خبر فن « صناعة الزعيم » .. عريب الرنتاوي

الساعة 01:01 م|05 مايو 2010

بقلم: عريب الرنتاوي

حيثما تذهب ، وأينما حللت وارتحلت في عواصم الغرب ، لا أحد يحدثك عن السلطة والمنظمة ورئيسهما ، لا أحد يأتي على ذكر فتح والفصائل أو يتذكرها ، الموضوع الوحيد المطروح على مائدة النقاش: سلام فيّاض ومشروعه "العبقري" لبناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال وفي مواجهته وبهدف إنهائه ، إن أنت أتيت على ذكره ، فأنت تنظر إلى "نصف الكأس الملآن" ، وإن أنت شككت في جدوى المشروع ونجاعته ، فأنت عدمي ، قليل الحيلة ، وربما تكون تلميذاً غير نجيب في مدرسة حماس السياسية والفكرية.

إنه فن "صناعة الزعيم" الذي راكم فيه الغرب خبرات طويلة لفرط ما مرّ بحملات انتخابية ، جاءت إلى سدة الحكم بأناس لم يعرفهم الجمهور من قبل ، أو لم يكونوا ذات يوم ، في عداد قائمة الزعامات التاريخية ، لقد صار ممكنا أن تخرج أحدهم اليوم من "قائمة توزيع مجلة البلاي بوي" وأن تضعه في الغد في سدة الرئاسة ، وبأغلبية وازنه من الأصوات ، وبانتخابات شفافة وحرة ونزيهة ، وها هي مدارس "صناعة الزعماء" تصدر خبراتها للعالم الثالث ، وتعمل على خلق جيل منهم منسجم مع "المواصفات والمقاييس" المعمول بها عالميا؟،.

يكفي أن تتركز الأضواء على الشخص المرشح للزعامة ، لا أحد يسأل عن غيره ، عبارات الثناء والإطراء تلاحقه حيثما حل وارتحل ، يتصدر أغلفة "التايم" و"النيوزويك" كرجل العام ، وتستضيفه "أوبرا" في برنامجها ، ويندرج في لائحة الشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم ، ويوما بعد آخر ، يصبح "الرقم الصعب" و"الجبل الذي لا تهزه ريح" ، حتى وإن كان آخر الوافدين للحركة الوطنية الفلسطينية وأول الهابطين على هرمها القيادي بالبراشوت من علياء الصناديق والبنوك الدولية؟، ، حتى وإن فشل في آخر انتخابات حرة ونزيهة يجريها الشعب الفلسطيني في الحصول على أكثر من مقعده ، برغم كل الدعم والإسناد متعدد الجنسيات.

يدرك خبراء صناعة الزعماء أن دعم "الخارج" وحده لا يكفي ، خصوصا حين يتعلق الأمر بزعماء في مناطق نزاع حساسة وطويلة الأمد ، لا بد من دعم "الداخل" أيضا ، لا بد من قليل من "الكيمياء" التي تعطي العلاقة بين الزعيم "مسبق الصنع" والرأي العام.. يأتيك الجواب فورا: لا بأس ، لنضفي بعض الكاريزما ، ولنضيف قليلا من المساحيق والمحاليل الكيميائية ، لنربط لقمة عيش المواطن وأمنه الشخصي بالرجل المستهدف بالزعامة ، فتصبح الرواتب آخر كل شهر ، رهن ببقائه على مقعده ، وتصبح مفاتيح الأمن والأمان في جيبه الخاص ، وهل ثمة ما هو أهم من لقمة العيش والأمان بحق الذي "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".

لا بأس ، لا بد من تطوير صورة "الزعيم الشعبي" ، الذي لا يكف عن "قص الأشرطة" و"وضع حجر الأساس" ، فالشرعية النضالية ولّى عصرها ، وقد جاء زمن "شرعية الإنجاز" ، ولا بأس أيضا من "شبك اليد باليد" و"النزول إلى "معترك الدبكة الشعبية" مع الشبان والصبايا ، ولا ضرر في قليل من "الميجانا والعتابا" ، فالقائد من الشعب وإليه ، وهو الأقرب إلى نبضه وحسه ومزاجه ، في فرحه وترحه ، و"صورة الزعيم الشعبي" مطلوبّ تكريسها لأن قادمات الأيام والمهام ، وما ينتظره عند المنعطف المقبل ، يمليان صناعة "زعيم" على قدر من "الشعبية" لأن قرارات غير شعبية.

وإن تطلب الأمر أن يبرز الزعيم الجديد بصورة "المقاوم الأول" فلا بأس ، وسيأتي سفراء الدول الغربية والقائمون بأعمالهم ومن هم في منزلتهم للجلوس على مقاعد الصف الأول في المؤتمرات المخصصة لدعم المقاومة ، شريطة أن تخرج هذه المؤتمرات بتوصية وحيدة: منح رئيس حكومة تصريف الأعمال وسام المقاوم الأول ، وشريطة أن تكون هذه المقاومة من طراز منسجم مع "التنسيق الأمني" ومعايير دايتون وتوصيات بلير وشروط الرباعية وقوانين محاربة الإرهاب.

والحقيقة أن الحركة الوطنية الفلسطينية تقف حائرة اليوم أمام ظاهرة الزعامة الجديدة للدكتور سلام فيّاض ، فالرجل في "مطارح" عديدة مثير للقلق والتحسب ، وقد صدرت عن جميع الفصائل بلا استثناء ، بيانات ومواقف تتبرأ وتدين وتتنصل وتستنكر مواقف معينة صدرت عنه ، وثمة مساحة رمادية مثيرة للفزع بين مشروعه الملتبس لبناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال ومشروع السلام الاقتصادي المشبوه لبينيامين نتنياهو ، وثمة غضب صامت من سيطرته شبه المطلقة على مفاصل صنع القرار والأمن والمال في النظام السياسي الفلسطيني ، نظام ما بعد ياسر عرفات.

لكن في المقابل ، لا أحد لديه بديل أو مخرج من الاستعصاء الفلسطيني ، لا أحد على الإطلاق ، شخصا كان أم فصيلا ، لا أحد لديه مشروع أو رؤية واضحة كسلام فيّاض ، لا أحد يتحرك على الأرض غيره وأركان حكومته المطعون في شرعيتها ، لا أحد لديه كاريزما من أي نوع ، فقد رحل جيل القادة الكاريزميين ، وظل الموظفون ورجال الأمن والفاسدون وقيادات الصف الرابع والخامس ، ومن بين هؤلاء وبقياساتهم ومعاييرهم ، لا يجلس فيّاض في نهاية القائمة أبداً ، بل ومن حقه أن يقف بيننا منشداً: "وإني وإن كنت الأخير زمانه.. لآتْ بما لم تستطعه الأوائل".

ومن يعشْ رجباً يرَ عجباً.