خبر لا تسأل.. لماذا وإلى متى ..علي عقلة عرسان

الساعة 08:56 ص|30 ابريل 2010

لا تسأل.. لماذا وإلى متى ..علي عقلة عرسان

 

لم تنحسر بعد موجة التحذيرات الأميركية لسورية من نقل صواريخ سكاد إلى حزب الله وتزويده بأسلحة أخرى، على الرغم من تكرار القول بأن الإدارة الأميركية غير متأكدة من نقل تلك الصواريخ التي يصعب نقلها إلى لبنان من دون أن تُكتشف.. بل رافقت تلك التحذيرات تهديدات أميركية واضحة، مع تغاض دولي واسع وعجيب عن تهديد إسرائيل لسورية بحرب " تعيدها إلى العصر الحجري"؟!. وقد جاءت التهديدات الأميركية، المطالب بها "إسرائيلياً"، في قول أكثر من مسؤول أميركي على رأسهم وزير الدفاع غيتس ووزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، فقد قال غيتس: " إن سوريا وإيران تزودان حزب الله بالصواريخ"، وأن "لدى حزب الله صواريخ ومقذوفات صاروخية أكثر مما لدى معظم الحكومات في العالم"؟! وقالت كلينتون: ".. على دمشق وطهران أن تدركا عواقب تهديد الدولة العبرية، مؤكدة أن التزام واشنطن بأمن إسرائيل لا يتزعزع."، وأوضح الناطق باسم الخارجية الأميركية: أن «جعل سوريا تتوقف عن ذلك (الدعم لحزب الله) هو أحد الأهداف الأهم لدى الإدارة الأميركية في سعيها لإرسال سفير إلى سوريا".

وكل هذا يشير، بما لا يدع مجالاًً للبس، إلى أن ما تدعيه " إسرائيل" وما تنشره من افتراء، يُصدَّق ويُوضع فوق الشك، حتى لو كان كذباً صراحاً، وخداعاً صارخاً، وأهدافه التكتيكية واضحة تماماً لكل ذي رأي وبصر وبصيرة. كما يشير أيضاً إلى أن ما تطلبه الحركة الصهيونية ينفَّذ، حتى لو كان ذلك على حساب الحق والعدل والسلم والحرية وحقوق الإنسان، ويتم باختراق سيادة دول، ووضع قوانين ومنظمات دولية في خدمة الدولية العنصرية المسخ التي شوهت كل نظيف في عالمنا، وما زالت تتمتع بالدعم والتأييد من دول كبيرة، وكتل دولية أيضاً، ومن دول عربية ـ للأسف ـ يتراكض بعض مسؤوليها ليطمئنوا إلى أن صواريخ سكاد لم تصل من سورية إلى حزب الله عبر لبنان، "فيطمئنوها" يطمئن من أرسلهم. وفي خضم طمأنة المحتل " الإسرائيلي" هذا تأتي دعوات لترسيخ هذا التوجه منها دعوة الرئيس الفلسطيني إلى " حوار شعبي إسرائيلي فلسطيني"؟ على الرغم من خنق "إسرائيل" للشعب الفلسطيني، وسرقة وطنه، وتهويد مقدساته، وتصفية مقاومته، وملاحقة أحراره،  ومحاولة القضاء على مقومات هويته وإرادته ووحدته ووجوده؟!.

إن الكلام عن انحياز دولي لمصلحة " إسرائيل" لم يعد يعبر عن حقيقة الوضع السياسي القائم منذ عقود من الزمن، لأن وضع الدول العظمى والكتل الدولية الكبرى صاحبة النفوذ في السياسة العالمية يكشف فقط قمة جبل الجليد من ذلك التواطؤ المشين مع نوع فريد من العنصرية والاستعمار والعدوان والاحتلال.. وهو تواطؤ ضد الأمة العربية عامة والشعب الفلسطيني خاصة.. ولا يدل على ذلك فقط حصار غزة القاتل ذو العمر المديد، والاستيطان الصهيوني المستمر، وتهويد " إسرائيل" للقدس وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، واحتلال الجولان.. ولا بقاء قضية شعب فلسطين أكثر من ستين عاماً من دون تنفيذ أي من قرارات الهيئات الدولية المتعلقة ذات الصلة بقضيته وتشرده وسجنه ومعاناته، منذ القرارين 181 و194 وحتى آخر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي " القدس"، والمحكمة الدولية " جدار الفصل"، ومجلس حقوق الإنسان " تقرير غولدستون"..إلخ.

بل يضاف إليه ويكشف بعض سُتُره ومستوره، ما طلعت علينا به الدولتان الأعظم: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية قبل أيام ـ ومعهما الاتحاد الأوربي ودول أخرى من الباطن ـ بموقفهما العجيب من جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.. حيث سلمتا جامعة الدول العربية مذكرة مشتركة، اشترطتا فيها: "التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين العرب وإسرائيل قبل تنفيذ قرار الشرق الأوسط الصادر عن مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية العام 1995، والذي دعا إلى إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، وإلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فيها. وطالبت الورقة الروسية - الأمريكية أيضا بانضمام والتزام كل الدول العربية باتفاق إزالة الأسلحة البيولوجية واتفاق إزالة الأسلحة الكيماوية واتفاق حظر إجراء التجارب النووية، وبقية الاتفاقات الأخرى المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل في المنطقة قبل النظر في الملف النووي الإسرائيلي.".؟! وكأن العرب الذين قدموا مبادرة للسلام، فيها الكثير من التنازل ع الحقوق ولكرامة، سكتوا على إهمالها والإزراء بها وبهم لسنوات وسنوات.. كأنهم هم المسؤولون عن عدم تقدم عملية السلام، وأنهم هم الذين يهددون الكيان الصهيوني الذي يحتل أرضهم منذ عقود من الزمن.. وأنهم هم الذين يهددونه بأسلحتهم، ومنها قنابلهم "الذرية" وغواصاتهم وصواريخهم النووية؟! 

فماذا يعني هذا.. أكثر من تواطؤ دولي مكشوف مع العنصرية الصهيونية والعدوان الإسرائيلي ضد الأمة العربية التي يريدون منها أن تستسلم، وبصورة تامة ومزرية، للذي اعتدى عليها، واحتل جزءاً من أرضها، وشرد بعض شعبها، وانتهك وما زال ينتهك مقدساتها.. وإذا لم تفعل فهي معتدية ومسؤولة عما سيصيبها، وسوف تبقى تحت رحمة النووي "الإسرائيلي" الذي لن يُفتح ملف الحديث فيه قبل أن تستسلم الأمة العربية كلياً لمطالب الحركة الصهيونية التي يخضع لها هؤلاء " الدوليون الكبار.. أو يتآمرون معها، ضد الأمة العربية والشعب الفلسطيني، ويناصرونها عليه بالتهديد والحصار وشن العدوان إن اقتضى الأمر.؟! لقد ذكرني هذا الرقص السياسي " النووي" من الروس والأميركيين معاً في مساحة من مساحات الأرض التي يقال إنها أرض دولية.. لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. ذكرني بحلقة الرقص التي دارت في بهو الأمم المتحدة عام 1947 فرحاً " بإسرائيل" وانتصاراً بها، وأقامها أميركيون وسوفييت، على الرغم من خلافاتهم، وذلك في الدقائق التي تلت اتخاذ القرار 181 بتقسيم فلسطين، وقبول " دولة إسرائيل" عضواً في الأمم المتحدة.. ويبدو أن ذلك الرقص سوف يستمر على فوق دمائنا وعلى جثة حقوقنا.. ما لم.. وما لم..!!  

ويبدو التساؤل أكثر من ملح، وأكثر من مشروع‘، وأكثر من دام ومؤرق: لماذا تقوم قيامة العالم، ويُستنفَر عربٌ من العرب، ويوظفون بأشكال مختلفة ضد إيران، التي بدأت الطريق إلى امتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية، بإشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية، وضمن الأنظمة الدولية المرعية، ولم تمتلك بعد تلك الطاقة، وتصرح بأنها لا تنوي التوجه نحو تصنيع أسلحة نووية.. بينما لا تخضع " إسرائيل" لمجرد السؤال عن مفاعلاتها وأسلحتها النووية الكثيرة والمتنوعة، بل تُطوَّر أسلحتها تلك، وتُناصر على امتلاكها وعلى إشهارها سلاحاً على العرب.. " إسرائيل" التي تمتلك مفاعلات نووية منذ عام 1956وأسلحة نووية بكثرة هددت بها العرب، وهي تهدد سورية اليوم علناً "بإعادتها إلى العصر الحجري".. ومن المسلم به أن هذا التهديد ينطوي على استخدام للسلاح النووي الذي تملكه إسرائيل منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين.؟! ولماذا يتم كل ذلك من دون كلمة أو تلميح أو مساءلة، أو مجرد طرح السؤال على إسرائيل.. لماذا.. وإلى متى..!؟ لكي تنضم إلى الاتفاقية الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وتخضع لما تخضع له دول العالم؟! بل لماذا يتم عكس ذلك أي حماية "إسرائيل ومشروعها النووي"، وجعله سيفاً مصلتاً فوق رقاب العرب، الذين تحتل جزءاً من أرضهم وتشرد جزءاً من شعبهم، إلى أن يستسلموا لها كلياً وهي المغتصبة لأرضهم والمعتدية عليهم.؟ ألا يكشف هذا عن تواطؤ عفن ذي أبعاد ثقافية وروحية واقتصادية بالدرجة الأولى، وعن انحياز أعمى وغير أخلاقي، إلى العنصرية والاحتلال الصهيونيين، ضد شعب فلسطين المتعلق بالحرية وأمته العربية المسالمة؟.. أفلا ينم أيضاً عن احتكار للطاقة المتقدمة ولكل الأسلحة، وعن ملاحقة، ساخنة شاملة، لكل من يريد من العرب والمسلمين أن يتقدم علمياً، ويمتلك ما يدافع به عن نفسه وأرضه، من أسلحة عادية، تمتلكها معظم الشعوب والدول، وتنتشر في كل أصقاع العالم، وتملك " إسرائيل" منها ما يفوق ما نملكه وما قد نملكه بدرجات.. كماً ونوعاً.؟

ما هو الهدف من كل ذلك يا ترى؟ ولماذا السكوت على هذا التواطؤ القذر والاستسلام له.؟ وإلى أين المصير يا أمة العرب.. بعد كل هذا الذي نتعرض له ويدبَّر لنا ولأجيالنا في المستقبل؟ ألسنا قادرين على أن نصرخ.. أن نقول معاً.. لا..؟ هل سلَّمنا بأن الطريق أمامنا مغلقة تماماً ونهائياً، وأن النفق الذي ندخله بلا ضوء في نهايته، وأن العالم كله ضدنا، وأن الصهيونية العنصرية هي الأقوى.؟!. لا.. أرفض أن أصدق، أرفض أن أقبل، أرفض أن أنتهي، أرفض أن أدفَت حياً.. ولا أظن أن هذا " الراهن العربي يشكل كل معطيات الواقع وإمكانياته والمستقبل واحتمالاته وقدرة أجيال الأمة العربية على الدفاع والإبداع.. وأنه النهاية والمصير: بخيوطه وخططه وصورته النهائية.. فالمستقبل الذي يمكن أن نرسمه نحن بوعي وإرادة واقتدار وتضحية هو بالتأكيد على غير هذه الصورة القائمة القاتمة، إنه يرسم بأمل وثقة وانفتاح وإدراك ووعي.. بالتفات إلى آفاق مفتوحة: ذاتية، وإسلامية، وعالمية، وإنسانية.. فالعالم أوسع بكثير من هذه الحلقة الأميركية ـ الصهيونية التي يريدون أن يوهموننا بأنها أقدارنا وقبورنا.. والعالم، بكل تأكيد، أوسع بكثير من الغرب كله ومنة عدائه الدفين لنا.. ولكن لا يمكن أن نرى رؤية واضحة صحيحة ثاقبة إلا إذا رفعنا عن عيوننا السجف التي يسدلها على عقولنا ونفوسنا، على عيوننا وبصائرنا، الخوفُ والجهل والتنافر والمبلسون من الناس، ومن يستهدفون أمتينا، العربية والإسلامية، بكل وسائل الاستهداف وأدواته.. ومنها ما يقوم به من هم بعض لحمنا وجلدنا ودمنا من تدليس وتيئيس وتخل عن الانتماء والقضايا القومية المصيرية، و" حمل رسائل بين الضحية والجلاد"، وارتماء في أحضان الأعداء، ومناصرة لهم على روح الأمة ومقاومتها وحقوقها، وعلى إرادة الصمود والتقدم لديها.. ولا تسأل عن لماذا وإلى متى.. فذاك أصبح معروفاً مكشوفاً.

أن أمتنا العربية ستبقى وتنتصر، مهما طال الزمنـ وامتد السبات، وتهاوت عليها السهام.. وتلك دروس التاريخ لمن يُحسِن القراءة، وذاك حداء ريح الصحراء لمن يسمع ويعي.. وتلك هي بعض دماء الشهداء، مشاعل الليل، التي تضيئ طريقنا إلى المستقبل.

والله المستعان على كل حال.

دمشق في 30/4/2010