خبر في الذكرى الثانية والستين لإنشائها.. إسرائيل لا تشعر بأنها أكثر أماناً وثقة بمستقبلها

الساعة 05:19 ص|19 ابريل 2010

في الذكرى الثانية والستين لإنشائها.. إسرائيل لا تشعر بأنها أكثر أماناً وثقة بمستقبلها

حلمي موسى

تحتفل إسرائيل هذه الأيام بالذكرى الثانية والستين لإنشائها في ظل سجال يحتدم حتى من دون أن يطفو على السطح. ففي الذهن المستتر لأي إسرائيلي يبرز السؤال: هل نحن اليوم أكثر أمناً مما كنا عليه في الماضي أم أن المخاطر التي تتهددنا اليوم أكبر مما نستطيع مجابهتها؟ ولا يقل أهمية عن ذلك واقع أسئلة ليست أقل أهمية بدورها وهي هل بوسع الإسرائيليين تقليص حجم المخاطر مستقبلاً أم أن هذه المخاطر ستتزايد باستمرار؟

وفي هذه الأيام, أكثر من أي وقت تحكم إسرائيل حكومة هي الأشد فاشية في تاريخها والأكثر عرضة للتصرف بانفعال يجعل الدولة العبرية في نظر الغرب أقرب إلى «الدولة غير المسؤولة». وقد سمعنا كثيراً في الآونة الأخيرة عن مساع أميركية لضبط الفعل الإسرائيلي إزاء المشروع النووي الإيراني. ومن المعروف أن الغرب حاول أن يستخدم التهديد الإسرائيلي كسوط يلوح به وقتما يشاء ضد إيران بغياب الرغبة الفعلية الأميركية والأوربية للعمل عسكرياً ضد إيران.

وفي الأيام الأخيرة دخلت على الخط الأنباء عن احتمال إدخال حزب الله لصواريخ سكود في المواجهة مع إسرائيل. بل إنه كان في إسرائيل من حاول وضع سيناريوهات يمتلك فيها حزب الله صواريخ محملة برؤوس حربية غير تقليدية: بيولوجية أو كيماوية. ويمكن للعقل الإسرائيلي أن يواصل رسم سيناريوهات تبدو وكأنها خيالية في تحديد طابع التهديدات التي يمكن أن تواجهها الدولة العبرية في المستقبل المنظور.

فالدولة التي نشأت قبل اثنين وستين عاما لم تكن تتخيل أن يدوم الصراع على هذا النحو وبهذه الوتيرة وفي هذا الاتجاه. فالتجربة الاستيطانية في بعض أجزاء أفريقيا سمحت للصهاينة باستسهال وضع السيناريوهات. وبنت إسرائيل استراتيجية أمنها القومي على أساس ضعف دول الطوق وتراخي الرابطة القومية وبالتالي الإسلامية بين شعوب المنطقة. وفي ظل تغييرات دولية هامة أدارت إسرائيل شؤونها بحيث وضعت نفسها مع «الفريق الأقوى» واعتمدت في كل مرة على عناصر جديدة تمنحها القوة.

والواقع أن هذه العناصر الخارجية والداخلية على حد سواء تبدلت مع مرور الوقت. فقد استندت إلى الهجرة الأوروبية في ظل النازية واستفادت من أموال التعويضات الألمانية لاستيعاب الهجرة من الدول العربية أساساً. وارتكزت إلى علاقة مع الاستعمارين الفرنسي والبريطاني لتركيم قوة ساعدت في حسم حربين هامتين في الخمسينيات والستينيات. وكانت حرب تشرين هي الحرب الوحيدة التي بادر إليها العرب والتي ولدت في ظروف الصدمة حركة السلام الآن.

لكن بدء انهيار المنظومة الشرقية وتوافد المهاجرين على إسرائيل وانتقال «الرعاية» إلى القوة العظمى الأميركية عاد وخلق ازدهاراً وقفزة تكنولوجية. وقد وجدت إسرائيل في كل مرحلة من مراحل تطوّرها جهة تتفاعل معها وتكسب اقتصادياً. ففي الستينيات مثلت ما عرف في حينه «الامبريالية الوسيطة» في الحفاظ على ارتباط الدول الأفريقية المستقلة حديثاً مع الغرب عن طريقها. ولكن بعضا من أهم مشاريع التطوير الإسرائيلي جرت بالتعاون مع إيران الشاهنشاهية وبعدها مع جنوب أفريقيا. وفي العقدين الأخيرين حاولت إسرائيل أن ترتبط بعلاقات شراكة تطويرية مع كل من الهند والصين.

وهنا تدخل جوانب لا يمكن القفز عنها ونحن نتحدث عن البيئة الاستراتيجية التي تعيش فيها إسرائيل. ونلحظ أن الإدارة الأميركية في العقدين الأخيرين باتت تلاحق إسرائيل لأسباب اقتصادية وتحاول منع تعاون تكنولوجي مع الصين قد يضر بمكانة الولايات المتحدة. كما أن التعاون الإسرائيلي مع الهند لم يحقق الانطلاقة الكبيرة بسبب وقوف الولايات المتحدة أيضاً ضد تعاون إسرائيلي روسي في التجارة العسكرية مع الهند.

ولا يقل أهمية عن ذلك نفاد مخزون الهجرة اليهودية من دول متقدمة سواء كانت في أوروبا الغربية أو الشرقية مما حشر إسرائيل تقريبا مع هجرة من أثيوبيا أو الهند. فالمنافسة لم تعد بين إسرائيل ودول فيها اقتصاد مركزي أو دول فقيرة وإنما صار مع الدول الأوروبية والأميركية. وهذا لا يشير إلى احتمال حدوث قفزات مستقبلا. وهنا تبدو الصورة بحاجة لتوضيح على الصعيد الاقتصادي. فالناتج القومي الإسرائيلي مقيّماً بالدولار العالمي وليس الاسمي يبلغ 215 مليار دولار في حين يبلغ هذا الناتج القومي لدول الطوق العربية: مصر, 443 مليار دولار, سوريا 115 مليار دولار, لبنان 53 مليار دولار والأردن 32 مليار دولار. وهذا يعني أنه رغم التقدم الفعلي الإسرائيلي على هذا الصعيد فإنه تقدّم غير مطلق بالمعنى النسبي.

وهنا تأتي المسألة الأهم: لقد آمنت إسرائيل طوال تاريخها وبأشكال مختلفة بـ«الجدار الفولاذي» الذي تنكسر عليه عصي وسيوف العرب إذا حاولوا المساس بها. ولكنها لم تكن تقدّر بأن العرب قادرون أيضاً على بناء «جدار فولاذي» مضاد. وإذا كانت تجربة النظام الرسمي العربي في بناء مثل هذا الجدار قد فشلت أو لم تحقق غاياتها فإن تجربة قوى المقاومة في خلق هذا الجدار تحقق نتائج.

فالمقاومة تدفع الإسرائيلي بشكل متسارع نحو التخلص من أهم مقومات فكره العسكري وهي مفاهيم النصر والحسم. ويبدو اليوم, أكثر من أي وقت مضى, أن تراجع ثقة القيادة الإسرائيلية بقدرتها على تحقيق النصر صار أهم عنصر في خلق توزن ردع لم يكن متوفراً بهذه الحدّة في الماضي.

إن قراءة مقالة المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل تظهر أسباب التردد المتزايد في صفوف القيادة السياسية الإسرائيلية رغم إمساك الأشد تطرفاً بمقاليد الحكم. فالحرب لم تعد نزهة وتكاليفها تغدو أكبر إذا لم تكن قادرة على تحقيق حسم أو نصر.