خبر عن « إسرائيل » التي تعاند التغيير في عالم متغيّر! .. ماجد كيالي

الساعة 03:49 م|25 ابريل 2010

بقلم: ماجد كيالي

تبدو إسرائيل، بين الدول، عصية على التغيير، وذلك بإصرارها على طابعها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، بخلاف الاتجاه العالمي. الأنكى أن إسرائيل تعاند حتى راعيتها وضامنة أمنها وتفوقها في المنطقة (الولايات المتحدة)، التي تحاول التخلص من التركة الاحتلالية التي خلفها لها الرئيس السابق جورج بوش، في العراق وأفغانستان، وتحث الخطى نحو التعاون مع الدول الكبرى للتخفيف من مظاهر التوتر والعسكرة، وتحجيم الأخطار النووية، وتعمل على إعادة الاعتبار لعلاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي من مدخل حل القضية الفلسطينية، وإيجاد حلّ سلمي للملف النووي الإيراني.

هكذا تبدو إسرائيل في حيرة من أمرها، إزاء الوضع الصعب والمعقّد الناشئ في محيطها، والطريق الذي يتوجب عليها أن تسلكه، كما إزاء علاقاتها مع الولايات المتحدة. ولم يسبق لإسرائيل، أيضا، أن واجهت مجموعة تحديات كالتي تواجهها الآن، فعلى الصعيد الداخلي ثمة انقسام عميق بين المتدينين والعلمانيين، وبين اليمينيين واليساريين (بالمعايير الإسرائيلية)، لاسيما لجهة التعاطي مع عملية التسوية. وثمة، أيضا، مسألة "الخطر الديموغرافي"، وكيفية حفاظ إسرائيل على وضعها كدولة يهودية.

وعلى الصعيد الخارجي ثمة تغير كبير ونوعي في الوضعين الإقليمي والدولي، من ذلك تحول تركيا نحو مناهضة سياسة إسرائيل، وصعود نفوذ إيران (الساعية لحيازة قوة نووية)، وتزايد عزلة إسرائيل في أوروبا (على صعيدي الحكومات والمجتمعات)، وتضعضع علاقاتها مع الولايات المتحدة، وكلها تفيد بتراجع مكانة إسرائيل دوليا وإقليميا، وتغير محيطها الاستراتيجي، وتآكل صورتها كدولة قوية ورادعة، فضلا عن انكشاف حقيقتها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية في المنطقة.

الأنكى أن إسرائيل هذه، وفي ظل كل تلك الظروف، تجد نفسها محشورة في مواجهة خيارين صعبين وإشكاليين، فإما مسايرة الإدارة الأميركية، بشأن عملية التسوية، بخاصة مع الفلسطينيين، وإما معارضة هذه السياسة، وتحمل تبعات ذلك، وضمنه إضعاف المساعي الأمريكية لتقويض سعي إيران لحيازة قوة نووية؛ الأمر الذي يضرّ بإسرائيل ويهدد وجودها.

ومع أن ثمة قوى في إسرائيل، محسوبة على اليمين المتطرف، تستنكر ما تسميه ضغوطا أمريكية، وتلوّح بكشف حساب بالخدمات التي قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة، إلا أن أصواتاً كثيرة حذرت من الأزمة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وحثت إسرائيل على إيجاد مخرج مناسب، يسهّل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ومثلا، فهذا نفتالي روتنبرغ (حاخام، وباحث في معهد فان لير بالقدس) يحذّر من مغبة معارضة توجهات أوباما، لأن البديل عن ذلك سيتمثل بفرض هذه التوجهات على إسرائيل، وفق السيناريو التالي: "في غضون ستة أشهر سيتخذ مجلس الأمن قرارا بإقامة دولة فلسطينية في حدود 67، على أساس خطة السلام العربية.. ستمتنع الولايات المتحدة عن التصويت.. ونصير على وشك أن تنتشر قوات متعددة الجنسيات تساعد الفلسطينيين على تطبيق سيادتهم مقابل إسرائيل.. الواقع السياسي الجديد بات هنا. التغيير سيأتي في أعقابه من دون الأخذ في الاعتبار موفقنا السياسي أو الإيديولوجي ("يديعوت أحرونوت"، 6/4). ويؤكد افرايم سنيه (وزير وعضو كنيست سابق عن حزب العمل) على تلافي هذه التداعيات، وبرأيه "ليس بوسع إسرائيل الصمود لفترة طويلة في المواجهة ضد أصدقائها في العالم في الوقت الذي تتآكل فيه شرعيتها بشكل متزايد.. لا تستطيع إسرائيل العيش في ظل إيران نووية. فالهجرة إلى إسرائيل ستتوقف، وهجرة الشباب الإسرائيلي إلى الخارج ستتزايد، والاستثمارات الأجنبية ستتقلص. إسرائيل لن تعود بيتاً آمناً ليهود الشتات، والتي ستغيب عنها. المشاريع الكبيرة، ستصل الى أن تكون نهاية الحلم الصهيوني.. ميزان الردع الإقليمي سيتغير في غير مصلحة إسرائيل ("هآرتس"، 3/4). وعقّب نير شعلي على هذه الأزمة قائلا: "أغلبية الإسرائيليين تريد الاهتمام بالأحياء لا بالأموات.. تريد الازدهار الاقتصادي.. الاستثمار في التعليم، في الثقافة وفي الرياضة. تريد أن تكون مثل السويد، كندا، الولايات المتحدة، هولندا، بريطانيا واستراليا، وليس مثل الباكستان، نيجيريا، إيران، اليمن وأفغانستان..في النهاية سينتهي الحال بدولتين، إذ هكذا كل العالم يريد".("معاريف" 28/3).

مقابل ذلك فإن تيارات اليمين الديني والقومي المتطرف تطالب نتنياهو بالصمود وعدم الخضوع للإملاءات الأميركية، لأن في ذلك إضعافا لصهيونية إسرائيل ويهوديتها، وبدعوى أن هذا الخضوع يسهم بإضعاف هيبتها ومكانتها في المنطقة، ويشجع على المزيد من رفع المطالب في وجهها. وبديهي فإن هذا الاتجاه يطالب بالإبقاء على هذه الحكومة، ولو بثمن مغادرة حزب العمل لها. في هذا الإطار يقول يعقوب عميدرور(عميد احتياط): "الخضوع الآن لمطالب واشنطن أخطر. ينبغي ترك التنازلات الضرورية إلى المفاوضات لا أن ندفعها ثمنا لبطاقة الدخول إليها." ("إسرائيل اليوم" 16/3) وبحسب ايزي ليبلار فإن "أوباما لا يخفي عداءه لنتنياهو.. الولايات المتحدة تؤيد أكثر مواقف الفلسطينيين.. توجد خطوط حمر لا تستطيع أي حكومة إسرائيلية تجاوزها" ("إسرائيل اليوم" 18/3). وذهب نداف هعتسني أبعد من ذلك حين قال محذرا من أن التنازل عن الاستيطان، إرضاء للولايات المتحدة، سيؤدي إلى تشجيع الفلسطينيين على المطالبة لاحقا بقرار التقسيم (تشرين الثاني 1947)، وبالتالي بحظر "بناء شقق في يافا أيضا" ("معاريف" 18/3) ووصل الأمر الى حد أن حانوخ داووس قلّل من أهمية المساعدت الأميركية، حيث: "إسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة..هذا صحيح. ولكن يوجد جانب آخر في هذه المعادلة: الولايات المتحدة هي أيضا تحتاج إلى إسرائيل..لا توجد خطوة منطقية يمكنها أن تدعم التراجع التام لإسرائيل أمام الأميركيين" (يديعوت أحرونوت 16/3).

هكذا، مازالت إسرائيل تصر على مواصلة الاستيطان وتهويد القدس، وإعاقة عملية التسوية، والتحريض على خيار الحرب ضد إيران. وفوق كل ذلك فهي تواصل تنكيلها بالفلسطينيين، بهدم بيوتهم في القدس، وبعبرنة أسماء الأماكن العربية، وبالتضييق على السلطة الفلسطينية، وآخر ذلك انتهاجها بدعة جديدة تتمثل بطرد فلسطينيين من أرضهم بدعوى أنهم "متسللون" أو مقيمون غير شرعيين! وبالطبع فإن نتنياهو لا يوفر وسيلة لمعاندة السياسة الأميركية، ولهذا الغرض لم يذهب حد الإجابة عن تساؤلات الرئيس أوباما، وامتنع حتى عن حضور المؤتمر الدولي بشأن الأسلحة النووية في واشنطن.

وفي الحقيقة فإن إسرائيل تتشجّع على معاندة رياح التغيير مصرّة على طابعها كدولة يهودية /دينية، وعنصرية، واستعمارية، مستغلّة ضعف الفلسطينيين وتمزق حركتهم الوطنية، وهشاشة النظام العربي، وغياب إرادة دولية ضاغطة إلى الدرجة المناسبة. أما في حال تغيرت هذه الأوضاع فإن إسرائيل لن تمتلك لا الجرأة ولا الوقت على السير عكس خريطة الرياح العالمية.