خبر المبادرة الأمريكية مؤجلة .. الانتظار سياسة قاتلة .. هاني المصري

الساعة 02:20 م|13 ابريل 2010

بقلم: هاني المصري

سارعت الإدارة الأمريكية الى نفي الأنباء التي ترددت نقلا عن اثنين من كبار مسؤولي الإدارة نفسها ، و نشرت قبل أيام من ديفيد اغناتيوس في واشنطن بوست الأمريكية حول و نشرها     خطة للسلام سيطرحها الرئيس الأمريكي في الخريف القادم ، و أن الخطوط العريضة لها ستبنى على التقدم الذي سبق إحرازه في المفاوضات السابقة .

لقد نفى جيمس جونز مستشار الرئيس للأمن القومي هذه الأنباء قائلا ، بان الإدارة الأمريكية لم تتخذ " في المرحلة الراهنة " أي قرار حول مقاربة جديدة لإحياء عملية السلام و أضاف: إننا لا ننوي في أي وقت كان مفاجأة احد ، و أي إجراء سيتخذ يرمى الى تعزيز امن إسرائيل و قيام دولة فلسطينية ذات سيادة .

إطلاق الأخبار حول المبادرة الأمريكية للسلام و نفيها مع إبقائها محلقة بالأجواء كسيف مسلط على إسرائيل يدل على أن الإدارة إما أنها تفكر بالضغط على إسرائيل من اجل استئناف المفاوضات و عينها مصوبة نحو ضرورة الاستعداد لطرح مبادرة سلام في الوقت المناسب ، لأن استئناف المفاوضات وحده و بدون مبادرة لا يكفي.

أو أن الإدارة الأمريكية تكتفي بمجرد التلويح بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لكي تقبل بالطلبات الأمريكية الهادفة لاستئناف المفاوضات من خلال وضعها أمام احتمالات أصعب إذا لم توافق عليها .

أو أن الإدارة الأمريكية تراجعت بسرعة مرة أخرى بعد الرفض الإسرائيلي لإطلاق المبادرة و ساعد على هذا التراجع أن المشاورات التي أجرتها مع الخبراء و كبار المسؤولين الأمريكيين الحاليين و السابقين أظهرت تباينا في الآراء بين من يطالب بأخذ اعتبارات رئيس الحكومة الإسرائيلية المكبل بائتلاف حكومي متطرف بالحسبان و عدم الضغط عليه ، و لقد طرح هذا الرأي من قبل دينيس روس ،و يترتب على هذا الرأي عدم الانشغال الأساسي باستئناف المفاوضات بل التركيز على تحقيق انجازات أمنية و اقتصادية .... الخ على الأرض ، و يدافع عن هذا الاتجاه توماس فريدمان ومارتن أنديك و اليوت أبرامز و غيرهم و بعضهم وصل الى حد المطالبة بعدم إعطاء الأولوية لقضية الشرق الأوسط بل لقضايا أخرى، و ترك الطرفين الفلسطيني و الإسرائيلي لكي يواجها الوضع لوحدهما، حتى ينضجا لانجاز التسوية ، و يطالبان بالتوصل الى اتفاق .

و بين من يطالب باعتماد توجه جديد ، ومنهم ساندي بيرغر و كولين باول و فرانك كارلو تشي و روبرت س مكفارلين و جون كيري و رام ايمانويل بدون أن يعني ذلك التخلي عن مواجهة إيران بل المطلوب عند هؤلاء مقاربة جديدة تتعامل مع القضية الفلسطينية من خلال ربطها بقضية إيران على أساس أن القضيتين شقان لمشكلة استراتيجية واحدة .

أن التهديد بإطلاق مبادرة وشبه التراجع السريع عنه يدل على أن التغير المهم الذي تشهده السياسة الأمريكية حاليا رغم انه قابل للتبلور لا يزال في بدايته و محدودا حتى الان ، و قابلا للارتداد عنه و محل صراع داخلي عنيف داخل الإدارة الأمريكية وبين مختلف العناصر و المراكز و القوى المؤثرة على القرار الأمريكي.

لذا لا ننصح احد بتجاهل هذا التغير في السياسة الأمريكية ، ولا بالمبالغة به و التعويل عليه. لان التقليل منه أو المبالغة فيه تجعل الفلسطينيون و العرب خارج موقع الفعل و التأثير و إنما في موقع الانتظار لما تؤول إليه الأمور داخل الولايات المتحدة الأمريكية وما  بينها و بين إسرائيل .

أن هذا الانتظار يعني أن الفلسطينيين و العرب سيقبلون في النهاية ما يتم التوافق عليه إسرائيليا و أمريكيا . و بدون دور عربي فاعل يجمع أوراق الضغط و القوة العربية و استخدامها لخدمة الاهداف العربية ، لن يلبي الحد الأدنى من المصالح و المطالب و الحقوق الفلسطينية و العربية.

فإذا نظرنا الى الآراء المختلفة داخل الإدارة الأمريكية سنجد أنها لا تزال تدور تحت سقف منخفض جدا، يتراوح ما بين دعاة الاستمرار في إتباع سياسة إدارة الصراع دون المجازفة بحله و ما يعنيه ذلك من دعم مطلق لإسرائيل ، و بين دعاة السعي لحله و لكن على أساس مقاربة تعتمد ما توصلت إليه المفاوضات السابقة ، هذا يعكس تراجع محسوب في التأييد لإسرائيل و لكن بدون التخلي عنها و عن الدفاع عن أمنها وعن كونها حليف استراتيجي ،و يدعم هذا التوجه لوبي عسكري و أوساط متزايدة من القوى في الولايات المتحدة الأمريكية  .

على الجميع أن يتذكر ما انتهت إليه مفاوضات قمة كامب ديفيد عام 2000 ، ومباحثات طابا ، و المفاوضات في عهد حكومة اولمرت، وكيف أنها لم تحسم أية قضية ، و استمرت الهوة ما بين المواقف الفلسطينية و الإسرائيلية شاسعة جدا ، رغم المرونة الكبيرة التي أبداها الجانب الفلسطيني الذي وصل الى حد الموافقة على مبدأ تبادل الأرض قبل أن يعرف ماذا له، وقبل إقرار إسرائيل بأنها دولة محتلة و استعدادها للانسحاب، و وافق الجانب الفلسطيني سابقا كذلك على حل قضية اللاجئين عبر الخطوط الخمسة الشهيرة التي تتضمن عودة رمزية للاجئين الى ديارهم و ممتلكاتهم بدون تحمل إسرائيل المسؤولية التاريخية و القانونية و السياسية ، على تقسيم القدس الشرقية بحيث تكون الأحياء العربية فيها جزء من الدولة الفلسطينية، و المستوطنات و الأحياء اليهودية  تبقى تحت سيادة إسرائيل هي و كل ما يسمى الكتل الاستيطانية الكبيرة.

إن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن الإدارة الأمريكية تتجنب حتى الان ممارسة الضغط الجدي على إسرائيل لأنها تخشى عواقب ذلك عليها من قبل إسرائيل ، التي ترتبط بعلاقة عضوية استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، و من قبل مؤيديها الذين لا يقتصرون على اللوبي الصهيوني و إنما يشملون المحافظون القدامى و الجدد و معظم الحزب الجمهوري و قطاعات مهمة جدا من الحزب الديمقراطي ، و يتمركز نفوذ هؤلاء خصوصا في الكونغرس ووسائل الإعلام.

ولا يشجع الإدارة الأمريكية على المجازفة بالضغط على إسرائيل أن الوضع العربي و الفلسطيني ضعيف و سيئ . فالعرب منقسمون و ينقصهم الإرادة السياسية الفاعلة و الموحدة.

أما القيادة الفلسطينية ، فهي من جهة لا تعطي الأولوية للوحدة، ولا تجمع ما لديها من أوراق قوة و لا تفتح الخيارات الأخرى، و لذا لا تملك سياسة فاعلة مبادرة و إنما تعتمد سياسة الانتظار و ردود الأفعال، و هي لا تدرك ، على ما يبدو مغزى و آفاق المتغيرات الإقليمية و الدولية والإمكانيات التي تطرحها .

ومن جهة أخرى فان الانقسام الفلسطيني لا يشجع احد على المجازفة بحل القضية الفلسطينية ، لأنه يعطي ذريعة قوية لإسرائيل للادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني حتى تعقد الاتفاق معه.

رغم ذلك نلاحظ أن إسرائيل تريد التفاوض من اجل التفاوض مع فريق فلسطيني دون الآخر، و ذلك لتعميق الانقسام الفلسطيني و إضعاف الفريقين معا ، و حتى توظف الانقسام بالحد الأقصى لصالحها .

فإسرائيل تريد التفاوض ولا تريد التوصل الى اتفاق ، و ذلك حتى تقطع الطريق على الخيارات و البدائل والمبادرات الأخرى و حتى تستفرد بالطرف الفلسطيني و تضعه تحت أقصى الضغوط و الابتزاز حتى يوافق في النهاية على ما تقدمه له إسرائيل من عروض تصفويه للقضية الفلسطينية من مختلف جوانبها؟ أو حتى لا يقدر على منع تحقيق الحل الإسرائيلي و يضطر للتعايش مع الاحتلال بدون اتفاق و يسعى لتحسين شروط الحياة تحت الاحتلال.

إن الإدارة الأمريكية حتى الان اكتفت بإظهار خلافاتها مع الحكومة الإسرائيلية ، و لوحت بأوراق الضغط و لكنها لم تستخدمها ، و تنحاز في الوقت الراهن للاستمرار في السعي لحل الصراع تدريجيا ،أي لاعتماد السياسة القديمة مع قدر محسوب من التغيير ،على هذا الأساس فان الأمور إذا استمرت على هذا المنوال ، ستنتهي على الأغلب الى اعتماد خيار الدولة ذات الحدود المؤقتة، بصيغتها القديمة (على 60%) أو بصيغتها الجديدة (على 80%).

لذا فمع أهمية الترحيب بالتغير في الموقف الأمريكي و رؤية أسبابه ودلالاته، لا يجب وضع الموقف الفلسطيني و العربي تحت سقفه ، بل لا بد من تشجيع الإدارة الأمريكية و الضغط عليها لتتقدم أكثر حتى تصل الى مقاربة جديدة لحل الصراع تعتمد القانون الدولي و قرارات الشرعية الدولية، التي تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وليس الاستمرار تحت سقف اتفاق أوسلو و الحلول الانتقالية و التعامل مع الصراع باعتباره نزاع على الأرض يحل بالتفاوض بدون مرجعية ملزمة .

فلا يمكن قبول أن يكون تجميد الاستيطان هو السقف ، سواء بشكل جزئي أو كلي ، و لا اعتباره كتنازل هائل من إسرائيل بل المطلوب اعتماد مقاربة قادرة على إنهاء الاحتلال و تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه بالعودة و تقرير المصير و إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة و عاصمتها القدس على حدود 1967.

إن الأولوية القصوى لدى القيادة و القوى و الفعاليات الفلسطينية يجب أن تكون لإنهاء الانقسام وتحقيق شراكة عادلة و إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني المنسجم مع الشرعية الدولية القادر لوحده على توحيد الشعب الفلسطيني بعيدا عن شروط اللجنة الرباعية والتدخلات الإسرائيلية و العربية والإقليمية و عن التفريط و التهور.

إن أهم ورقة  قوة لدى الفلسطينيين بعد عدالة قضيتهم و تفوقها الأخلاقي و كفاحية الشعب الفلسطيني و استعداده للتضحية هي القراءة الواعية و الدقيقة و الواقعية للواقع و موازين القوى و المتغيرات الإقليمية و الدولية، بحيث يتم حشد الطاقات و الجهود الفلسطينية و العربية والدولية لتحقيق أقصى ما يمكن بدون زيادة أو نقصان.

فالانتظار قاتل ، و المبادرة هي طريق النجاة.... طريق الاستفادة من الفرص المتاحة و درء المخاطر القائمة!!.