خبر هل تتغير سياسة أميركا في الشرق الأوسط؟ .. هنري سيغمان

الساعة 11:11 ص|19 ابريل 2010

بقلم: هنري سيغمان

على رغم استياء البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية وامتعاضهما من الإهانة التي ألحقتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بنائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إسرائيل، لا يسعنا أن ننكر بأننا سعينا عملياً بأنفسنا إلى مثل هذه المعاملة.

أعلمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون نتانياهو بأن اعتراض الولايات المتحدة ليس على توقيت إعلان بناء وحدات سكنية إسرائيلية جديدة في القدس الشرقية فحسب بل على مضمونه. وأشار مستشار الرئيس الأميركي ديفيد أكسلرود إلى أن محاولة نتانياهو تضليلنا في شأن هدف عملية البناء هي التي تُعتبر مهينة. في الواقع، يشكّل الغزو الاستيطاني اليهودي الواسع للقدس الشرقية العربية محاولة متعمّدة للحؤول دون التوصّل إلى اتفاقية سلام وإلى حلّ الدولتين. فنتانياهو يدرك جيّداً أنه لا يسع أي زعيم فلسطيني التوقيع على معاهدة سلام لا تنصّ على أن تكون القدس الشرقية العربية عاصمة الدولة الفلسطينية.

غير أن إدارة أوباما كانت على علم بنوايا نتانياهو قبل فترة من زيارة بايدن. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، عمد نتانياهو بعد أن ادعى أنه عزف عن المعارضة الشديدة والطويلة لقيام دولة فلسطينية وبات يدعم حلّ الدولتين، إلى طمأنة قادة المستوطنين خلف الأبواب الموصدة (التي لم تكن موصدة تماماً) بالقول إنه يستحيل على أكثر الزعماء الفلسطينيين اعتدالاً القبول بالشروط التي وضعها ليوافق على قيام دولة فلسطينية تُستثنى منها القدس.

علاوة على ذلك، يملك نتانياهو أسباباً تدفعه إلى الاعتقاد بأننا ندرك هذا الواقع تماماً. فما الذي دفع واشنطن إلى اقتراح بنود لمرجعية «المحادثات عن قرب» التي تنسجم مع موقف نتانياهو الرافض لما يطلبه الفلسطينيون، أي بدء المفاوضات على أساس حدود ما قبل عام 1967؟ كانت الوزيرة كلينتون تعلم أن الموقف الفلسطيني يتوافق مع خريطة الطريق. وبالإشارة إلى ما تفعله إسرائيل في القدس الشرقية، كرّرت كلينتون أخيراً ما سبق وأعلنته في شهر آب (أغسطس) الماضي بالقول إن التحركات الأحادية الجانب «لن تُعتبر بمثابة تغيير للوضع الراهن». وبما أنه يجب «التوفيق» بين هذين الموقفين المتعارضين، ساهمت البنود المرجعية في إضعاف الموقف الفلسطيني حتى قبل بدء المحادثات. كما عزّزت ثقة نتانياهو بقدرته على أن ينجو بجميع أفعاله في حال حظي بدعم مجموعة الضغط الإسرائيلية.

غير أن ما يعزّز أكثر استخفاف إسرائيل بالتزاماتها بموجب الاتفاقات الحالية والقانون الدولي هي النظرية الغريبة التي تبنتها الإدارة الأميركية والقائلة بأن توقف إسرائيل عن الاستيلاء المستمر على الأراضي الفلسطينية خارج الخط الأخضر هو «تنازل» من قبلها ويستحق بالمقابل أن يبادله الفلسطينيون والبلدان العربية بتقديم تنازلات حقيقية. فضلاً عن ذلك، تُعتبر هذه «المبادرات» العربية أساسية لتبرير ما تطالب به الولايات المتحدة لجهة وقف الاستيلاء على الأراضي. فاعتبار هذا الأمر بمثابة تنازل هو توصيف خاطئ نتج عنه السلوك الأخير الذي أثار غضب واشنطن.

يجب أن تلتزم إدارة أوباما بالتعهدات التي أعلنت عنها مراراً والقاضية ببذل الجهود كافة لضمان أمن إسرائيل مهما كانت الخلافات جدية بين البلدين. ولا يسع أحداً أن يشكّك بأن الإدارة الأميركية ستفي بهذا الوعد وكذلك الإدارات الأميركية المقبلة. لكن الرسالة المبالغ فيها التي وجهها بايدن إلى إسرائيل ومفادها أن لا شيء يمكن أن يفصل بين إسرائيل والولايات المتحدة في ما يتعلق بالأمن هي مثال آخر على الإشارات التضليلية التي نبعثها إلى حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة.

تحظى الحكومات الإسرائيلية، لا سيما الحكومة الحالية، بتاريخ طويل من استغلال ذريعة الأمن لتبرير استيلائها على الأراضي الفلسطينية والتغييرات الحدودية التي تقوم بها من جانب واحد. وتعاني إسرائيل من وجود ثغرات أمنية كبيرة مع العلم أنها تتسبب ببروزها في بعض الأحيان. لكنّ هذه الثغرات تتفاقم ولا تتقلص نتيجة الضمانات الشاملة وغير المشروطة التي قدمها بايدن إلى إسرائيل. فكان حريّاً به أن يقول لنتانياهو إن «خلافاً» سينشب بين الولايات المتحدة وإسرائيل في حال اتخذت هذه الأخيرة إجراءات غير شرعية تحت ذريعة «الأمن».

لقد أوضحت إدارة أوباما لنتانياهو أن عدم امتثال الفلسطينيين وإسرائيل على حدّ سواء للاتفاقات السابقة وإعاقتهم للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة بهدف إنهاء الاحتلال والتوصل إلى اتفاقية سلام تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش، لن يمرّا من دون ثمن. كما أنها وعدت إسرائيل بأنها ستتصرّف كصديقة حقيقية لها من خلال إخبارها بالحقائق المرّة. ومن غير الواضح بعد إلى متى سيدوم هذا القرار الأميركي الجديد المرحب به.

وفي هذا الإطار، ليست الإشارات الأولية واعدة. فقد أعلن الرئيس أوباما أخيراً على قناة «فوكس نيوز» الأميركية أن نقطة خلافه مع نتانياهو وحكومته تكمن في «كيفية دفع عملية السلام إلى الأمام». وفي حال كان هذا التصريح ناجماً عن قناعة فعلية لدى الرئيس أوباما أو أسوأ من ذلك، في حال لم يكن مقتنعاً بكلامه وتظاهر بأنه مقتنع لضرورات سياسية، فيصعب فهم سبب كل الضوضاء التي تثار في العالم حول بناء المستوطنات في القدس الشرقية.

تشير المعلومات المتسربة من الحوارات السرية التي أجريت بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء نتانياهو في البيت الأبيض في 23 آذار (مارس) الماضي إلى أن الولايات المتحدة قد تكون في صدد إجراء تغييرات في عملية السلام في الشرق الأوسط. إلا أنّ هذه التغييرات لن تكون مؤثرة في حال لم تؤدِّ إلى التخلي عن الفكرة القائلة إنه بوسع الأطراف التوصل إلى اتفاقية سلام، وأن تطرح عوضاً عن ذلك خطة سلام أميركية تستعد بموجبها الولايات المتحدة لاتخاذ الخطوات اللازمة التي تمكنها من فرضها. ويجب أن تأخذ خطة أميركية مماثلة في الاعتبار مجمل المعطيات وألا تعتمد على الخطوط الحمر التي تفرضها حكومة إسرائيل الحالية اليمينية والمتطرفة.