خبر مسألة ثمن..معاريف

الساعة 08:54 ص|16 ابريل 2010

بقلم: عوفر شيلح

الى أي حد كان الجيش الاسرائيلي قريبا من مهاجمة القوافل التي نقلت صواريخ سكاد من سورية الى لبنان؟ اذا اردنا الحكم على حسب كلام ضابط رفيع المستوى في المدة الاخيرة، فان ذلك كان قريبا جدا. أقرت اسرائيل في السنين الاخيرة سياسة فحواها أن السلاح المنقول الى منظمات الارهاب هو هدف مشروع حتى لو كان ذلك على أرض دولة ذات سيادة أخرى. وهذا ما حدث على حسب نشرات أجنبية في هجوم سلاح الجو في السودان وهو واحد من اجراءات كثيرة لمحاربة طرق التهريب الى قطاع غزة حظي خلافا لغيره بنشر علني.

        لم يعد السؤال سؤال الشرعية بل الثمن والرد فقط. لقد أصبحت سورية الضعيفة المتمردة في السنين الاخيرة ميدان العاب يسمح فيه الجميع لانفسهم بأشياء لم تكن تخطر في البال ذات مرة كالهجوم على مواقع يشتبه في نشاطها الذري، واغتيال ارهابيين بل جنرال في الجيش السوري، ومطاردة ساخنة من القوات الامريكية لمتمردين هربوا من العراق. لم يرد السوريون الى الان على أي واحدة من هذه العمليات.

        يمكن أن نفسر حقيقة ان صواريخ سكاد نقلت الى لبنان بمعنيين: إما أن شخصا ما في اسرائيل يفترض أن ضبط سورية لنفسها له حد، وإما أنهم خلصوا عندنا الى استنتاج ان صواريخ سكاد لم تعد بمنزلة "سلاح يخل بالتعادل". الفرض عند جهاز الأمن هو أن "كل ما يوجد في سورية ينقل آخر الامر الى لبنان ايضا"، كما يكررون قوله في الجيش. يوجد في المستودعات السورية بيقين أشياء امتلاكها شرعي لدولة ذات سيادة لكن لا لمنظمة كحزب الله. ويبدو ان صواريخ سكاد لا تعرف عندنا هذا التعريف. يجب أن نفسر الانباء التي نشرت هذا الاسبوع في صحف عربية والتي صدقها مسؤولون اسرائيليون كبار شبه نصف تصديق على أنها تحذير بصيغة "نحن نعلم ما الذي تفعلونه، وعندما تفعلون شيئا لا نوافق عليه حقا فستعلمون".

        يخطىء من يفكر في مواجهة ممكنة مع حزب الله مثل المواجهات السابقة. فهناك أيضا يستخلصون الدروس: فهم يتحصنون داخل الأرض، ويدخلون المنطقة المبنية، ويزيدون الاعداد، وينتشرون على مسافة أبعد. "من العمق  والى العمق" يسمون هذا في الجيش الاسرائيلي: فالمساحة الى نهر الليطاني، المليئة بصواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى ستظل هناك (وكما قلنا آنفا سيظلون أكثر في المنطقة المبنية وأقل في "المحميات الطبيعية"). لكن جزءا كبيرا من السلاح الثقيل، ذي المدى والكتلة والدقة التي هي أكبر، منتشر في المنطقة من الليطاني فما بعد.

        هذه أيضا أهداف ثقيلة معرضة أكثر للاصابة، كما برهنت عملية "الوزن النوعي" في بدء حرب لبنان، التي دمر فيها أكثر السلاح للمدى المتوسط والبعيد عند حزب الله. لكن في تكتيك حزب الله للتصعيد التدريجي، وهو أننا سنزيد مدى اطلاقنا على كل اشتداد لهجومكم الجوي، يكفي عدة صواريخ تبقى وتبلغ أماكن اعتبرت قبل ذلك حصينة. تحدثوا في اسرائيل هذا الاسبوع عن سلاح مضاد للطائرات وأنه "يخل بالتعادل"، ويقتضي هجوما. هذا يثير الاهتمام لانه يوجد في سورية سلاح كهذا كثير، ويفترضون في الجيش الاسرائيلي أنهم في حالة مواجهة سيعرفون مواجهته بنجاح. ويبدو انه سيكون له في الأساس معنى رمزي فاسرائيل لن تدع لحزب الله أن يقلص بشيء ما، حتى لو كان يمكن القضاء عليه او ابطال عمله سريعا، حريتها الجوية المطلقة في لبنان والتي هي على قدر كبير بديل من الشريط الأمني الذي كان حتى آيار 2000.

        لم يتغير التقدير وهو أن حزب الله لا يريد مواجهة. وقد يجر اليها في الأساس اذا حدث  تصعيد بين اسرائيل وايران التي يوجد لها اليوم قيادة ربط دائمة في لبنان، وهي بديل منظم من العلاقات التي جرت من طريق عماد مغنية حتى موته المفاجىء في دمشق. لكن التاريخ برهن أكثر من مرة على أن من يبدأ المواجهة ليس الطرف الثاني بل اسرائيل خاصة – عندما يمضي الطرف الثاني في هذا الاتجاه او يكشف عن نية يقررون عندنا أنه لا يمكن معايشتها.

***

        حاول الجميع هذا الاسبوع الحفاظ على الهدوء في الجبهة بين وزير الدفاع ورئيس الاركان، لكن لا تخطئوا: فالامواج الارتدادية لاجراء القوة الفارغ لايهود باراك في الاسبوع الماضي لم تضعف. فالصراع على هيئة القيادة العامة يبدأ فقط ويعد بأن يكون أرخص وأغرب مما كان دائما.

        اللواء آفي مزرحاي، الذي كرر رسميا أنه يرى نفسه مرشحا لمنصب رئيس الاركان قد لا يظل اللواء الوحيد الذي يقف نفسه على المنصة. فقد آثار ألوية آخرون هذا الاسبوع فكرة الاعلان بالترشح وكأن الحديث عن انتخابات تمهيدية. كان موشيه كبلنسكي أذكى منهم جميعا اذ أخرج نفسه من اللعبة التي لا تجلب أي خير على المشاركين فيها.

        كان تعليل اولئك الذين تحدثوا عن عرض ترشحهم بالمناسبة يشبه شبها عجيبا تعليل ساسة لا أمل لهم: وهو قولهم أنا أعلم أنني لن أفوز لكن يجب أن أضع اسمي وأن أكون على الخريطة ربما من أجل المنافسة في منصب النائب وقادة المناطق اذ يخلو. لم يكن الحال كذلك قط. لم يكن في الـ 23 سنة الاخيرة قط أكثر من مرشحين لرئاسة الاركان، ولم يكن يجب عليهما اعلان شيء: فقد كانا هناك بفضل ولاية سابقة لنيابة رئيس الاركان، وفضلهم الواضح على كل منافس. لم يحسب أحد أنه سيجدي عليه "أن يضع نفسه على الخريطة". لكن هذا ما يحدث عندما يحول وزير الدفاع مسار تعيين رئيس الاركان الى انعطاف متصل.

        وسيتصل. بقي لولاية اشكنازي 10 أشهر، وعندما حول باراك الأمر الى أمر علني سيتحقق سيناريو واحد من اثنين: إما أن يدخل جميع ذوي الشأن في رقص عجيب لأكثر من نصف سنة، وإما أن ينفد صبر باراك ويعلن باسم المنتخب في غضون زمن قصير. وماذا سيحدث آنذاك؟ كانت العادة المعمول بها أن يعلن اسم رئيس الاركان الجديد قبل انقضاء ولاية سلفه بثلاثة أشهر – وهو زمن كاف للاستعداد، وقصير على قدر كاف كي لا يصبح من يتولى عمله بطة عرجاء. ماذا سيفعل اشكنازي اذن اذا أعلن باراك بانتخابه قبل نهاية ولايته بنصف سنة أو أكثر، وقبل أن تنقضي جولة التعيينات الواسعة المهمة التي ينتظرونها في الجيش منذ زمن طويل جدا؟ من سيقرر من يكون رئيس أمان او قائد منطقة الجنوب المقبل؟

        لا تعجبوا في هذه الحال اذا استقر رئيس الاركان وقد ضاق ذرعا، وأعلن بأنه ينوي تقصير ولايته وانهاءها بعد الاعلان بثلاثة أشهر. هذا هو اضطراب الأمور الذي أحدثه باراك في قيادة الجيش بخطوة واحدة من سوء التدبير.