خبر حكاية « فتح » وفياض .. نبيل عمرو

الساعة 10:26 ص|06 مايو 2010

بقلم: نبيل عمرو

حين سقطت غزة في قبضة الانقلاب، وخسرنا القطاع رغم وجود عشرات آلاف البنادق والمدافع في أيدينا.. رغبت حركة فتح، في أن توجه رسالة ترد فيها على الانقلاب والانقلابيين ... مفادها.. لسنا حركة سلطة ومناصب، وإنما قيادة مشروع وطني كبير ، تتضاءل أمام أهدافه السامية كل الاعتبارات السلطوية العابرة.. وبين شعور بالخجل لما حدث لنا، وشعور بضرورة تعويض العجز والفشل بإظهار الزهد بالسلطة على الأقل إلى حين استعادة غزة ، تطورت ظاهرة سلام فياض في حياتنا الفلسطينية، وقبل تكليف فتح له بتشكيل الحكومة.

في ذلك الوقت، كانت الوزارات معروضة على الجميع ... فمن يجازف ويقبل ومن يضحي بسمعته ووحدويته ليتسلم وزارة لها من ينازعها الشرعية في غزة، وحولها شكوك بأنها هي غير الشرعية، بينما الشرعية الخارجة من صندوق الاقتراع تقع في مكان آخر..!!!

وبعد جهد جهيد أمكن جمع العدد وانطلق قطار فياض، على قضبان هزيمة فتح في غزة، وفي فضاء مليء بالغيوم.

هكذا بدأت الحكاية ، كان سلام فياض الذي فاز ولو بأصوات متواضعة في انتخابات المجلس التشريعي ، يدرك انه لابد وان يطير بأجنحة فتحاوية ووطنية وإقليمية ودولية.

لم تكن فتح آنذاك مجمعة على فكرة "رسالة الزهد" التي قدمتها غداة الانقلاب المدمر ، كان فريق منها يرى أن ما حدث لغزة أو بتعبير أدق ما حدث لفتح في غزة ينبغي أن يواجه بتعزيز سلطة فتح على الضفة كي تستعاد الشرعية، ويتواصل المشروع الوطني، غير أن أصحاب وجهة النظر هذه ، لم ينجحوا في تحقيق فكرتهم فضلا عن أنهم عانوا من الاتهام الجاهز على الدوام ، وهو السعي لمكاسب الوزارة وليس للمصالح الأساسية للوطن!!

ظل أصحاب رسالة الزهد يراقبون أداء حكومة التكنوقراط الخالية من وزراء يتمتعون بمواقع قيادية في إطارات فتح، بينما أصحاب فكرة تعزيز قبضة فتح على الحكومة... يجاهدون دون فاعلية ودون جدوى ودون إقناع، وتواضعت طروحاتهم إلى حد القول " إن لم يكن ممكنا تغيير حكومة فياض ورئيسها فعلى الأقل تطعيمها ببعض الوزراء وكثير من الفتحاويين ابدوا جاهزة – للتطعيم –

جرى تعديل وزاري، ودخل من فتح من دخل وخرج من خرج وبعد مرور سنوات.. ظلت غزة كما هي بل تطورت وترسخت سلطة الانقلاب فيها، وواصل سلام فياض صرف ما يحق لغزة أن تأخذه من موازنة السلطة ، كانت قرارات فياض كلها على هذا الصعيد من فعل فتح وترشيدها وتبنيها... رغم معارضة البعض لمبدأ أن تنفق الحكومة قرشا واحدا.. بل وجرى التشهير في هذا الأمر بالقول أن الحكومة تنفق على الانقلاب... وكان فياض يرد لا انفق وإنما لغزة حقوق لابد وان تلبى... وان كنتم ترون غير ذلك فخذوا قرار صريحا بهذا الشأن وأنا سألتزم به وان لم يعجبني سأرحل..

لم يجرؤ احد على اتخاذ قرار بهذا الاتجاه ، وظل الأمر مجرد ثرثرةٍ فارغة ... يستحيل توفير أي مصداقية لها...

***

بعد انتهاء اجتماعات المجلس الثوري الأخيرة قبل أيام..زارني زميلان من الأعضاء الجدد في المجلس. ووضعوني في صورة ما تم، ولقد جرى التركيز على ما وصف بالحملة الصاخبة ضد سلام فياض وحكومته وفي اليوم التالي امتلأ الشارع وفاض بأخبار فتح وفياض!!.

ذلك انه وفي زمن الفراغ الواسع، يسمع صدى الصوت مئات أضعاف حجمه الحقيقي، فبدا ليوم أو يومين ولربما لأكثر من ذلك أن البلد الذي لا تنقصه أزمات لبلوغه حد التخمة، تفتش عن أزمات جديدة لعلها تملاء بعض فراغ في صالوناتنا ومجالسنا وحتى منتدياتنا وإطاراتنا..

***

وفي امر سلام فياض، فان ما أحب قوله في هذا الشأن لا ينطلق من مبدأ معاهم معاهم – عليهم عليهم، فهذا مبدأ حتى العشائر في المناطق النائية تخلت عنه في تقويمها للأمور ومواقفها من الأشخاص والأحداث ، إن فتح ينبغي أن تنظر لظاهرة فياض بذات النظرة التي احترمها الناس وهي أن فتح وعدت الشعب الفلسطيني بانجاز مشروع وطني كبير عنوانه الحرية والاستقلال، بدأته من نقطة ما دون الصفر، وأوصلته رغم كل الصعوبات والعثرات إلى المرحلة الأخيرة أو ما قبل الأخيرة، وفي المرحلة التي يدخل فيها هذا المشروع عنق الزجاجة قد يتجاوزها وقد يختنق فيها لا يصح أن تسجل فتح على نفسها اهتماما رئيسيا على هذا المستوى.

إن من حق فتح منطقيا وسياسيا وشرعيا أن تشكل حكومة، وان توصي بتعديل وزاري ومن واجبها أن تسوق الحيثيات الوطنية المقنعة التي تفسر خطواتها بهذا الاتجاه ولكن لذلك آليات وتقاليد وحتى لغة يجري استخدامها لبلوغ الأهداف بعيدا عن أن تكون المسألة مطروحة على الرأي العام كما لو أنها تنازع للسلطة مع رجل أتينا به في أحلك الأوقات ويدعو بعضنا للتخلص منه في هذا الوقت بالذات.

وهنا لا أستطيع استخدام كلمة فتح، كالقول إن الحركة تريد كذا ولا تريد كذا... ففتح مليئة بالاتجاهات والأفكار والاجتهادات المتوافقة والمتعارضة وحتى المتناقضة، فهي إن لم توجد على مائدة مجلس الوزراء أو على رأس الوزارات، فهي موجودة في كل زاوية من زوايا السلطة وهي موجودة في كل الأجهزة والمؤسسات الأمنية، التي تباهي فتح قبل غيرها بانجازاتها الملموسة وهي موجودة في القمة والقاعدة وفي الجملة والتفصيل.

فهل ندمت فتح وأتحدث هنا عن محصلة قرارات مؤسساتها ورأيها العام على ما فعلت؟ هل اكتشفت ان عضوا او اثنين او حتى عشرة من اعضاءها يدخلون الحكومة ، سيعدلون الموازين، وسيدفعون المسيرة السياسية الى تقدم محقق، يجمد الاستيطان ويستعيد غزة الى حظيرة الشرعية ويأتى بالقدس محررة وفوقها اعتراف اسرائيلي قبل الامريكي والدولي بها كعاصمة ابدية للشعب الفلسطيني... وهل سنرى عضوا جديدا في الوزارة يحسن الاداء ويتفوق على فياض في المباراة الميدانية القائمة فوق كل اجزاء الوطن... اننا نتمنى ذلك فكل نجاح يحققه كادر او قائد في فتح هو ليس مجرد مدعاة للفخر والاعتزاز بل انه تأهيل حقيقي لقيادة مسيرة صعبة في ظروف اكثر صعوبة .

انني اقترح اغلاق هذا الملف ، او التعاطي معه بطريقة موضوعية، ذلك ان تقويم اداء حكومة ورئيسها يجب ان لا يعزل عن تقويم الاداء في السلطة بكل مكوناتها وهنا تظهر موضوعية ومصداقية وعدالة المسائلة والتقويم.

اخيرا: ان فتح كحركة سياسية وطنية، وكتجربة قيادية عريقة تدرك ان الوطن يواجه تحديات في غاية الصعوبة والتشابك والتعقيد، وفي هذه المرحلة تحديدا لا تصلح التوجهات والخلاصات غير المدروسة تماما، وانما ما هو مطلوب وبالحاح، هو التركيز على الاهداف الاساسية التي يعتنقها الشعب بل وهي مبرر وجود فتح في الاساس وجوهرها انقاذ المشروع الوطني الكبير وايصاله الى اهدافه التي يتطلع كل الشعب اليها.

لهذا اكرر مرة اخرى دعوتي لاغلاق هذا الملف، فان رؤي ان المصلحة الوطنية تتطلب تعديلا وزاريا يفضي الى تحسين الاداء فلذلك اليات ووسائل ومقاييس، لابد وان يجري اتباعها بعيدا عن التورط في سجال كلامي....الوطن والشعب في غنى عنه."