خبر قرار التهجير.. ولنا في التاريخ عبرة!.. نواف الزرو

الساعة 05:12 م|21 ابريل 2010

قرار التهجير.. ولنا في التاريخ عبرة!.. نواف الزرو

 

هي ذات المرتكزات التي انتهجتها الحركة والتنظيمات والدولة الصهيونية على مدى العقود الماضية من الصراع.. فلم تكن تلك الدولة لتقوم عمليا لولا تلك المرتكزات الارهابية.. كانوا يريدون فلسطين كلها بلا سكان، فلجأوا إلى سياسات التطهير العرقي بكافة مضامينها وترجماتها على الأرض من مجازر وتهجير وتدمير واستعمار استيطاني اقتلاعي إحلالي... وهم يريدون اليوم أيضا القدس والضفة بأقل عدد من السكان إذا لم يكن بلا سكان، ولذلك يستحضرون ذات المرتكزات.

 

فالقرار العسكري الإسرائيلي الأخير بتهجير عشرات الآلاف من أهل القدس والضفة ينطوي عمليا على جملة من المعاني والدلالات الخطيرة جدا، فهو يضعنا مباشرة أمام حقيقة فلسفة التطهير العرقي وسياسات الترانسفير المنهجية التي تشكل بالنسبة لهم قاعدة حروبهم المفتوحة ضد الشعب والقضية والأرض والحقوق والهوية العربية في فلسطين، إلى ذلك فهو من شأنه أن يخل بالميزان السكاني تدريجيا لصالحهم، وأن يعمل على تمزيق الوحدة الجغرافية-الديموغرافية في الضفة، ويعمل على تكريس حالة الفصل ما بين طرفي الجسم الفلسطيني في الضفة والقطاع، ناهيكم عن أنه يأتي في صميم تكريس وتخليد مشروع الاستيطان والتهويد الذي بات ينتشر على نحو سرطاني مرعب في كافة انحاء الجسم الفلسطيني.

 

لذلك- ربما يكون عنوان "التطهير العرقي في فلسطين" من أهم وأخطر العناوين التي يذكرنا بها هذا القرار الذي يستند الى مسوغات وذرائع مبتكرة مزيفة غير قانونية أو شرعية.

 

يحملنا القرار الترحيلي الأخير هنا عبر نفق الزمن الممتد على نحو اثنين وستين عاما مضت من عمر الدولة الصهيونية واغتصاب فلسطين، إلى نهج الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي اقترفته التنظيمات الإرهابية الصهيونية قبل قيام إسرائيل والذي واصلته وما تزال تلك الدولة على مدار سنوات الصراع في فلسطين.

 

وما يحدث في فلسطين في هذه الأيام يعيدنا إلى ذاكرة النكبة والتطهير والتهجير واللجوء، وإلى نقطة البداية، وإلى "سياسات التطهير العرقي".

 

تقف وراء هذه السياسات العنصرية التطهيرية الإبادية الممتدة، أدبيات صهيونية غزيرة كلها تجمع على تهويد فلسطين بالكامل وعلى "إسرائيل دولة يهودية بدون عرب"، وعلى "أن طرد من تبقى من العرب على قمة الأجندة الأمنية السياسية الصهيونية".

 

وهذا ليس عبثا وبدون مقدمات، فالتاريخ الصهيوني طافح بحروب "التطهير العرقي والإبادة الجماعية"، ولنا في ذلك في التاريخ عبرة.. بأن نستشهد بما جاء في كتاب المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابيه "التطهير العرقي في فلسطين"، الذي يورد رسالة كتبها دافيد بن غوريون لابنه عام 1937 يشرح فيها رؤيته بضرورة "طرد العرب من فلسطين عنوة، عندما تحين اللحظة المناسبة كالحرب مثلاً"، وفي صميم هذه الأدبيات أيضا جاء مبكراً على لسان بن غوريون الذي كتب في مقدمة كتاب تاريخ الهاغاناه عام 1954 يقول: "في بلادنا هناك فقط مكان لليهود وسوف نقول للعرب أخرجوا ، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة".

 

ويضيف بابيه: "أن فكرة التطهير العرقي ولدت مع نشوء الصهيونية إلا أنها حولتها لخطة عندما بات اليهود ثلث سكان البلاد، لافتا إلى أن الخطط "أ""1930" و"ب" "1946" و"ج" "1947" تتحدث عن ذلك لكن الخطة "د" "1948" تحدد معالم خطة التطهير العرقي بوضوح وبشكل صريح".

 

ويلفت إلى أن الصهيونية خططت لتطبيق برنامجها في غضون ستة شهور لكنها تمكنت من ذلك في كثير من الأحيان بأقل من ذلك بكثير، منوها إلى أنها دمرت 530 قرية وأفرغت 11 مدينة من سكانها.

 

وإلى عام 1956 حيث كتب مناحييم بيغن في كتابه "التمرد" يطلب من الإسرائيليين: "ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبداً، وعندما تقتلون أعداءكم ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية التي ستبنى على أنقاضها حضارتنا".

 

وصولا إلى عام 1973 حيث قال موشيه ديان: "لا أرى كيف يمكن أن نقيم دولة يهودية دون أن ندوس على المحاصيل: سيادة محل سيادة ويهود يقيمون في مكان أقام فيه العرب".

 

وما بين ذلك الزمن النكبوي الذي أقدمت فيه العصابات الصهيونية على التطهير العرقي والتدمير الشامل، مرورا بالخمسينيات والستينيات والسبعينات والثمانينات.. وما بين المشهد الراهن، يكشف البروفيسور "أرنون سوفر "، المعروف بأنه الأب الروحي لفكرة ترحيل العرب من الجليل والمثلث، في لقاء أجرته معه مجلة "بماحنيه" الناطقة باسم الجيش الإسرائيلي عن الفكر الترانسفيري والنوايا المبيتة قائلا: ".. إن التاريخ يعلمنا أن فكرة الترانسفير الطرد والقتل هي أمور قائمة.. وقد يكون هذا خيار قائم أمامنا، غير أن طرد "200" ألف عربي– فقط– لن يغير من الوضع الديموغرافي".

 

الى ذلك- فان المشهد الفلسطيني الماثل أمامنا يتحدث عن أن دولة الاحتلال ليس فقط تواصل عن سبق تخطيط وتبييت وترصد سياسات التطهير العرقي، وإنما ليس من المستبعد قيامها باستكمال مشروعها بطرد فلسطينيي عام 48 الذي تضعهم تلك الدولة في دائرة استهدافاتها.. فضلا عن ان التطهير العرقي يتواصل في كافة الأمكنة الفلسطينية في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية عبر الجدران والاستيطان والحصارات والاطواق والحواجز العسكرية وإحكام قبضة الاحتلال على كل المنافذ والمفترقات الفلسطينية، بغية تضييق الخناق على المواطنين وتحويل حياتهم إلى جحيم لإجبارهم على الرحيل بحثا عن الأمن واللقمة.

 

المؤسف في هذا المشهد ان الشعب العربي الفلسطيني يقف وحيدا في مواجهة هذا المشروع الصهيوني الاقتلاعي الاحلالي، بينما الدول العربية تقف عمليا متفرجة، فالمؤتمرات والبيانات وتصريحات الشجب والاستنكار كلها تغدو في النهاية بلا رصيد حقيقي على صعيد ردع الاحتلال عن مخططاته، إذا لم تترافق مع أرادات وقرارات وخطوات عربية جادة ومسؤولة..!

 

فلعل هذا القرار يوقظ الفلسطينيين والعرب المفاوضين على حقيقة المشهد الماثل هناك على الأرض الفلسطينية، حيث نحن نعلن على مدار الساعة تمسكنا بخيار المفاوضات والسلام كخيار استراتيجي وحيد، بينما هم يتمسكون بمشروعهم الصهيوني التاريخي الذي يستهدف تهويد فلسطين من بحرها إلى نهرها تهويدا شاملا إلى الأبد..!.