خبر نبي ما- هآرتس

الساعة 10:24 ص|03 مايو 2010

نبي ما- هآرتس

بقلم: البروفسور دافيد أوحنا

(مؤرخ ويدرس في جامعة بن غوريون في النقب)

 (المضمون: الانحطاط الذي أصاب الحركة الخلاصية السياسية الاسرائيلية كما تنبأ بذلك يشعياهو ليفوفيتش ويعقوب تلمون منذ زمن بعيد - المصدر).

إن اسرائيل هرئيل في انقضاضه على يشعياهو ليفوفيتش ويعقوب تلمون يعرضهما على هذا النحو: "هما متنبآن صغيران جدا، اذا لم نشأ استعمال تعبير أشد، فيما يتصل بأخلاقية دولة اليهود ومستقبلها" ("احفظني من أحبابي، 22/4"). يعرض أهم مفكرين اسرائيليين على أنهما متنبآن كاذبان اخفقا في جميع تنبؤاتهما. بخلاف تعريف هرئيل للنبي أنه ضرب من المفصح عن المستقبل، منح مارتن بوبر النبي تعريفا صائبا هو انه مفكر ورجل حياة عامة يقوم أمام الحشد، ويشير الى بديلين قيميين ويدعو الى اختيار واحد منهما.

        بعد حرب الايام الستة أقيمت اسرائيل في مواجهة اختيار بين نوعين من القومية: قومية الدم والارض، وقومية الانسانية والليبرالية. دعا ليفوفيتش وتلمون الى التمسك بالصهيونية المستنيرة، التي تجتهد في العمل على حسب معايير كونية.

        إن دعوة ليفوفيتش الى احترام حقوق الانسان والاقليات، واشمئزازه من المؤسسة الحاخامية، ومناصرته للنضال النسوي، ولا سيما تحذيره من الاحتلال المفسد، كانت حلقات مختلفة في سلسلة قيم واضحة منهجية. رأى حرب الاستقلال ضرورة لا تعاب، لكنه حذر من الآثار الشديدة لقضيتي قبية وكفر قاسم. وبتحذيره من التيار الخلاصي الكنعاني كشف عن التأليف الخطر بين قداسة الأرض والايمان الخلاصي – وهي عقيدة انتجت غوش ايمونيم.

        كذلك تخوف المؤرخ يعقوب تلمون من الخلاصية السياسية. في ثلاثيته الكبيرة عن الديمقراطية الشمولية يقلقه سؤال "لماذا تتحول الخلاصية السياسية دائما من رؤيا خلاص الى شرك والى نير استعباد؟" وكتب أن أناس غوش ايمونيم رأوا "احتلال المناطق اصبع الله".

        رأى ليفوفيتش وتلمون المستوطنين أنصارا جددا لشبتاي. وكتب ليفوفيتش عن أناس غوش ايمونيم قال: "عندما يتبين أنه لا يوجد للدولة مجد وخلود وجلال – سينفجر كل شيء. هذا ما حدث بالضبط لطلاب شبتاي تسفي". بعد حرب الايام الستة حذر تلمون من "تنبه وخيبة أمل شبتائية".

        كما أخفق هرئيل في تعريف "النبي"، يبدو أنه أخطأ ايضا في تعريف "الصهيونية". إن هرئيل ورفاقه المستوطنين معادون للصهيونية تخلوا من الصهيونية المتدينة التقليدية. قرر مؤتمر المفدال الاخير قبل 1967 أنه لن يكون شريكا في حكومة لا تجعل السلام مع الدول العربية في رأس اهتماماته. تدفقت مياه عكرة كثيرة منذ ذلك الحين في نهر الاردن. سيطر الحاخامات والمستوطنون على "بني عكيفا" وأظهروا بدل التواضع الاعتقادي العجرفة الميتافيزيقية.

        تحولوا من صهاينة متدينين كانوا متصلين بواقع المجتمع الاسرائيلي الى مستغلين يعيشون في فقاعة غريبة، وسكون فكري. لم يستوعبوا الثورة الصهيونية التي جعلتنا أسيادا في أرضنا واختاروا أن يكونوا ضحايا. تخلوا من نبل السيد المستعد للمصالحة صدورا عن الثقة بالنفس، واختاروا ان يكونوا القوزاقي السليب. وتجاهلوا كل من يعيش حولهم: العلمانيين او الفلسطينيين، والفقراء او العمال الاجانب. لهذا لم يشاركوا ايضا في النضال من أجل العدل الاجتماعي.

حذر ليفوفيتش وتلمون من هذه الاجراءات واشباهها. فشلا احيانا في الصياغة او في التنبؤ لكنهما أدركا رؤية المنزلق الدحض الذي قد يجعلنا شبتائيين حديثين او صليبيين جددا في المناطق المحتلة.

عندما ترك سكان من كريات شمونه مدينتهم زمن اطلاق صواريخ الكاتيوشا عليها – عاب عليهم هرئيل "استكانتهم" وسواهم بالصليبيين. ألا يشهد هرئيل ورفاقه بذلك على أنفسهم بالخذلان؟ ألم يقصد ليفوفيتش ذلك بتنبؤه بأن أوائل التاركين للبلاد – بالمعنى المجازي بطبيعة الأمر – سيكونون من المستوطنين؟