خبر أسنتان أم ثلاث؟..معاريف

الساعة 09:02 ص|30 ابريل 2010

بقلم: بن كاسبيت

يقترب الصيف سريعا، ومعه، كما كان قبل ثلاث سنين بالضبط البحث عن الحرب. آنذاك أيضا أعدونا الشتاء كله لامكان حرب في الصيف. لم نعرف تماما ما الذي يقصدون اليه. وآنذاك، قصف شخص ما مفاعلا ذريا سوريا خفيا، ولم تنشب حرب. لقد تغلبت "عوامل الضبط" على سيناريوات الرعب. فقد وضع شخص ما في مكان ما يدين قويتين مسؤولتين على المقود.

        وها هنا الصيف يأتي مرة أخرى. وتأتي معه مرة اخرى تحذيرات الحرب. ما الذي يوجد في الصيف الاسرائيلي ويتطلب الحرب؟ هذه المرة أيضا مفاعلات مستهدفة لكن ليس واضحا هل تهاجم. ومن جهة ثانية تلاشت عوامل الضبط. واليدان على المقود غير مستقرتين. ومستودعات الذخيرة مليئة في جميع الاطراف. وفي الجو رائحة شديدة لمسحوق البارود، تملأ الأنوف وتنذر بالشر.

        في هذه الاثناء يقل الاصدقاء حتى بغير قصف. الوضع قابل للانفجار. لا يعوزنا باحثون عن الحرب والعداوة. أخذت تدهور مكانية اسرائيل في العالم وفي المنطقة ايضا. نحن نفق تركيا ونفقد مصر ونفقد الاردن ودول الخليج واوروبا، ونفقد مكانتنا الخاصة ايضا في امريكا. ولا يوجد من يضع رجله في صدع الباب ويحاول ان يفعل شيئا ما. الملك الاردني في ذعر. يصيبه القلق بالجنون. فالامريكيون يوشكون ان يخرجوا من العراق، ويعلم عبدالله ان الشيء الآتي الذي سيحدث مع عدم وجود مسيرة سياسية حقيقية أن يصبح الايرانيون عنده في الساحة. والطريق قصير منه الينا. انه ينذر ويبلغ لكن نتنياهو يدير له ظهره. ما يزال الاتراك يبتعدون عنا. ما تزال العلاقات بين الجيشين جيدة لكنها لن تظل قوية أبدا. يرى اردوغان ميزان القوى ويعلم قراءة الخريطة الجغرافية السياسية. في هذا الوضع يحتاج الى بالغ مسؤول يحاول اعطاء جواب لكن لا يوجد أحد كهذا عندنا. "لو كنت وزير الدفاع"، قال هذا الاسبوع عنصر رفيع المستوى في جهاز الأمن "لأخذت زوجتي وبناتي وسافرت في عطلة مغطاة اعلاميا الى انطاليا". لكن وزير الدفاع ما يزال يأخذ نفسه ومساعديه ويسافر الى واشنطن. وفي مصر أيضا قلق. عاد مبارك يؤدي عمله ويبدو كل شيء على ما يرام لكن ذلك سيحدث في وقت ما. من الواضح للجميع انه سيحدث هناك في السنين القريبة نقل للسلطة. تشير جميع الدلائل الى ابنه جمال "جيمي" على أنه الوريث الطبيعي. يوجد مزية في هذا "الاستمرار"، لكن غير قليل من علامات السؤال. لا يعلمون في جهاز الأمن تماما ما هي وجهة مبارك الشاب. فلم يسمه رعب الحرب مثل أبيه ومثل جيل الجنرالات. وهو لا يعرف في الحقيقة مزايا السلام. وليس مدينا بشيء لأحد. سيريد مصالحة الاسلاميين، واقرار وضع سلطته وأن ينشىء لنفسه أداة للسيطرة على الجماهير. ليس من الممتنع ان يضطر الى فعل كل ذلك على حسابنا.

        ليس من السهل السيطرة على مصر. تجاور تسع دول النيل، وفي الجيل الاخير ضاعفت لمرتين او ثلاث عدد سكانها. في السنة المقبلة سيزول فعل اتفاق تقاسم ماء هذا النهر العظيم وستكون الجلبة عظيمة.

        ازاء كل ذلك يستمر الجمود. ويستمر في اسرائيل الحيرة في شأن ايران. التقدير الحديث للجهات الاستخبارية الغربية هو أن هجوما اسرائيليا كثيفا على المنشآت الذرية الايرانية سيفضي الى تأجيل السباق نحو القنبلة سنة الى ثلاث سنين. الحديث عن مهلة ذات شأن. وبازائها سلسلة طويلة من الاخطار والنقائص.

        اليكم بعضا منها: سيكون الرد الايراني شديدا. لا مباشرة لان ايران لا تملك في هذه المرحلة قدرة على المس باسرائيل مسا حقيقيا. لكن لها غير قليل من مندوبي التخريب. سيطلق حزب الله علينا جميع ما في مستودعاته. الحديث عن عشرات آلاف القذائف الصاروخية والصواريخ التي تغطي جميع مساحة دولة اسرائيل. لن ينتهي الأمر هذه المرة الى عشرات القتلى بل مئات وربما آلاف ويشتمل ذلك على تل أبيب. وسيضر اضرارا شديدا بالاقتصاد والسياحة والمزاج العام والهجرة والصورة والردع. والى ذلك لا يمكن ان نعلم هل ستظل سورية خارج نطاق الاطلاق. بخلاف صيف 2007، تكثر الاحتمالات هذه المرة أن تجر الى الداخل. فلا تفاوض ولا محادثات ولا سفير أمريكي في دمشق وليس للاسد ما يتوقعه او يؤمله. فاذا دخل هو أيضا فسيصبح ذلك جحيما داميا ساخنا. وما زلنا لم نتحدث عن حماس، وعن عدم هدوء متوقع في مصر، وعن زعازعة في الاردن، وعما قد تحدثه ايران بحقول النفط في الخليج (والاقتصاد العالمي).

        وبعد ذلك كله، من قال ان الهجوم سينجح، ومن قال انه لا توجد في ايران مواقع سرية، ومن قال ان كوريا الشمالية او باكستان لن تقررا فجأة تعويض الايرانيين بسبب "العدوان الاسرائيلي" وأن تمنحا آيات الله اختصار طريق ذات شأن في الطريق الى القنبلة، او قنبلة جاهزة. سيكون من الصعب في وضع كهذا تجنيد العالم. ستجد اسرائيل نفسها مشتعلة ونازفة ومعزولة ومهددة.

 

 

        باراك سيوجه الدفة

        يبدو هجوم اسرائيلي بغير تنسيق مع الولايات المتحدة غير ممكن تقريبا. ما يزال الامريكيون على رفضهم. توجد آراء أيضا في الجهاز العسكري – الأمني لكن لا يحل أن ننسى أنها لا تبت الأمر بل يفعل ذلك المستوى السياسي. يبت ذلك بنيامين نتنياهو وايهود باراك. يرى نتنياهو ان وقف المشروع الذري الايراني مهمة حياة وغاية مقدسة وقسم أبدي. والى جنب كل ذلك لا يحل ان ننسى ان الحديث عن شخص ضعيف متردد يستكين لضغوط أخف كثيرا من حرب الجميع للجميع ويصعب عليه الاستقلال بعبء. انه يحتاج الى تعزيز. لاعب تعزيزه هو ايهود باراك. وزير الدفاع هو مصدر السلطة الحقة لرئيس الحكومة. هذا أمر شخصي وتاريخي بينهما مغروز في الماضي المشترك في دورية هيئة القيادة العامة. برغم أن نتنياهو رب البيت الآن سيظل ينظر الى باراك أبدا على أنه القائد الجليل من الوحدة. اذا دفعه باراك الى الهجوم فسيدفع. فالسؤال اذن ماذا سيفعل باراك. لا يعلم أحد هذا، لان باراك هو أقل من يستطاع توقع فعله في الدولة. ماذا سيفعل؟ من يعتقد في وقت ما أنه يحسن به فعله.

        بدأ الامريكيون في الاسبوع الاخير يغيرون توجههم من بيبي. فقد أخذ رئيس الحكومة يحظى عندهم فجأة بدرجات غير سيئة. قال مسؤول امريكي رفيع لقي أخيرا شخصية اسرائيلية عن نتنياهو انه قد تعلم السلوك الان. فقد أدركوا ان السوط استنفد نفسه وآن آوان الجزرة. كذلك أدت التفاهمات الهادئة في شأن القدس التي كشفت معاريف عنها هذا الاسبوع، أدت عملها. أسكتت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في القدس بلطف (يحاول نير بركات الان ايقاظها)، ووعد بيبي بألا توجد مفاجآت، وان يختفي المشروع في رمات شلومو في هذا الحين، وأن يقف النشاط في الاحياء العربية وأن يفعل كل ما يمكنه منه القانون من أجل التسكين. ومن جهة أخرى، يحتفظ لنفسه بكامل الحق في الاستمرار على احداث ضجيج وتصريح وبيان، كلما أثقلت عليه احتياجاته الائتلافية الداخلية. وعد الامريكيون بامتحانه عن أعماله فقط وألا يتناولوا الأقوال. هكذا يستطيع نتنياهو الاستمرار على الافتخار بالبناء في القدس في حين لا يوجد بناء في القدس حقا ويكون الجميع راضين. حتى الفلسطينيون الذين سيأتون الجامعة العربية في الأسبوع القادم باقتراح تجديد محادثات التقارب آخر الأمر.

        في الطريق الى كورالس

        اذا لم يوجد عطل في اللحظة الاخيرة، فستبدأ محادثات التقارب قريبا. وقد دفن هنا اللغم الكبير الذي قد يفجر هذا الشأن كله. لأن نتنياهو محادثات التقارب اقلاقا ضروريا وأداة لاضاعة زمن لا يحصى، في حين يراها الامريكيون اجراء حاسما يكسر التعادل، سيفضي بالطرفين الى مفرق قرارات حاسمة لا يمكن الهرب منه.

        يرى أوباما انه في اللحظة التي يدخل فيها نتنياهو محادثات التقارب فانه يصبح داخل الكورالس. لا مخرج. الخيار الوحيد هو الاستمرار قدما. خاف شارون هذا الكورالس ولهذا السبب بنى سجنا مستقلا ودخله راغبا (الانفصال). حانت الان نوبة نتنياهو. ولما كان مترددا عن مبادرة مستقلة، جامدا ازاء الاضواء يقضم أظافره فانه مسجون. كان أحد المطالب في قائمة اوباما أن تشتمل محادثات التقارب على مباحثات في جميع القضايا الجوهرية للتسوية الدائمة: الحدود واللاجئين والترتيبات الأمنية والمياه والمستوطنات والقدس. أجل القدس ايضا. وافق نتنياهو. تلاشت هذه الموافقة في الاسبوع الاخير لكن نتج عنها نتيجة حاسمة وهي أنه في الاسبوع المقبل او بعد اسبوعين ستطرح القدس على مائدة المباحثات. القدس نفسها التي بسبب أنها طرحت على مائدة المباحثات عند تسيبي لفني مع أبي علاء، فجرت شاس الائتلاف (الذي لم ينشأ). أحبط بيرس عمل هذه القنبلة في زيارته للحاخام عوفاديا يوسيف قبيل عيد الفصح. شاس مطمئنة الان (برغم ان المعركة وراء الستار بين يشاي واتياس ناشبة بقوة تزداد)، وتترك لنتنياهو التلوي بقواه الذاتية.

        الخطة الامريكية (التي كشف النقاب عنها هنا قبل بضعة أشهر) بسيطة وهي ان محادثات التقارب ستتناول جميع الموضوعات. وقبل كل شيء موضوع المناطق. الحدود. سيرسم ميتشل خريطة الوضع. سيجلس الى أبي مازن ويحقق معه تحقيقا دقيقا ثم ينتقل عنه الى نتنياهو ليمشطه بأمشاط الحديد ايضا. الطلب الفلسطيني من جانب والاقتراح الاسرائيلي من جانب آخر.

        بعد ذلك سيفعل، بحسب الامريكيين، افضل ما يعرف فعله وهو أن يلقي باقتراح تقريب بين وجهتي النظر. كما فعل في ايرلندا الشمالية تماما. لن تكون هذه تسوية مفروضة، لكن ستكون اقتراحا يصعب رفضه جدا. لان من يرفضه سيعلمه اوباما والعالم بعده بأنه يعوق السلام. اذا كان ذلك أبا مازن فيمكن تنفس الصعداء. لكن الدلائل تشير هذه المرة الى انه لن يكون أبا مازن. قد يزيل الامريكيون في هذا الوضع قرار النقض الآلي الذي يحمينا في مجلس الامن ويدعون لسلام فياض أن يأتي في 2011 باقتراح اقامة دولة فلسطينية في حدود 67. عندما يصبح ذلك قرارا رسميا عن مجلس الأمن، سيشتاق نتنياهو "دولة فلسطينية في حدود مؤقتة"، اقترحت عليه منذ زمن.

        ما يزال بيرس مؤمنا

        يوجد آباء كثير لـ "الدولة الفلسطينية في حدود مؤقتة" التي كشف النقاب عنها ها هنا منذ زمن. فهي لب خطة شاؤول موفاز السياسة، لكنها أيضا المبادرة المشتركة بين شمعون بيرس وايهود باراك. وضع بيرس نفسه في زيارته السياسية الاولى لاوباما (قبل بيبي) أمام الرئيس الامريكي هذه الفكرة وعرضها على أنها فكرة يقبلها نتنياهو. بعد ذلك باعها بيرس مباركا وعبدالله أيضا.

        كانت المشكلة ان الخطة بقيت يتيمة لكثرة آبائها. لأن بيبي لن يتبنها حقا. ليست فيه شجاعة أن يقوم معها في مواجهة بني بيغن والرفاق. فهي في هذه الاثناء يعلوها الغبار والصدأ وتلقى معارضة فلسطينية شديدة. وبهذا فان احتمال هذه الفكرة قد نفد. بقينا مع محادثات التقارب. يرى الامريكيون ان نتنياهو مخول الاستمرار على فعل حيلة ما يريدها في مواجهة الداخل، ما ظل يلعب معهم بحسب القواعد التي أقرت في الالعاب الخارجية. سيكون سؤال الاسئلة ماذا سيحدث في أيلول عندما ينتهي التجميد. يتعلق الجواب بوضع المحادثات. اذا أصبح هذا الشأن على شفا انفجار (او في ذروته)، فقد يحطم الامريكيون الادوات. واذا كانت المحادثات في ذروتها فسيصوغون نوعا من صيغة مصالحة (مثل الاستمرار على البناء للزيادة الطبيعية في الكتل الاستيطانية فقط) ويفرضون على الفلسطينيين الاستمرار على المحادثات.

        يحمي شمعون بيرس، وهو متفائل لا يكل (وان كان يرى قلقا جدا في الوقت الاخير) يحمي الجمر، والأمل ايضا. يقول بيرس ان رئيس حكومة لا يدبر الوضع. الوضع هو الذي يدبر رئيس الحكومة. انه يقصد كل رئيس حكومة. فبيغن لم يحلم باخلاء سيناء (حتى آخر ذرة رمل)، والاعتراف بالشعب الفلسطيني واعطائه حكما ذاتيا. ولم يخطط رابين لاعادة عرفات. ولم يفكر شامير في الحقيقة في المضي الى مدريد. ولم يحلم شارون بأن ينقض المستوطنات ويخرج من غزة. انه الواقع أيها الاحمق. هو الذي يتغلب على رؤساء الحكومة ويجريهم في مجراه. يؤمل بيرس ان يحدث هذا في هذه المرة أيضا. أن يتغلب المنطق. وأن يبلغ نتنياهو مفرق القرار ويبته. لن يكون له خيار آخر.

        بيرس متفائل كما هو دائما. لديه أدلة تاريخية في جميع الاتجاهات. فمن جهة يستطيع أن يتذكر واي بلاينتيشن. كيف جر نتنياهو وقيد الى هناك برغم أنفه على يدي حلقة سرية اعتادت الاجتماع في دارة السفير محمد بسيوني في هرتسليا للتطوير. جلس بسيوني في هذه الحلقة وجلس أعوان بيرس وبيلين ورامون وسائر قوى السلام واحتالوا على نتنياهو حتى جر من ناصيته ووقع على الاتفاق الذي كان يفترض ان يشتمل على الانتشار الثاني (13 في المائة) وسلام على اسرائيل. هذه علامة خير حتى الان من وجهة نظر بيرس. لكن استمرار ذلك كان سيئا. فقد عاد بيبي الى البلاد وعاد لنفسه. فجر الاتفاق بصوت قوي وسقط بصوت قوي أقوى. ماذا قد يحدث من كل هذا هذه المرة؟ كله أو لا شيء.

        أخلاق الصندوق الجديد

        توجهت قبل بضعة أسابيع الى أناس صندوق اسرائيل الجديد وطلبت ردهم على التقرير الثاني الصادر عن " ام ترتسو" (اذا شئتم) في شأن مشاركة الصندوق غير المباشرة في تقديم دعاوى قضائية على ضباط الجيش الاسرائيلي. وقد نقلت كما تقتضي الرحمة الى أناس الصندوق التقرير الجديد كله في مساء قبل الموعد الاخير للرد (قبل يومين من النشر). الحديث عن عمل شاذ. يكتفي الصحفي على نحو عام بنقل عدة أسئلة تلخص القضية ولا يسلم الجهة التي سترد التقرير كله الذي سلم اليه وحده. قررت مع ذلك أنه ينبغي فعل ذلك. نشر التقرير ونشأت بعده حملة واسعة أخرى من "ام ترتسو" على الصندوق الجديد (وهي حملة لا ذوق فيها في رأيي استغلت يوم ذكرى ضحايا الجيش الاسرائيلي استغلالا باطلا لكن ذلك من حقهم).

        نقل الي بعضهم رسالة الكترونية نقلتها راحيل ليئال المديرة العامة للصندوق، الى جميع نشطاء الصندوق الجديد مع توجهي اليهم من الفور.

        "قبل نحو من ساعة توجه الينا بن كاسبيت في رسالة الكترونية الى مديرنا للاعلام وعرض التقرير المرفق. الحديث عن هجوم آخر صادر عن رونين شوفال..."، كتبت ليئال، وبدأت تفصل الاعمال العاجلة التي يخطط الصندوق لتنفيذها من الفور: المادة الرابعة من القائمة: "سنحاول أن نعلم التقرير بعلامة "محاضر جلسات ام ترتسو" وبخاصة قبيل يوم الذكرى ويوم الاستقلال". وهنا تأتي المادة الخامسة وهي أشد اثارة للاهتمام: "نزن تسريب التقرير الى صحفي آخر وبثه في الشبكات".

        قرأت ولم أصدق. قرأت مرة أخرى. أفترض أن أناس الصندوق الجديد يعلمون أن هذا الفعل الذي وزنوا فعله (بل ذكروا ذلك خطيا)، هو فعل لا يفعل، يمس بقدس أقداس الاخلاق المهنية، والسرية بين صحفي ومن يجرى معه لقاء، وبالثقة وبأسس المهنة.  الحديث عن عمل تآمري. أعلم أن ليئال لم تسرب التقرير آخر الأمر الى صحفي آخر، لكنها نقلته الى عشرات (وربما مئات) من مراسليها بغير اذن مني. وكانت معجزة أنه لم يسرب. يبدو أنه يحل للرفاق في اليسار ما لا يحل لبني الموتى العاديين.

        هاتفت السيدة ليئال أول من أمس. بدل أن ترد ردا موضوعيا قذفتني بتهمة أنني "انحزت الى جانب". حاولت أن أبين لها أنني لم أؤيد أي جانب، وانني أقدم تقارير عن تقارير أرى أنها تستحق الاستعراض والنقاش ايضا لكن بلا فائدة – فهي لا ترى فحسب أنني أيدت جانبا ما بل انني ايضا أتجاهل حقيقة أن "ام ترتسو" منظمة يمينية متطرفة! اذا كانت "ام ترتسو" يمينية متطرفة، قلت لها فان الصندوق الجديد يساري متطرف، ولكلاهما حق وجود في دولتنا الديمقراطية أليس كذلك؟ أوربما يكون هذا التغاضي مستعدا لهضم أناس ينحرفون الى اليسار لكنه يقيء اولئك الذين يأخذون نحو اليمين (الى أنني لم أتخذ أي موقف. وتعلم ليئال على نحو ممتاز أنني الى جانبها أقرب من جانبهم).

        الحقيقة أنني لم يفاجئني هذا الفعل. ان الشجار بين الصندوق وبين "ام ترتسو"، الذي عشت عليه هنا في الاسابيع الاخيرة، يشحذ الفروق بين خصائص اليسار واليمين. عندما تبين لي ان المتحدث عن الصندوق الجديد أقيل بعد أن اجترأ، في حلقة مغلقة، على التعبير عن رأيه في حرب لبنان الثانية (بعد أن مكث في مدينته المقصوفة مع أبنائه مدة ثلاثة اسابيع)، أدركت انه توجد مشكلة ها هنا. ان اليمين المتطرف، كما أباشر معرفة ذلك كل مرة، يمكن أن يكون عنيفا (ولا سيما بالكلام)، ومتلجلجا وفظا. أما اليسار المتطرف فهو مثير للاشمئزاز في الأساس.

        كلمة حسنة لطيبي

        كان من اللذيذ أن نرى عضو الكنيست كرميل شاما يطير عن منبر خطباء الكنيست عضو الكنيست احمد الطيبي، في اثناء نقاش زيارة أعضاء الكنيست العرب لليبيا. لكن بعد أن انقشع الغبار، وعمدنا الى الفحص الحق عن الحادثة تتبين صورة أخرى.  قبل كل شيء، لا تعرف ليبيا على أنها دولة عدو، بحيث ان الزيارة هناك لا تعارض القانون (وان تكن ربما تعارض دستور أخلاق الكنيست). ثانيا ان ابعاد عضو كنيست وهو ما يزال يخطب عمل نادر جدا (يزعم طيبي انه لم يسبق له مثيل). كان شاما يستطيع أن يدع طيبي يكمل الجملة التي أراد أن يقولها وما كان ليحدث شيء. ومن جهة ثانية كان ذلك سيمنعهما الحصول على الكثير من الانتباه الاعلامي. وثالثا وهو الأهم أنه بخلاف جميع النشرات لم يصفق أعضاء الكنيست للقذافي في ليبيا فقط.

        اليكم ما قاله له طيبي (والترجمة من العربية): "اسمح لي أن أوجه انتقادا ذاتيا لوضع الأمة العربية. لماذا قضي على هذه الأمة أن تكون مجتمع استهلاك لا انتاج؟ لماذا تتفجر قدرات الانسان العربي خارج الدول العربية خاصة؟ كيف يمكن أن نوافق على مراوحة الأمة العربية وراء عجلة التقدم، برغم أن الاسلام هو مصدر الحضارة؟ لماذا تكون ميزانيات البحث العلمي في العالم العربي ضئيلة الى هذا الحد؟ يجب أن يتم البحث في جو حرية وحرية أكاديمية. لماذا لا يكاد العالم العربي ينتج أو يبدع؟ أريد أن أعبر عن خجلي وانتقادي الشديد لأنه لا توجد حتى جامعة عربية واحدة في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم. للامة العربية ميزانيات وموارد كثيرة، لكنها تنفق منها القليل القليل على البحث. لماذا يوجد عدد قليل الى هذا الحد من الفائزين بجائزة نوبل من العرب وكذلك يسافر من يفوزون الى الغرب؟"، وما يشبه ذلك.

        الحقيقة أننا ما كنا لنصوغ ذلك صياغة أفضل. عندما أسهم القذافي اسهامه بقوله "ستنتصرون على الصهاينة بالرحم"، وصفق له مندوبو الحركة الاسلامية الثلاثة، اجترأ الطيبي على مقاطعة جماعة المشايعة وقال "اولئك الذين يصفقون لك جزء من الحركة الاسلامية ونحن لا نتفق معهم". عبر الطيبي وعضو الكنيست بركة ايضا في كلامهما عن تأييد صريح لحل الدولتين.

        ما هو الاستنتاج من كل ذلك اذن؟ يبدو أن الطيبي ليس صهيونيا لكنه في الأقل عربي فخور.