خبر السور الفولاذي أولاً ...فهمي هويدي

الساعة 05:55 م|18 ابريل 2010

السور الفولاذي أولاً ...فهمي هويدي

 

لا وجه للمقارنة بين الإنجاز الذي تم في عملية إقامة السور الفولاذي بين سيناء وقطاع غزة، وبين الجهد الذي بذل لإزالة آثار السيول التي ضربت سيناء في شهر يناير الماضي.

 

هذه المقارنة اضطررت إليها حين وجدت الصحف المصرية تنشر بين الحين والآخر أخبارا عن زيارات تفقدية يقوم بها العاملون في المكتب العسكري الأمريكي بالقاهرة لمتابعة خطوات إقامة السور الذي يحكم الحصار حول القطاع ويلغي تماما دور الأنفاق التي كانت توصل احتياجات المحاصرين.

 

وأحدث تلك الأخبار نشر في الأسبوع الماضي، وكان عن قيام الملحق العسكري الأمريكي بتفقد المرحلة الأخيرة من إقامة السور. وأثار انتباهي في هذا الصدد أن الصحف المصرية تجاهلت تماما ذكر أي خبر عن الموقف من ضحايا السيول في سيناء.

 

ولم يكن ذلك التجاهل متعمدا بطبيعة الحال، ولكن صحفنا لم تتحدث عن أي أخبار بخصوص الموضوع، لسبب جوهري هوأنه لا توجد أخبار أصلا!

 

لقد شاءت المقادير أن يتسرب خبر البدء في إقامة السور في ذات الشهر الذي اجتاحت فيه السيول أماكن مختلفة في وسط سيناء وشمالها، الأمر الذي أدى إلى تشريد عدة مئات من البشر، وهدم بيوتهم المبنية من الطين، واجتياح خيام الشعر التي يحتمي بها آخرون من البدو في فصل الشتاء.

 

وفي حدود علمي فإن المحافظة حصرت نحو600 أسرة فقدت مساكنها وباتت تحتاج إلى بيوت بديلة. كما أن بعض الطرق العمومية تم تخريبها جراء اندفاع السيول.

 

وبعد مضي نحوثلاثة أشهر على انطلاقة البناء في السور الفولاذي ووقوع كارثة السيول، يحق لنا أن نسأل عما حققه «الإنجاز» في كل منهما. لقد استبقت وأجبت على السؤال، الأمر الذي يسوغ لي أن أقول بأن الإنجاز فيما خص السور يمكن أن يعطى علامة 9 من عشرة لأنه في مرحلته الأخيرة ولم يكتمل بناؤه

 

أما «الإنجاز» على صعيد إغاثة متضرري السيول فإنه لا يستحق علامة تتجاوز 3 من عشرة، إذا تحدثنا عما قدم إلى الناس من مساعدات وتعويضات (أغلبها من الجيش والأهالي). وصفر من عشرة إذا ما تحدثنا عن إقامة مساكن بديلة تؤوي الأسر البدوية الستمائة التي تضررت، أو عن الطرق التي خربت ولم يتم إعادة رصفها خلال الأشهر الثلاثة.

 

 وسوف نلاحظ عند المقارنة أن شركة «المقاولون العرب» ألقت بثقلها وراء مشروع إقامة السور الفولاذي، في حين لم نجد لها حضورا يذكر لا هي ولا أي شركة مقاولات مصرية أخرى في عملية توفير المساكن للذين دمرت السيول بيوتهم أو اجتاحت مضاربهم.

 

لقد تم التعامل مع مشروع السور بمنتهى الجدية والهمة العالية، في حين عومل المتضررون من السيول بمنتهى الإهمال واللامبالاة لماذا؟

 

الإجابة تتلخص في أن موضوع السور يتعلق بأمن إسرائيل، ويقف وراءه بصراحة ووضوح الأمريكيون والإسرائيليون، وهم بممارساتهم على الأرض كذبوا ما رددته أبواق الأفاكين والمنافقين في مصر من أنه مجرد إنشاءات اقتضتها ضرورة حماية الأمن القومي للبلاد.. من ثم فهو مشروع أخذ على محمل الجد من البداية، ولا علاقة له بالإدارة أوالبيروقراطية المحلية، ووجود بعض شركات المقاولات المصرية فيه تم من خلال عقود تشغيل تجارية، أبرمت في إطار الاستعانة بالإمكانيات المحلية لتوفير النفقات..

 

أما موضوع إعمار ما تم تدميره أوتخريبه في سيناء فهومهمة لم تلق ما تستحقه من حماس من جهاز الإدارة، لأنها في نهاية المطاف متعلقة بمصالح المواطنين المصريين، التي لا تحتل أولوية في ترتيب أجندة الأجهزة البيروقراطية أوالحزب المهيمن.

 

كانت النتيجة أن الحماس والتعبئة الإعلامية في مصر وجها صوب الدفاع عن السور الذي أرادته الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

 أما حين تعلق الأمر بإعمار ما ضربته السيول في سيناء فإن هذا الحماس تبدد وسكتت الأبواق الإعلامية التي لم تر في تلك المفارقة المشينة ما يستحق التنويه فضلا عن المساءلة والحساب.

 

 المدهش أن الشق الذي تجاهله هؤلاء بسكوتهم عن مساندة أهالي سيناء هوالذي يضر حقا بأمن مصر، الذي تقدم عليه أمن إسرائيل في المشهد الذي نحن بصدده.

 

إننا بإزاء حالة صارخة تجسد مدى الضعف أمام الضغوط الخارجية، والاستهتار واللامبالاة بمصالح المواطنين ومصائرهم. بل إنها تفضح أيضا موقف شهود الزور الذين تنافسوا على الدفاع عن أمن إسرائيل، وخرست ألسنتهم حين تعلق الأمر بأمن مصر، في حين ظلوا يعطوننا دروسا في الوطنية والانتماء.