خبر المفاوضات غير المباشرة طوق نجاة لحكومة نتنياهو .. هاني المصري

الساعة 03:23 م|01 مايو 2010

بقلم:هاني المصري

هناك تمهيد فلسطيني لقبول المقترحات الأمريكية الأخيرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة. ظهر ذلك واضحا فيما جاء على لسان الرئيس أبو مازن في مقابلته مع القناة الإسرائيلية الثانية حين قال انه يأمل بأن يكون رد لجنة المتابعة العربية إيجابياً.

 

ومن المرجح أن توافق اللجنة التي تجتمع اليوم على إستئناف المفاوضات. فما دام صاحب القضية يأمل فان اللجنة لن تخيب أمله. فالعرب اختاروا سياسة الانتظار لما ستنتهي إليه الخلافات الأمريكية – الإسرائيلية، و انتهت إلى مقترحات قدمها جورج ميتشل في جولته الأخيره. لذا ليس أمامهم سوى قبولها. فما هي هذه المقترحات؟

 

مسؤول فلسطيني افاد بأن الرئيس الامريكي ابلغ الرئيس الفلسطيني في رسالة أرسلها له، عزمه على اتخاذ خطوات "ضد إسرائيل إن هي عطلت مباحثات السلام المزمع استئنافها قريبا. وتعهد له بأن الطرف الذي سيعطل المفاوضات أو "يقوم بخطوات استفزازية" خلال المفاوضات غير المباشرة فانه سيواجه بالتزام أمريكي باتخاذ خطوات ضده وستتم إعادة تقييم سياسة الإدارة الأمريكية بحقه.

 

وأكد المسؤول أن من ضمن الخطوات الأمريكية التي من الممكن أن تتخذ "عدم استخدام الفيتو لمساعدة إسرائيل إذا ما توجهت السلطة إلى مجلس الأمن!!"

 

وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت أخبارا حول توصل الادارة الامريكية و الحكومة  الاسرائيلية إلى اتفاق سري يقضي بتجميد الاستيطان لمدة أربعة أشهر، بدون الإعلان عن ذلك، على أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية سلسلة من خطوات بناء الثقة لتوفير أجواء ايجابية تساعد على إنجاح المفاوضات.

 

قبل أن يسترسل احد في التفاؤل، وحتى لا يبني اهرامات من الاوهام على سراب الصحراء نفى ناطق باسم الخارجية الامريكية صحة الانباء عن تهديد الادارة الامريكية بعدم استخدام الفيتو وأكد تمسكها بسياستها التقليدية بمنع إدانة إسرائيل في المحافل الدولية وضرورة التوصل إلى اتفاق من خلال التفاوض.

 

مصادر موثوقة افادت ان اوباما كان صادقا مع الرئيس الفلسطيني في رسالته حيث، اكد على المواقف الامريكية التقليدية وتمسكها بحل الدولتين، وتعهد ببذل كل ما يستطيعه لانجاحه واتخاذ موقفا حاسما من أي طرف يعيقه.

 

ولم تتضمن الرسالة أية التزامات إسرائيلية بوقف الاستيطان، وإنما بعدم القيام بخطوات استفزازية بدون توضيح ما المقصود بكلمة استفزازية. فمثلا هل بناء 100 وحدة استيطانية عملا استفزازيا أم لا.

 

وبالنسبة لجدول أعمال المفاوضات المقترحات الامريكية تضمنت جدولا مفتوحا للمفاوضات، أي يستطيع طرف أن يطرح ما يريد من قضايا، كما يستطيع الطرف الآخر أن يقبل أو يرفض وهذا يعني أن المفاوضات ستكون بدون مرجعيه و لا جدول زمني و لا أجنده متفق عليها.

 

أما بالنسبة لخطوات بناء الثقة، فلم توافق الحكومة الإسرائيلية على اتخاذها كعربون يسبق بدء المفاوضات، وإنما ستطرحها على طاولة المفاوضات، ما يعني أنها ستكون محل مساومة. أي أن إسرائيل ستطلب مقابلاً لها. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن تطلب أن  يتم الانتقال إلى المفاوضات المباشرة قبل تنفيذها.

 

بعد 9 جولات قام بها ميتشل، وبعد الخلافات الأمريكية الإسرائيلية فان المطروح هو استئناف المفاوضات بدون تحقيق المطالب الفلسطينية – العربية و أهم المطالب الأمريكية خصوصاً بالنسبة لوقف الاستيطان بالقدس. فالسلام في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية مستحيل، وأقصى ما يمكن أن تقوم به هو تسهيلات اقتصادية وأمنية ضمن خطة السلام الإقتصادي، وتأخير تنفيذ أو التباطؤ بتطبيق المشاريع الاستيطانية الكبيرة، بينما الاستيطان سيتواصل رغم استئناف المفاوضات التي ستكون أفضل غطاء له.

 

لقد أعلن نتنياهو منذ أيام عزمه على شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية. وأعلن نير بركات رئيس بلدية القدس المحتلة عن وجود مخططات استيطانية كبيرة جدا في القدس سترى النور في القريب العاجل.

 

وأعلن سلفان شالوم وموشيه يعلون الوزيران الاسرائيليان في الحكومة الاسرائيليه، وسط تفاؤل إسرائيلي بقرب استئناف المفاوضات، بأن القدس لن تكون محل تفاوض، وأن غور الأردن سيبقى في يد إسرائيل في أية تسوية للصراع.

 

حكومة نتنياهو لا تريد، وليست في موقع المضطر، لوقف الاستيطان وقفا تاما، لا سرا و لا علنا. فالخلافات الأمريكية الإسرائيلية لم تتحول إلى ضغوط جدية، وبلعت الإدارة الأمريكية الموقف الإسرائيلي المتعنت مرة أخرى لأنها تعرضت لضغوط إسرائيلية و من مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة، في ظل أنها لم تحسم أمرها:هل ستواصل أدارة الصراع أم ستسعى لحله.

 

ويضعف موقف الإدارة الأمريكية أن أحزاب المعارضة الإسرائيلية لا تطالب بوقف الاستيطان، وإنما الخلافات بين الأحزاب الإسرائيلية ليست على مبدأ الاستيطان وإنما على الشكل والتوقيت و الأماكن التي يستهدفها. فهناك من يريد الاستيطان في كل مكان وهناك من يطالب بالاستيطان في الأماكن الخالية من السكان بما في ذلك القدس، ما يجعل الرهان على سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية لا يضمن مجيء حكومة أفضل منها سواء إذا جرت انتخابات مبكرة أو تم تغيير الأحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي.

 

أن التغيير في سياسة إسرائيل لا يمكن أن يتم من الداخل الاسرائيلي، وإنما بضغوط خارجية شديدة على إسرائيل تجعل الاحتلال الاسرائيلي مكلفا لاسرائيل وحلفائها أكثر من الأرباح التي تعود عليها وعليهم.

 

وحتى تتوفر الفرصة لممارسة هذه الضغوط لابد من مقاربة فلسطينية وعربية مختلفة جدا عن الاستراتيجية الحالية التي تعتمد السلام كخيار استراتيجي وحيد.

 

تأسيسا على ما سبق فأن استئناف المفاوضات سيتم إذا حدث، وهذا ما سيحدث على الأغلب، وفقا للشروط الإسرائيلية، وذلك لأن العرب يريدون إرضاء الإدارة الأمريكية حتى لا تحملهم المسؤولية عن استمرار وقف المفاوضات.

 

إن استئناف المفاوضات في ظل الشروط الراهنة سيعني إنقاذا لإسرائيل من ورطتها المتصاعدة في ظل الخلافات مع الإدارة الأمريكية والانتقادات الدولية المتزايدة. كما سيعني عمليا أن المفاوضات ستكون هي المرجعية الوحيدة للمفاوضات، ولكن بشروط أسوأ هذه المرة.

 

 فاستئناف المفاوضات  يتم بعد رفض استئنافها لأكثر من 16شهرا على خلفية المطالبة بوقف الاستيطان وتحديد مرجعية لعملية السلام ما يجعل استئنافها ضمن المقترحات الأمريكية هو الحد الأقصى الذي يمكن تحقيقه، وبالتالي يمكن التنازل عنه بعد استئناف المفاوضات، و هذا كله يمنح الشرعية لإسرائيل لمواصلة الاستيطان والتنكر للحقوق الفلسطينية المتضمنة في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، و يمكنها من التنصل أكثر وأكثر حتى من الاتفاقيات الإسرائيلية – الفلسطينية وخارطة الطريق.

 

إن استئناف المفاوضات ضمن المتاح سيؤدي إلى قطع الطريق على تقدم الخيارات والبدائل الأخرى، بما في ذلك على إمكانية تطور الموقف الأمريكي نفسه،  ويوحي بان عملية السلام حية و ما هي كذلك، ما يعطي لإسرائيل مزايا كبرى تمكنها من مواصلة تطبيق مشاريعها التوسعية و الاستيطانية و العنصرية بشروط مريحة.

 

ان البديل هو الاستمرار بوقف المفاوضات و الاصرار على ضرورة  تغيير قواعد اللعبة بحيث يتم الاتفاق أولا على شكل الحل النهائي ومرجعية المفاوضات قبل استئنافها. هذا سيجعل الادارة الامريكية مضطرة للانتقال من حالة الخلاف مع إسرائيل إلى الضغط الجدي عليها. فلماذا يريح العرب إدارة اوباما بدون مقابل يذكر ويضيعون الفرصة التي تلوح أمامهم في ظل متغيرات عربية وإقليمية ودولية مواتية لهم.

 

لو كان الفلسطينيون موحدين و يطرحون استراتيجية مبادرة فعاله تمكنهم من جمع و استخدام أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية كانوا سيملكون هامشا للمناورة داخل المفاوضات، أما عندما يذهبون إلى المفاوضات وهم منقسمون وفي ظل الضعف العربي، وهم عراة تماما و بدون أوراق و أسلحة في أيديهم، ولا أي خيارات أخرى، فليس أمامهم سوى أن يقبلوا باستمرار المفاوضات العقيمة أو ليضربوا رؤوسهم بالحائط انتظاراً للفرج الأمريكي الذي لن يهبط عليهم إذا لم يعرفوا كيف يناضلون دفاعا عن حقوقهم ومصالحهم وأهدافهم ّ!!