خبر من يجعل القدس مستوطنة..هآرتس

الساعة 08:57 ص|16 ابريل 2010

بقلم: زئيف شتيرنهل

بفضل محاولة السيطرة الاستيطانية على الشيخ جراح، تحول هذا الحي الهادىء في القدس الشرقية الى مثابة نموذجا مصغرا للامراض التي تسمم العلاقات بين اليهود والعرب. أكبرها رفض الاعتراف بتأزم الوضع الذي تشكل في نهاية حرب الاستقلال. يمكن أن نفهم اليمين الاستيطاني الذي يعد  استمرار احتلال البلاد هدفا وجوديا له. ولكن كيف يحتمل أن تساهم مؤسسات الدولة عمليا في سحب الارضية التي نقف عليها من تحت اقدامنا؟

بالفعل، لا يجري الاستيطان هذه المرة بمجرد القوة الغاشمة مثلما في باقي اجزاء الضفة بل من خلال وثائق من عهد الامبراطورية العثمانية. فقد توجه المستوطنون الى المحاكم وهم مسلحون بالكواشين التركية والتي في أصلها كانت لدى لجنة الطائفة الاسبانية، وعلى هذا الاساس اصدرت اوامر اخلاء للسكان العرب. اليهود جاءوا ليقرروا المبدأ: ارض كانت ذات مرة بملكية يهودية حكمها أن تعود الى ايدي اليهود. ويطرح السؤال: "كم من الوقت سيكون ممكنا الابقاء على وضع يكون الاسرائيليون فيه مخولين لان يطالبوا بالملكية على ملك يهودي، تبقى في الجانب الشرقي من الخط الاخضر، بينما محظور على العرب المطالبة بحقوق الملكية على املاكهم المتبقية في الجانب الغربي من ذات الخط؟ فعلى أي حال لدى الفلسطينيين، حتى اولئك الذين يسكنون في القدس الشرقية، وثائق ملكية على منازل في الطالبية، في القطمون القديمة، في البقعة وفي احياء اخرى من المدينة اليهودية. اذا كانت القدس هي مدينة موحدة وكل سكانها، كما تدعي السلطات، متساوون امام القانون، فعلى أي اساس اخلاقي يتقرر بان ما هو مسموح لليهود ممنوع على العرب؟ في أيدي مؤسسات الدولة وقعت الان فرصة ذهبية ليس فقط كي تري بان المساواة امام القانون ليست مجرد كلمة فارغة بل لتعلن ايضا بانه في العام 1949 تشكل وضع سياسي وقانوني لا رجعة عنه. كل نهج آخر سيعتبر تمييزا لا يطاق وسيشكل ثغرة لمطالب لا تنتهي الى المؤسسات الدولية.

للشيخ جراح اهمية رمزية ايضا من ناحية اخرى: الـ 28 منزلا المرشحة للاخلاء السريع هي منازل للاجئين من الـ 48 من كل ارجاء البلاد. مقابل قطعة الارض التي بنت عليها كل عائلة بيتها، تنازل السكان عن مكانتهم كلاجئين وعن المعونة التي تترافق وهذه المكانة. هؤلاء الاشخاص، الذين يأتون اليوم لابعادهم، حققوا في واقع الامر مصلحة اسرائيلية اولى في سموها: فقد كفوا عن ان يكونوا معوزي بيت ومدعومي اغاثة وانخرطوا في نسيج الحياة في مكان سكناهم. فلو تصرفوا في لبنان وفي الضفة الغربية الاردنية بذات الطريقة لكان قسما كبيرا من المشاكل التي نقف امامها قد حل منذ زمن بعيد. فما الافضل بالنسبة لاسرائيل: الشيخ جراح كحي سكني يمر عليه كل يوم بيومه مئات الاسرائيليين في طريقهم الى الجامعة العبرية والوزارات الحكومية ام الشيخ جراح كمخيم لاجئين آخر مصاب بالفقر والكراهية. وبدلا من جعل الشيخ جراح قدوة للتعايش، توشك اسرائيل على أن تسمح للمستوطنين بان يعيدوا لسكانه مكانة لاجئين وجعل المنطقة بأسرها رمزا جديدا للتعسف، الظلم وتشويه للقانون من جانب الاسرائيليين. بالفعل، القدس ليست مستوطنة: من يجعلها الان مستوطنة هم المستوطنون أنفسم. ليس صعبا أن نتوقع أي اضافة للوقود سيكون لشعلة نزع الشرعية المتواصل عن اسرائيل في العالم.

في هذا السياق يجدر بنا أن ننتبه الى معطيات نشرت في بداية الاسبوع: احد المعاهد للبحث في اللاسامية أفاد بارتفاع دراماتيكي، في اعقاب حملة "رصاص مصبوب" في الاحداث التي تعرف كـلاسامية. من المشكوك جدا أن تكون الدوافع في كل هذه الحالات او حتى في معظمها لاسامية حقا. من المعقول الافتراض أنه في بعض الحالات يدور الحديث عن مواقف مناهضة لاسرائيل آخذة في الاحتدام. احدى مزايا اللاسامية هي حقيقة أنها لا تتعلق بالافعال الموضوعية لليهود او حتى بوجودهم. اللاسامية كانت موجودة حتى في الامكان التي لا يرى فيها يهود. بالمقابل، هناك صلة واضحة وثابتة بين العداء لاسرائيل وبين افعال الاسرائيليين. ليس صدفة أن مناهضة الاسرائيلية هي ظاهرة الجيل الاخير ومصدرها تعمق الاحتلال والاحساس المتجذر حتى لدى مؤيدين قدامى للصهيونية في العالم، بان ليس لاسرائيل لا الارادة ولا القدرة على وضع حد للسيطرة على حياة، حرية واستقلال شعب آخر. على ذلك ايضا يجدر بنا أن نفكر، بين يوم الكارثة ويوم الاستقلال.