خبر الديمقراطية الوحيدة .. هآرتس

الساعة 11:17 ص|29 ابريل 2010

بقلم: جدعون ليفي

الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط قد تكون وحيدة، لكن أشك في أن تكون حقيقية. يعرض استطلاع للرأي نشر أمس في صحيفة "هآرتس" ما كان معلوما منذ زمن: التأليف بين الجهل، وعدم الفهم الاساسي ومزاج عام فاشي، وروح شرير وخطر يغشى النظام الذي يهدد بالتمزق.

على حسب الاستطلاع الذي قام به "مركز تامي شتاينميتس لابحاث السلام" في جامعة تل ابيب، تصور كثرة معادية للديمقراطية صلبة بينة. كثرة تريد معاقبة الكاشفين عن قضايا أمنية وغير مستعدة لأن تمكن منظمات حقوق الانسان من العمل بحرية، كثرة تؤيد معاقبة من يدعون الى فرض قطيعة على اسرائيل وكثرة لايقاع عقوبات باهظة على صحفيين يكشفون عن معلومات عن أعمال غير أخلاقية للجيش الاسرائيلي.

العقاب، العقاب، العقاب، العقاب والاسكات، شهوة العقاب  وطمع الاسكات – هذه ارادة الشعب وهذا صوته. هذا أكبر خطر بين جميع الاخطار الحقيقية والمصنوعة التي تترصد باسرائيل وهو أكثرها صدقا ومباشرة.

هاكم مثلا حاييم يوآفي اربينوفيتش، وهو مدقق حسابات دعا الى اعتقال ناشر صحيفة "هآرتس" عاموس شوكان "بعد أن ظهر في التلفاز بساعة" في قضية عنات كام ومحاكمته عن الابتزاز والخيانة لا أقل من ذلك. "ليست كام جاسوسة انها خائنة"، كتب رابينوفيتش ودعا الى عقابها أيضا بحسب ذلك. ينبغي أن نفترض أن أناسا مثله لا يرون الاعدام في ميدان المدينة عقوبة مفرطة.

ليس رابينوفيتش وحده. لقد ذاعت أفكاره في الشبكة وحظيت بغير قليل من التأييد. وليس هو المشكلة أيضا. فمثله يوجد اليوم في كل مجتمع سليم. المشكلة هي أنه لم يبق في اسرائيل في 2010 تقريبا أجهزة لوقف هذا التيار الظلامي الجاهل وللدفاع عن حرية التعبير الذي قال 98 في المائة من المستطلعة آراؤهم أنه مهم عندهم وهذا لا يصدق.

كم هو اسرائيلي أن تكون (في ظاهر الأمر) مؤيدا لحرية التعبير وأن تكون معارضا لها في الواقع.

لا يحتاج الى أي استطلاع للرأي: ان أكثر الاسرائيليين يظنون أن الديمقراطية هي (فقط) انتخابات واحدة كل بضع سنين؛ لأنه يكفي أن ترفع كثرة ضئيلة أيديها في الكنيست مؤيدة كل مظلمة وجريمة من أجل احلالهما؛ وأن الأمن يغطي على كل شيء؛ وأنه توجد علاقة بين حملات نفاق  الساسة في الانتخابات التمهيدية وبين الديمقراطية؛ وأن كل من يجرؤ على الانتقاد او الكشف او تجاوز الصف، وأن يسمع صوتا آخر فحكمه واحد؛ وأن الكثرة قادرة على كل شيء وأن القلة يجب ان تكون عاجزة.

ضاق أكثر الاسرائيليين ذرعا ايضا بجميع أجهزة الرقابة والنقد التي هي امتحان النظام الحقيقي. لتذهب الى الجحيم بقايا الصحافة الحقيقية في اسرائيل؛ ولتذهب الى الجحيم المحكمة العليا التي لا تفي بعملها دائما اصلا؛ ولتقف عند حدها منظمات حقوق الانسان الخائنة. إيتونا باسرائيل من غير محكمة العدل العليا ومن غير بتسيلم.

إن اسرائيل كهذه مستعدة أن تحث قدما كل شر. اسرائيل مستعدة للطغيان ولن يقفها شيء. فكل زعيم عنيف وخطر وكل جريمة حرب ستستقبل هنا بمباركة، بمباركة الجهلة والظلاميين.

أضعفت أجهزة الحصانة وتلاشت قوتها منذ زمن. والصحافة ستصمت، والمحكمة العليا ستعفو، والاحتجاج في غفوة، والمجتمع المدني لم يعد قائما. امض وبين في اسرائيل 2010 أن عمل الصحافة هو أن تكشف، وأن عمل المنظمات غير الحكومة أن تنذر، وأن عمل المحكمة العليا أن تقف حارسا. فكل هذه يجب عقابها أصلا. واذهب وبين ان طغيان الكثرة لا يقل خطرا عن سيطرة القلة. وامض وبين أن الديمقراطية تعني الانتخاب الحر بلا حدود.

أخذ ينسى كل ذلك. ولا يوجد من يشربه النفوس. تجاوزنا فرعون، وسنتجاوز ايران لكننا لن نتجاوز هذه الأزمة. فهي تتغلغل من الداخل وتهدد باخرابه على سكانه. الجو العام  الحالي هي أرض استنبات كلاسيكية وكأنما نسخت من كتب التاريخ لنمو نظم وحشية. لا يحتاج الى انقلاب عسكري في اسرائيل؛ فجهاز الامن يسيطر سيطرة مفرطة على أكثر مجالات الحياة. ولا يحتاج الى طاغية فطغيان الكثرة خطر على قدر كاف.

"السيد شوكان، محرر صحيفة "هآرتس""، كما سماه رابينوفيتش بجهله، لن يحاكم الآن، ولن تعدم كام. لكن النظام الديمقراطي في اسرائيل قد حوكم، وأخذت عقوبته تقضى ازاء أعيننا المغمضة.