خبر إسرائيل وشائعات الحرب .. باتريك سيل

الساعة 01:57 م|27 ابريل 2010

بقلم: باتريك سيل

ليس هناك من يستطيع أن ينكر في الوقت الراهن، أن ثمة حالة من القلق الشديد، تسود الشرق الأوسط، وهي حالة ناتجة عن كون كثيرين يتوقعون أن الحرب قد تنشب في المنطقة هذا الصيف. والسيناريو الذي يتم استدعاؤه في غالبية الأحيان هو إقدام إسرائيل على شن حرب أخرى ضد لبنان تكون بمثابة نسخة موسعة من الحرب التي شنتها عام 2006، ويمكن أن تتطور هذه المرة إلى صراع أكثر اتساعاً، يجر سوريا. في هذا السياق حذر العاهل الأردني من احتمال نشوب حرب إقليمية. كما قال جنبلاط زعيم الدروز في لبنان إن إسرائيل تنتظر الظروف المناسبة لمهاجمة العالم العربي.

والشاهد أن القادة الإسرائيليين لم يترددوا في تأجيج نيران الحرب: فالرئيس الإسرائيلي فاقم من التوتر الإقليمي هذا الشهر عندما وجه اتهاماً علنياً لسوريا، بأنها هربت صواريخ من طراز "سكود" لـ"حزب الله" في لبنان.

كما نقلت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية عن سياسي إسرائيلي لم تنشر اسمه قوله إنه إذا ما جرؤ "حزب الله" على شن هجوم بالصواريخ على إسرائيل، فإن الأخيرة" ستعيد سوريا إلى العصر الحجري".

كما وجه الرئيس الإسرائيلي أيضاً تحذيراً صيغ بأسلوب مبهم لإيران عن "القدرات" العسكرية الإسرائيلية.

وليس ثمة حاجة إلى القول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، شأنه شأن بيريز، لا يضيع فرصة دون أن يسعى لشيطنة إيران وتصويرها بأنها تمثل تهديداً مميتاً ليس فقط لإسرائيل، وإنما للعالم بأسره. وكان نتنياهو قد ألمح في مرات عديدة إلى أنه إذا فشلت الولايات المتحدة في إيقاف البرنامج النووي الإيراني، فإن إسرائيل ستقوم بهذه المهمة بمفردها.

في الوقت ذاته، لم تقف إيران مكتوفة الأيدي، حيث سعت لحشد الرأي العام العالمي ضد قرار العقوبات الأكثر صرامة التي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضه عليها. كما شجبت الموقف الأميركي النووي الجديد تجاهها، والذي خصها، وهي كوريا الشمالية دوناً عن بقية الدول كأهداف محتملة لضربات نووية أميركية، ووصفته بأنه يمثل"إرهاباً نووياً".

كما أجرت إيران هذا الأسبوع مناورات بحرية واسعة النطاق في الخليج ومضيق هرمز، اشتملت على تجارب لصواريخ، وأعلنت طهران أن هدف تلك المناورات هو"الحفاظ على أمن ممرات النفط"، وهي تقصد بذلك أن أمن هذه المنطقة الحيوية لا يمكن أن يترك لقوة خارجية مثل الولايات المتحدة.

وإيران تحدوها رغبة شديدة في رؤية القوات الأميركية، وقد رحلت عن جوارها القريب، بيد أن السؤال هنا هو ما على وجه التحديد الشيء أو الأشياء التي تقف وراء حرب الدعاية التي تشنها إسرائيل في الوقت الراهن؟ هناك في تقديري ثلاثة دوافع تكمن وراء ذلك: الدافع الأول، من خلال إقدامها على تهديد جيرانها بشن حرب عليهم، تبدو حكومة نتنياهو "اليمينية" المتطرفة، متلهفة لتحويل انتباه أميركا بعيداً عن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتوجيهه نحو تهديد مزعوم تشكله إيران وسوريا، و"حزب الله".

ويشار في هذا السياق إلى أن إسرائيل قد انزعجت بسبب التقارير الواردة من واشنطن، والتي تفيد أن أوباما، وفي إطار رغبته في كسر الجمود الحالي في المفاوضات، قد يعلن عن خطة للسلام في المنطقة ويسعى لفرضها على الأطراف المتنازعة، وهو أكثر ما يخشاه نتنياهو. بناء على ذلك قام رئيس الوزراء الإسرائيلي على الفور، بإعلان رفضه لأي نوع من أنواع التسوية المفروضة، في الوقت الذي تجاهل فيه دعوة الرئيس الأميركي لتجميد البناء في القدس الشرقية العربية.

ومن المعروف أن نتنياهو، شأنه في ذلك شأن أعضاء "اليمين" المتطرف في تحالفه الحاكم من المؤمنين بـ"إسرائيل الكبرى"، وأنه يعارض معارضة تامة القومية الفلسطينية، وقيام دولة فلسطينية قادرة على الحياة.

وهناك احتمال كبير أنه يحسب حساباته على أساس أن قيامه بشن حرب صغيرة يمكن أن يضعف المعسكر العربي، ويجعل إسرائيل قادرة على كسب المزيد من الوقت، لتواصل استيلاءها على الأراضي الفلسطينية.

وبقيامه باتهام سوريا بتهريب صواريخ متقدمة لـ"حزب الله"، يمكن أن يكون الدافع الإسرائيلي الثاني لحملتها الدعائية الشرسة هو تخريب أي محاولة لتحقيق التقارب بين الولايات المتحدة وسوريا. ويشار في هذا السياق إلى أن مجلس الشيوخ الأميركي، يناقش في الوقت الراهن ما إذا كان سيقوم بالمصادقة على تعيين "روبرت فورد" كسفير للولايات المتحدة في دمشق -أول سفير منذ خمس سنوات -أم لا. وقد حاول بعض أعضاء المجلس من المؤيدين لإسرائيل، تعطيل أو إلغاء تعيين السفير، بحجة أن ذلك سيكون بمثابة مكافأة لسوريا على "سوء سلوكها".

من خلال قرع طبول الحرب، يبدو أن الدافع الإسرائيلي الثالث لتلك الحملة الدعائية الشرسة هو تقويض محور (دمشق - حزب الله)، الذي ترى فيه إسرائيل عقبة كأداء، تقف في طريق هيمنتها الاستراتيجية على المنطقة. فمن الواضح بالنسبة لجميع المراقبين أن لا إيران ولا سوريا -ناهيك عن "حزب الله" بالطبع - يمكن أن تفكر في شن هجوم على إسرائيل، لأنهما تعرفان جيداً أن الرد الإسرائيلي سيكون مدمراً، ولكنهما يودان أن يكونا على درجة من القوة تكفي لصرف إسرائيل عن شن هجوم عليهما! و هذا ما يطلق عليه الردع، وهو تحديداً ما ترى فيه إسرائيل تهديداً.

فإسرائيل لا تريد أن يصل أحد من جيرانها إلى وضع يمكنه من الدفاع عن نفسه، وهذا هو السبب الذي جعلها تثير كل هذه الضجة حول تهريب الصواريخ المزعوم لـ"حزب الله"، فهي تريد أن تكون قادرة على الضرب، دون أن تتعرض هي للضرب من قبل الأعداء. لذلك لن يكون أمراً مثيراً للدهشة بالكلية، أن يحلم بعض الإسرائيليين بحرب على غرار حرب 1967، تستعيد هيمنة إسرائيل على المنطقة كلها في الأجل المنظور على الأقل، وتسمح في الوقت ذاته لحلم إسرائيل الكبرى بأن يمضي قدماً في طريقه دون عائق.