خبر الحملة « الإسرائيلية » على أردوغان .. محمد نور الدين

الساعة 03:48 م|11 ابريل 2010

بقلم: محمد نور الدين

تعرّض رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان إلى حملة “إسرائيلية” كبيرة في الأيام القليلة الماضية شارك فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان .

وجاءت هذه الحملة على خلفية تصريحين لأردوغان . الأول جاء خلال افتتاح الفضائية “التركية” باللغة العربية وحذّر فيها “إسرائيل” من أن تركيا لن تبقى من دون رد فعل إذا استمر الحريق في غزة، واستمر أيضاً تلبد الغيوم السوداء فوق القدس .

أما الموقف الثاني فهو اتهام أردوغان ل”إسرائيل” ومن فرنسا بالذات بأنها دمّرت عملية السلام .

وكان سبق هذين الموقفين موقف آخر خلال القمة العربية في سرت، حيث وصف أردوغان محاولات “إسرائيل” تهويد القدس وإنشاء المستوطنات بأنها جنون .

يثير كلام أردوغان الانتباه لعدة أسباب، أولها أنه في ظل العجز العربي واستقالتهم من واجباتهم بدا التحذير الأردوغاني مدوياً في صحراء الغياب والفراغ العربي . في حين أن مثل هذه التصريحات عادية في ظل وضع عربي سليم، فضلاً عن أنها تعبر عن وقائع وليست من بنت خيال رئيس الحكومة التركية .

لذا فإن محاولة تدفيع أردوغان وحزبه وتركيا عموماً فاتورة مواقفهم من القضية الفلسطينية يتحمل مسؤوليتها العرب نظراً لمواقفهم المتهاونة من القضية الفلسطينية ومن القدس . فلم يتحرك زعيم عربي واحد لدعم المواقف التركية من العدو الصهيوني .

والسبب الثاني أن “إسرائيل”، ومن خلفها الغرب، لا يريدان لأردوغان حتى مجرد انتقاد “إسرائيل” وتعويد العالم على حرمة حتى انتقادها . حتى جامعة الدول العربية في قمتها الأخيرة كانت في غاية التردّي عندما لم تتخذ أي إجراء رادع أو يدعو “إسرائيل” إلى التفكير في خطواتها المقبلة . بل لا أحد يدري كيف وأين سيذهب مبلغ الخمسمائة مليون دولار لدعم القدس وهل سيوقف الاستيطان؟ ولماذا مثلاً لم تقر مساعدات إلى حيث الحاجة أكثر مثل غزة؟ إن إسكات العالم هو استراتيجية “إسرائيلية” تستهدف الآن تركيا بعدما نجحت في إسكات لسان النظام العربي .

والسبب الثالث أن “إسرائيل” تزداد عصبيتها وتوترها كلما شعرت بأن تركيا تقترب أكثر من العالم العربي والإسلامي، وتتراجع حاجتها إلى تل أبيب . فالتقارب التركي مع العرب والمسلمين ودول جوارها الأخرى مثل ارمينيا يسقط من يد “إسرائيل” إحدى أوراق تعاونها مع تركيا لمواجهة هذه القوى .

والسبب الرابع هو أن تركيا بسياساتها الجديدة تسقط حواجز التفرقة العنصرية والدينية والمذهبية مع جيرانها من كل الأعراق والمذاهب والأديان ومن ضمنهم سوريا والعراق وإيران وأرمينيا وروسيا وصربيا وما إلى ذلك . وهذا الانفتاح والتفاعل والتكامل العابر للاختلافات، يثير حفيظة قادة “إسرائيل” العنصرية ويفاقم من صورتها المتطرفة، لذا تحاول “إسرائيل” أن تدق إسفيناً بين تركيا ومحيطاتها المشرقية حتى لا تبقى “إسرائيل” كياناً وحيداً معزولاً في محيطها .

لم تفعل تركيا شيئاً غير معتاد في انتقاداتها ل”إسرائيل” . فالقول إن “إسرائيل” تحرق غزة يراه الجميع، وسياسة تهويد القدس ومحو هويتها العربية والإسلامية والمسيحية بادية لعيان كل العالم .

و”إسرائيل” هي التي انتهكت سابقاً الأراضي التركية لضرب دير الزور ضاربة عرض الحائط السيادة التركية، فضلاً عن السورية . و”إسرائيل” هي التي دمرت عملية السلام بشنها الحروب على لبنان وغزة . و”إسرائيل” هي التي تستخدم القنابل الفوسفورية ضد سكان غزة . و”إسرائيل” هي التي فجّرت عنصريتها في حادثة المقعد المنخفض مع السفير التركي في تل أبيب .

ومع ذلك لم تلجأ تركيا، حزب العدالة والتنمية، حتى الآن لا لقطع العلاقات الدبلوماسية ولا حتى لسحب السفير التركي من تل أبيب أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، في حين لجأ لذلك سابقاً عدنان مندريس “الأمريكي” في العام 1956 رداً على العدوان الثلاثي على مصر بتخفيض مستوى العلاقات من رتبة سفير إلى قائم بالأعمال . وفي العام 1980 خفّض قادة الانقلاب العسكري التمثيل إلى رتبة سكرتير ثان احتجاجاً على ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية .

لم يبادر حزب العدالة والتنمية إلى اتخاذ أي إجراء شبيه بهذا بل أعلن تعيين سفير جديد بدلاً من السفير اوغوز تشيليك كول .

مع ذلك، “إسرائيل” تمارس عنصريتها وإرهابها حتى على التصريحات والمواقف المعنوية لأردوغان، فيما لم يوقف كل الكلام العربي والتركي الإنشائي تهويد القدس، ولم يفك الحصار على غزة .

إنها حملة “إسرائيلية” لكمّ أفواه الأتراك ومنع تعميق التقارب العربي  التركي الذي إن تجسّد في خطوات عملية جدّية يمكن له أن يغيّر وجه المنطقة التي مشكلتها كانت ولا تزال في التدخلات الخارجية والغزوات العسكرية من فلسطين إلى العراق وصولاً إلى أفغانستان وباكستان وفي الفتن التي يريد الغرب وربيبته “إسرائيل” تعميمها على العالم العربي والإسلامي ومنه تركيا . والرد بمزيد من تقارب أنقرة وجوارها العربي والإسلامي وفق مقولة أردوغان ذاتها من أن “الجار قبل الدار”، وأن العرب والأتراك مثل أصابع اليد الواحدة ومثل تداخل اللحم والظفر، وأن مستقبلهم كما ماضيهم وحاضرهم واحد .