنة درعا تذود فيه عن نفسها، واستطاعت أن تنجح.

من الصعب أن نشرح في دراسة، كيف نشأت حركة المال هناك، لكن الأهم، أن جمع المال بات ثقافة، يمارسها الصغير والكبير والغني والفقير، ولعل أجمل كلمة قالها بولنت يلدرم بهذا الشأن.

' في بلدان العالم يطلبون المال من الأغنياء، والدعاء من الفقراء، ولكن نحن نطلب المال من الفقراء والدعاء من الأغنياء'. بالطبع هي فلسفة مثيرة، ففي مدينة صغيرة تعدادها مليون وثلاثمئة ألف نسمة، يشرح لي السيد تورغاي ، الذي يدير مؤسسة بلبل زادة، فلسفة العمل هناك، ويكفي فقط أن أشير أن هذه المدينة، بهذا العدد من السكان تكفي حاجة أربعين ألف محتاج من مساعدتهم ماليا إلى توفير العمل لهم وصناعة مشاريع تغنيهم عن حاجة المساعدات، ثم يزيد ما لديها وتكفل في فلسطين آلاف الأيتام، وأيضا ترفع علم المنظمة الكبرى ـ إي ـ ها-ها- وتعمل تحت رايتها في أماكن كثيرة في العالم، وهنا أعجب كل العجب، كيف يتجاوز نشاط مليون ونصف مليون إنسان فقط، مدينتهم ويصل حتى أطراف العالم، وأظن أنني قدمت هنا صورة مختصرة وسؤالا هاما، بينما ملايين العرب، لا يستطيعون كفاية حتى أبنائهم، ولا يستطيعون حل معضلات الفقر أو البطالة، وربما لأننا نفكر كثيرا في الاستثمار في الجزر العائمة، والفنادق الخارقة التصميم، فالعرب حولوا بلدانهم إلى بلاد سياحية، واستأجروا عمالة آسيوية، وخزنوا أموالهم في بنوك أمريكا، فمن سيستفيد من الفقراء والعاطلين عن العمل من هذا المنهج. نعود للمال العربي، فقد استخدم العرب المال مع الفلسطينيين كنوع من القتل الرحيم، وليس نوعاً من تزويدهم بعنصر هام من عناصر القوة، وتم استخدام هذا المال في مراحل تاريخية قاتلة، ودمروا به فصائل، واشتروا به ذمم السياسيين، وحرفوا خطوط المقاومة نحو اتجاهات سياسية خطيرة، حتى صار المال سوطاً يجلدنا به الأشقاء متى شاءوا.

ففي أقصى شرق الأناضول هناك للمنظمة التركية أفرعا لمساعدة الناس في ديار بكر، وفي المناطق المشتعلة، فهناك لا تفرق المنظمة بين الأعراق والأجناس، وهم يساعدون الجميع، وحتى لو عثروا على يتيم من حزب العمال الكردستاني، فهذه المنظمة تساعده لكي يتعلم ويكبر ويخدم تركيا الكبيرة، وهناك يشترك كل الخصوم في جمع المال للفقراء ووضعه في صندوق واحد، لأن كل الخصوم يعلمون أن هذه المنظمة تمارس نزاهة فريدة من نوعها في التاريخ، وليس في تركيا فقط، وهكذا يصبح المال عنصر توحيد وتضميد جراح المجتمع، ويصبح وسيلة صناعة الثقة لتجاوز المحن، ولا اعرف، ماذا يمنع المنظمات الإنسانية العربية من صناعة معجزة مثل هذه المنظمة، مع العلم أن بلاد العرب أوطاني هي بلاد النفط والمال وكل تفاصيل الثراء.

في شرق الأناضول المال لجميع الفقراء، وأما بين الضفة وغزة، فالمال يصبح طريق الجلد والحساب، ولا تريد السلطة أن ترى شعب فلسطين في غزة، بل عليه أن يموت من الحصار وهكذا نعيد سيف المال ونجلد به أنفسنا بما لا يخطر على بال.

في مبنى بلدية قيصرية ووصولا إلى عثمانيا وكهرمان مرش، وبحضور قادة الأحزاب، العدالة، السعادة، جماعة كولن، والحركة الصوفية والنقابات وغيرهم، والسؤال المؤلم، الذي لا أريد الإجابة عليه، وهو ما سبب الانقسام الفلسطيني؟

قلت لزعيم احد الأحزاب إجابة متلفزة، هل قرأت قصة يوسف عليه السلام، فأجاب نعم، فقلت له، عندما كان يوسف عليه السلام في قعر البئر، كانت الفتنة تحوم فوقه، وكان العنصر الأهم هو إنقاذ يوسف عليه السلام، وبالتالي دعني أقول لك يا صديقي إن الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس والشتات، هو مجتمع موجود في قعر البئر، فكل الشعب الفلسطيني في جميع مواضعه هو مثل يوسف عليه السلام في قعر الجب، والفتنة هي فوق ذلك الجب، وانتم ونحن وكل الشرفاء وظيفتهم إخراج يوسف من قعر البئر، وعدم الانشغال بالسؤال عن الفتنة، لأن الفتنة ليست مع يوسف في الأسفل، بل هي فوق يوسف عند فوهة البئر.

أخيراً، أتمنى من العرب أن يخرجوا يوسف من قعر البئر، وان لا يستمروا ببيعه بثمن بخس، بدراهم معدودة. فكل الفلسطينيين في كل الكون، هم اليوم يشبهون يوسف عليه السلام الذي في قعر البئر.

 

' كاتب من فلسطين