خبر الحقيقة التاريخية .. اودي مانور

الساعة 10:13 ص|12 ابريل 2010

بقلم: اودي مانور

(دكتورة في التاريخ في معهد اورانيم)

أصبح من الممكن اليوم ان نقول بيقين ان ذكرى الكارثة لن تمحى. فبعد ان يمضي آخر الناجين الى عالمهم ستمضي قصتهم معنا لاجيال كثيرة من هنا فصاعدا. ان النجاح في تجذير ذكرى الكارثة، يدعو ويقتضي بحثا مكررا لميراثها. لكن يبدو ان كل بحث نقدي لميراث الكارثة لا يحتاج اليه من أجل الوجه السياسي، يضيع الشيء الاساسي.

يمكن أن نشير الى عدة وجوه تسييس للكارثة: فالمنكرون يؤسسون الانكار على كليشيه يقول ان التاريخ يكتبه المنتصرون. ولما كان اليهود قد انتصروا في الحرب فقد سهل عليهم ابتداع الكارثة التي لم توجد، وأن يحرزوا بواسطتها دولة وموافقة على التطهير العرقي؛ ومن الجهة الثانية، يبدو اوشفيتس "كوكبا آخر"، وحدثا كونيا يحصل على معناه بجعله تفسيرا لطرائق إلاه اليهود الخفية، الذي وعد ووفى بطريقته بحشد الجاليات اليهودية.

يشتق أصحاب التوجه الساذج من الكارثة قيما انسانية: التسامح، وقداسة حياة الانسان، ورفض كل نوع من التمييز بل الدعوة الى السلام أحيانا، "لا تفعل بصاحبك ما تكره لنفسك"؛ وفي آخر  الأمر تقزم كارثة اليهود بعد الخبراء وذكرهم لاسماء 1600 حالة ذبح شعب، لتصبح حالة غير خاصة تشهد على الوحشية الانسانية.

بدل هذه السبل الاربعة المريبة، تنبغي العودة الى بحث تراث الكارثة في سياقها التاريخي. ان كل من يتأمل تاريخ الصلة الواضحة في ظاهر الأمر بين الكارثة والنهضة، يتبين له انه لا توجد أي صلة في الصعيد السياسي بين الأمرين. لا لأن الصهيونية قامت وبدأت تقر الحقائق السياسية في البلاد قبل الكارثة بكثير بل لأن الفكرة الصهيونية الاساسية ببساطة – وهي حق اليهود في  السيادة في أرضهم القديمة – الجديدة – أثيرت في منتصف القرن التاسع عشر وحظيت منذ بدء القرن العشرين بالاعتراف من الجهات المختلفة لعائلة الشعوب.

اعترفت عصبة الامم، في نطاق نقاش سياسي تناول المستقبل السياسي لمجموعات كثيرة من الأمم، اعترفت ايضا بالاقلية اليهودية وصلتها بأرض اسرائيل. قام ذلك المنطق السياسي في خلفية قرار التقسيم في 1947، الذي كان في واقع الامر صيغة مختلفة شيئا ما عن اقتراح التقسيم في سنة 1937، في تلك الايام التي كانت فيها اوشفيتس ما تزال قرية بولندية صغيرة.

هذه هي الحقيقة التاريخية البسيطة مهما تكن صعبة الهضم عند من نشأ على سذاجة النظرة الى الكارثة. يمكن التأثر بها بالنظر في 157 صفحة من التقرير الذي قدمه أعضاء لجنة أونسكب، تلك اللجنة التي أرسلت في صيف 1947 من أجل الوقوف على الامكانات السياسية لحل قضية أرض اسرائيل. تلك اللجنة هي التي صاغت القرار 181، ولا تذكر الكارثة هناك ولو مرة واحدة.

ما الذي ذكر هناك اذن؟ مسألة "الهجرة". وهي أساس الاختلاف بين الشعبين اللذين يسكنان هذه البلاد. بعد أن وصف التقرير الفروق بين الشعبين، وبعد أن بين أن لكليهما مصلحة متعارضة، كان الاستنتاج أن تقوم هنا دولتان احداهما عربية والاخرى يهودية، يكون بينما تعاون اقتصادي. أما ما سوى ذلك فهو تاريخ كما يقولون.

لا يمكن للهوية الاسرائيلية واليهودية بل لا يجب ان تدفع الكارثة الى الركن. فقد تجذرت ذكرى الكارثة كما قلنا آنفا وهذا شيء حسن. لكن يجب قطع البحث في الكارثة عن سياسة دولة اسرائيل. السياسة التي أفضت الى قيامها وتلك التي ستضمن وجودها وسلامتها.