خبر وصل النقط الاستيطانية .. هآرتس

الساعة 08:35 ص|07 مايو 2010

بقلم: عاموس هرئيل ونير حسون

أحب اريئيل شارون الليالي. ففي حين كان يجري مع الامريكيين مفاوضة كثيفة في "خريطة طريق" ادارة بوش للتسوية السلمية مع الفلسطينيين، اعتاد رئيس الحكومة السابق أن يدعو الى بيته صديقه زئيف (زمبيش) حفير، الذي كان المدير العام لحركة "أمانا" والوالد الأكبر لخطة البؤر الاستيطانية. وفي حين كانت اليد اليسرى تعد الامريكيين بالتزام أفكار السلام الاقليمي، دأبت اليد اليمنى في الخرائط. نسق شارون شخصيا مع المستوطنين المكان والموعد الدقيقين لاقامة عشرات البؤر الاستيطانية التي أغضبت الادارة الامريكية جدا. انحنى رئيس الحكومة على الخرائط ايضا مع العقيد داني تريزا، مخطط مسار جدار الفصل، وأمره على التفصيل كيف يحرك الجدار الى الشرق ويضم أراضي أخرى فلسطينية في الضفة، اقرارا لحقائق على الأرض قبيل بحث في المستقبل (لم يؤمن به شارون وأمل ألا يتم أبدا) للتسوية الدائمة.

بنيامين نتنياهو يسلك سلوكا مختلفا كما يبدو. فالمتبرعون والمستعملون والحاخامون في روابط اليمين التي تعمل بجد في السنين الاخيرة لزيادة الوجود اليهودي في شرقي القدس، لا تتمتع بوصول مباشر دائم الى مكتب رئيس الحكومة الحالي. بل انهم يزعمون في المدة الاخيرة ان نتنياهو يضر بجهودهم. لكن الروح واضح: فنتنياهو، مثل شارون قبله يسعى الى تأجيل النهاية. إن تصريح التزام عام عن حل الدولتين، ومحادثات التقارب، وربما دولة فلسطينية في حدود مؤقتة – كل اولئك قد يزود بتأجيل ضروري من جهته للتفاوض في التسوية الدائمة، ولا سيما بت أمر مستقبل القدس. في هذه الاثناء ستكسب اسرائيل وقتا وتقر حقائق أخرى على الأرض.

لكن منذ عاصفة رمات شلومو التي نشأت زمن زيارة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن، قبل نحو من شهرين، يبدو أن اللعبة تغيرت. فرئيس الحكومة ورجاله ينوون استغلال الضمان القليل الذي بقي لهم في الادارة الامريكية ليحاولوا انقاذ البناء المخطط له في أحياء مثل جيلو وبسغات زئيف، حتى لو أتى ذلك على حساب استمرار تهويد الشيخ جراح وسلوان. توجد للتجميد الدائم لخطط البناء الكبرى في الاحياء الاسرائيلية في شرقي المدينة آثار بعيدة المدى على مدينة كالقدس. قد يدفع المستوطنون الثمن لكنهم لا ينوون التخلي بسهولة.

لا يوجد رمز أبلغ بالتعبير عما يحدث في شرقي القدس من العلم الذي يزين بيت يونتان. يغطي العلم ارتفاع طوابق المبنى السبعة ويميزه من البيوت حوله بحدة. لكن العلم في الفترة الاخيرة قد تهلهل، وانطوى وتمزق. ولا يسارع سكان البيت الى رفوه. قد يكونون استسلموا لاجلائهم القريب. فأول من أمس عادت محكمة الصلح في المدينة ورفضت توجههم. يبدو أن المعركة القضائية اليائسة التي أجروها لمقاومة الاجلاء ستنتهي الى الهزيمة.

نظرية البصل

إن بيت يونتان الذي يبدو أنه سيخلى، هو نقطة واحدة فقط على خريطة الاستيطان اليهودي الجديد في شرقي القدس، المرصوفة بعشرات البيوت المعزولة وعدد من المواقع المغلقة. وكما في لعبة أولاد، تكون الحكمة هي وصل النقط بعضها ببعض. يولد الوصل صورة واضحة للجهد الذي يبذله اليمين ليحيط البلدة القديمة في القدس بسلسلة متصلة من الاستيطان اليهودي. يسير هذا الجهد في طريقين رئيسين: شراء بيوت من فلسطينيين واسكان عائلات يهودية فيها، والمبادرة الى خطط لبناء أحياء يهودية بين السكان الفلسطينيين.

إن جواب سؤال ما الذي يقف وراء ذلك متعلق بهوى الناظر. فالمتشككون يرونها محاولة لتهويد المناطق ذات القيمة التاريخية والدينية الأهم في شرقي القدس. والأقل تشككا يرونها نتاج العرض والطلب. إن المستوطنين الجدد في شرقي القدس، كلهم أو اكثرهم، أناس مؤمنون يجعلون لجبل  الهيكل أهمية عظيمة. فالقرب منه ومكان اشراف عليه يزيدون في نظرهم قيمة الملك. لهذا يزداد الجهد من أجل هذه المناطق. ويقول المتفائلون بين المنتقدين أنه يوجد في هذا اعتراف ضمني من روابط اليمين بأن تقسيم القدس غير ممتنع وهي تحاول الآن فقط أن تعدل خط القسمة تعديلا طفيفا. مهما يكن الأمر، زاد نشاط الروابط جدا في السنة الاخيرة، مع تعاون صامت او بالفعل مع الحكومة والبلدية. "كانت سنة 2009 أفضل سنة لنا"، أعلن المتحدث البارز عن حركة الاستيطان في شرقي المدينة، ارييه كينغ.

من وجهة نظر الفلسطينيين، يزداد احكام الطوق على نحو واضح حاد: فمن الجنوب – موقع الحديقة الوطنية مدينة داوود ومستوطنو رابطة العاد. اذا تحققت خطة رئيس البلدية نير بركات لمنطقة حديقة الملك، فسيجري على الموقع أسرلة سريعة. ومن الشرق – الحي الأكبر للمستوطنين في شرقي المدينة، معاليه زيتيم (51 عائلة محاطة بسوو سينضم اليها حتى نهاية السنة 66 عائلة أخرى؛ وخطط لـ 104 وحدات سكنية أخرى قدمت لاجازته). في تلك المنطقة يوجد وجود يهودي حول المقبرة الكبيرة في جبل الزيتون والمدرسة الدينية "بيت أوروت" للحاخام بني ألون، المرشحة للتوسع لتصبح حيا. ومن الشمال – في حي الشيخ جراح يقام حي شمعون هتسديك، برغم احتجاجات اليسار. أصبح يسكن الحي اليوم أربعون عائلة يهودية. وعلى الورق توجد مئات من الوحدات السكنية الأخرى المخطط لها، في مستويات إجازة مختلفة. يقف وراء جزء كبير منها رجل المقامرات الكبير اليهودي – الأمريكي ايرفن موسكوفيتش، وكيل تهويد شرقي القدس. يمكن أن نضم الى لعبة البازل هذه الحديقة الوطنية المخطط لها عند سفح جبل المشارف، ومباني الحكومة (مقر الشرطة العام، ووزارة العدل) والمحكمة اللوائية، وموقع الفنادق الكبير قرب "الامريكان كولوني" وغير ذلك. ويجري في الآن نفسه أيضا حملة شراء واستيطان داخل الاسوار، في الحيين المسيحي والاسلامي. يجري تغيير سريع ازاء أعيننا ويغير قلب شرقي القدس، الذي سكنه حتى الان فلسطينيون فقط، ليصبح ثنائي القومية في الأقل.

يحاول كينغ، مؤسس رابطة صندوق أراضي اسرائيل، الذي يعمل في شراء أراض، أن يبين حكمة ذلك. "الفكرة هي البناء حول المركز طبقات – طبقات، مثل حبة البصل"، يقول. "لماذا البصل؟ لانه كالبصل، كلما وضع في النار أكثر أصبح أكثر حلاوة وهكذا القدس. كلما وجد ضغط أكبر كانت نتيجة ذلك أفضل".

تبلغ قشور بصل كينغ الى بعيد. من غير ان نتناول حقيقة ان اسرائيل تناضل الآن من أجل اغلاق شرفات في جيلو، عرض هذا الاسبوع بحثا يقول إنه يمكن بناء ما لا يقل عن 187 ألف وحدة سكنية (كعدد جميع الوحدات السكنية في القدس اليوم) في المناطق المفتوحة حول شرقي القدس، من غوش عتصيون الى ظاهر رام الله. والى أن تتحقق هذه الخطة، يشتغل كينغ في شراء أراض واسكان اليهود في مناطق مثل عناتا وبيت صفافا. يزعم منتقدوه من روابط اليمين ايضا أنه يهدر طاقة على أماكن ضائعة بدل أن يحصر العناية في الأساس أي في البناء حول المدينة القديمة.

لا ينسب كينغ نفسه أي فضل لنتنياهو لنجاح المشروع. فهو يرى ان رئيس الحكومة يجمد الخطط ويعوقها فقط. ويرى كينغ رئاسة براك اوباما فرصة على الخصوص. "عندنا مسلم في البيت الابيض. حسين اوباما ذو برنامج عمل مشايع للمسلمين معاد لامريكا، انه يريد أن ينقض أمريكا من الداخل. ازاءه خاصة كان بيبي يستطيع أن يقف كرجل"، يزعم. كينغ خائب الأمل من وزراء اليمين في السباعية، من بني بيغن ومن موشيه يعلون. إن وزيرا واحدا فقط يستحق الاحترام في نظره بسبب اسهامه في تهويد شرقي المدينة وهو ايلي يشاي، وزير الداخلية، الذي يعمل كثيرا في مساعدة خطط المستوطنين وتعويق خطط بناء الفلسطينيين. "اذا نافس في رئاسة الحكومة فسأصوت له"، يقول كينغ.

من خمس سنين الى عشر

تقدر منظمات اليمين أنها تحتاج الى خمس سنين الى عشر لتغيير الواقع الميداني على نحو لا يمكن رده، يذكر بما تم في الكتل الاستيطانية الكبيرة في الـ 17 سنة الماضية منذ اتفاق اوسلو. في هذه المدة ستستكمل اقامة حزام يهودي حول الحوض التاريخي في القدس، مركزه البلدة القديمة. واذا نجحوا في أن يحبطوا بذلك تسوية دائمة فما أحسن ذلك. ولكن حتى لو لم ينجحوا فان كل بحث في المستقبل لهذه المسألة سيقتضي أن يؤخذ في الحسبان حقائق أقرت وتؤثر في تقسيم السلطة على الأرض.

اليمين، برغم قسمه على الاخلاص، أقل اهتماما بما يجري في الأحياء الطرفية الفلسطينية التي ضمت الى القدس بخطوة متسرعة بعد حرب الايام الستة. اذا قبل وتطبق آخر الأمر مبدأ كلينتون – الاحياء اليهودية لاسرائيل والعربية للفلسطينيين – فان صاغة الاتفاق الدائم ايضا سيضطرون الى أن يأخذوا في حسابهم  الحزام البلدي الجديد. مع غير قليل من القوة والمال، ومع دعم من بلدية القدس وأناس رؤساء في بعض المكاتب الحكومية ذات الصلة، مثل وزارة الداخلية ووزارة البناء والاسكان، يبدو أن الشعور عند الروابط المشاركة في ذلك – حتى قضية بايدن ورمات شلومو في الأقل – بأن الزمن يعمل في مصلحتهم.

ما زال مبكرا أن نقدر هل سيفضي غضب ادارة اوباما، الذي ثار بعد اهانة بايدن، الى وقف خطط اليمين. الواضح هو أن منظمات اليمين تحتاج الان الى أن تبذل طاقة أكبر للحفاظ على القائم. هذا الاسبوع فقط جدد عمل اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء بعد نحو من شهرين من الجمود. اقيم على اللجنة مراقبون من مكتب نتننياهو يفحصون عن كل خطة قد تثير حرجا سياسيا. تمر كل خطة بناء في شرقي القدس اليوم من خلل غربال دقيق جدا. وكذلك لا يؤتى بخطط بناء بريئة من وجهة نظر اسرائيلية، مثل عدة وحدات بناء في جيلو وبسغات زئيف، لتجاز الآن. تحذر لجنة التخطيط البلدية من ألا تحرج الحكومة بخطط مشكلة. حل محل البسمات في لجان التخطيط نظرة متشككة.

وقفت سياسة هدم البيوت العربية غير القانونية في شرقي المدينة. ففي نصف السنة الاخير لم تهدم البلدية ولو بيتا واحدا. يعترف وزير الأمن الداخلي، اسحاق أهرونوفيتش بأن هدم بيوت في شرقي القدس قد يشعل عنفا شديدا. "تقدر الشرطة ان الاخلاء سيصحبه اخلال واسع بالنظام يجتاز المنطقة"، كتب الوزير الى عضو الكنيست دافيد ازولاي من شاس، الذي أراد أن يعلم لماذا لا تحقق الشرطة وبلدية القدس الأوامر التي صدرت. كذلك يحمي الخوف من دفع ثمن سياسي آخر الان البيوت الفلسطينية في المدينة.

يقول العقيد (احتياط) شاؤول اريئيلي من جماعة مبادرة جنيف ان الاستيطان اليهودي في شرقي القدس سيكون في مرحلة ما "أكثر هيمنة من أن يرفض الفلسطينيون تسوية دائمة في القدس بحسب مخطط كلينتون. آنذاك سنواجه وضع "اذا قبضت على كثير فكأنك لم تقبص" وسيقتضي ذلك حلولا دولية، او اجلاء كثيفا لاسرائيليين عن شرقي القدس. ان الاجراءات التي تتم الان تدفع الفلسطينيين، في القدس ايضا، الى حل دولة ثنائية القومية. واذا استمرت فستمنع في المستقبل امكان تقسيم مادي للمدينة".

عرف الدبلوماسيون الامريكيون والاوروبيون في اسرائيل في المدة الاخيرة بيروقراطية التخطيط المقدسية جيدا. يأتون أحيانا المحاكم مع عائلات فلسطينية توشك أن تجلى، أو يزورون خيم احتجاج فلسطينية موزعة في المدينة. يتابع حاييم أرلخ، من رابطة اليسار "عير عاميم" من قريب خطط البناء في شرقي المدينة بواسطة برنامج GIS جديد ركب في مكتبه (نظام محوسب يمكن من ادارة معلومات جغرافية وتحليلها). "كل شيء عالق الان، لا يجرؤ أحد على تحريك شيء"، يقول. ويقول إن حكومة اسرائيل التي أطلقت يد المستوطنين، أخطأت خطأ فظيعا لان "الشيخ جراح وسلوان صدا جيلو وراموت". ويزعم أرلخ انه لا احتمال ان يواصل المستوطنون تقديم خططهم ازاء الضغوط من الخارج. "انهم لا يقرأون الخريطة الدولية قراءة صحيحة ولم يعرفوا بيبي. انه يبصق الدم لدخول منظمة الدول المتقدمة. هذا ما يهمه".

هل وقف الزخم حقا؟  يطلق كينغ معطيات وأسماء أحياء خطط في المستقبل. ويرى أن كل ما يحتاج اليمين الى فعله هو  تغيير التكتيك. "لا أقول انه لم يتغير شيء. فالأمور التي كانت تحتاج ذات مرة الى شهر، تحتاج الآن الى شهرين، لكن توجد عندنا خطط جديدة. ليست مسماة باسم ارييه كينغ، بل باسم عبدالله ومحمد وستجاز. ماذا سيفعلون الان؟ أيسألون كل عربي لماذا يقدم الخطة؟".

يعترف من جهة أخرى بأن هذا زمن "سد الأنف، واستنشاق الهواء والصبر أطول زمن ممكن الى أن يتغير  الوضع". يشتمل الهواء الذي بقي كما يقول كينغ على عدة مئات من الوحدات السكنية التي ستسكن في الشهور القريبة وعلى خطط لم يعد من الممكن وقفها، مثل البناء في فندق شيبرد الذي أثارت اجازته غضبا امريكيا قبل سنة. ستنشر هذا الصباح في صحف اليمين اعلانات تجنيد أعضاء لجماعة شراء جديد لحي في شرقي القدس "تستطيع أن تستثمر في القدس وأن تؤثر في مستقبل القدس أيضا"، كما كتب فيها.