خبر هل تدفع غزة ثمن التطرف؟.. بقلم: طلال عوكل

الساعة 04:32 م|10 ابريل 2010

هل تدفع غزة ثمن التطرف؟.. بقلم: طلال عوكل

بقلم: طلال عوكل

لا تتوقف التهديدات بعملية عسكرية عدوانية واسعة تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة، غير أن الذرائع لتبرير وتغطية هذه العملية لا تزال غير متوفرة بالقدر الذي تحتاجه آلة الدعاية الإسرائيلية، لإقناع الرأي العام العالمي، بأن مثل هذه العملية تقع في إطار الضرورات الأمنية الدفاعية.

 

التهديدات تصدر عن أعلى المراجع السياسية والأمنية، ورغم أن هذه التهديدات تنطوي على قدر من التناقض الواضح، وربما المقصود، بشأن أهداف وطبيعة وأبعاد عملية عسكرية عدوانية مرتقبة على قطاع غزة، إلا أن كل التصريحات والأحاديث التي تصدر بهذا الشأن تلتقي عند نقطة محورية، وهي أن العملية ستكون واسعة، وليست موضعية وتكتيكية.

 

بعض المسؤولين على المستوى الوزاري، وضع مسألة القيام بعملية عسكرية في إطار الرد على إطلاق صواريخ، لكن بعضهم أشار إلى أن العملية ستكون واسعة وتستهدف القضاء على سلطة حماس في القطاع، والثابت أن مثل هذه العملية قد أصبحت ضرورية، انطلاقاً من حاجة الحكومة الإسرائيلية للقيام بها بغض النظر عن الذرائع المعلنة.

 

في السادس والعشرين من الشهر الماضي، قامت قوات من الجيش الإسرائيلي بالتوغل داخل حدود قطاع غزة، من منطقة شرق خان يونس، فاصطدمت بعبوات كان المقاومون قد زرعوها تحسباً لعدوان إسرائيلي، مما أدى إلى اشتباك مسلح، سقط جراءه ضابط وجندي إسرائيلي، ومن الجانب الفلسطيني ثلاثة شهداء من حركة الجهاد الإسلامي بالإضافة إلى عدد من الجرحى.

 

تلك العملية أحدثت غضباً لدى الدوائر السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، التي كثفت تهديداتها بإنزال أقصى العقاب بحق المسؤولين عن مقتل الضابط والجندي، فيما ذهب نائب رئيس الحكومة سيلفان شالوم، إلى التهديد بعملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة. كانت العملية دفاعية مئة بالمائة، بالنسبة للجانب الفلسطيني، ولذلك فإنها لا تصلح كذريعة تتخذها "إسرائيل" لشن عدوانها، فلقد جاءت ردود الفعل الدولية على العملية في غير صالح "إسرائيل".

 

بعد تلك العملية بأيام قليلة، قام الطيران الحربي الإسرائيلي بشن ثلاث عشرة غارة على أهداف فلسطينية، لكن الفلسطينيين لم يردوا على تلك الهجمات، وقد طلبت حركة حماس من الفصائل الفلسطينية أن تمتنع عن إطلاق الصواريخ رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، بالإضافة إلى أن الحركة اتخذت إجراءات ميدانية لمنع إطلاق الصواريخ.

 

ثمة إدراك واضح، لدى كل فصائل المقاومة وليس فقط حركة حماس، بأن "إسرائيل" ستواصل التصعيد أملاً في أن تستدرج الفلسطينيين لإطلاق صواريخ، تتخذها حكومة نتنياهو ذريعة هي تنتظرها لشن عدوانها على القطاع.

 

ولكن ما مدى جدية التهديدات الإسرائيلية، وما هي أهداف حربها المتوقعة على قطاع غزة؟ يعتقد الكثيرون أن "إسرائيل" مرتاحة جداً للوضع الفلسطيني القائم والذي يتسم بالانقسام العميق، وحالة الصراع الداخلي، الأمر الذي يستبعد معه هؤلاء أن تستهدف أي عملية عسكرية إسرائيلية القضاء على سيطرة حماس على قطاع غزة، هذا فضلاً عن أن تحقيق مثل هذا الهدف قد يتطلب إعادة احتلال القطاع، وإلا فإن حماس ستكون قادرة على امتصاص نتائج أي ضربات إسرائيلية حتى لو كانت موجهة. والأدعى موضوعياً أن لا تقوم "إسرائيل" بعملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة خاصة بعد ما تركه تقرير القاضي ريتشارد غولدستون من تداعيات سلبية على "إسرائيل" التي يتهمها التقرير بارتكاب جرائم حرب، وتجاوزات خطيرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إبان حربها على القطاع في السابع والعشرين من ديسمبر العام قبل الماضي.

 

غير أن ما ورد في تقرير غولدستون، قد ينطوي على محاذير، تتصل بسيناريوهات العدوان المقبل، والأرجح أن الجيش الإسرائيلي سيتوخى الحذر الشديد من تكرار ما وقع إبان الحرب السابقة، وهو ما دعا قيادة الجيش للبدء بدورات لتعليم الضباط والجنود اللغة العربية وتدريبهم على كيفية التعامل مع الفلسطينيين.

 

بصفة عامة فإن الائتلاف الحكومي الذي يقوده زعيم الليكود بينيامين نتنياهو، هذا الائتلاف يعتمد سياسات عدوانية متطرفة، وتوجهات حربية تتعدى الوضع الفلسطيني إلى العربي والإقليمي، فمن الواضح أن هذا الائتلاف يضع مسألة مواجهة الملف النووي الإيراني على رأس جدول أعماله وقائمة أولوياته، ولا يتوقف عن تحريض الولايات المتحدة، ودول أخرى، على ضرورة مجابهة الخطر الإيراني الافتراضي قبل أن يصبح خطراً واقعياً.

 

إن الحرب على قطاع غزة، ستكون في حال وقعت، المؤشر العملي الأول، الذي يؤكد التوجهات الإسرائيلية نحو إشعال الحرب في المنطقة، وتوريط الغرب في تلك الحروب.

 

على أن ثمة هدفاً عاجلاً، بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي تعاني من تزايد عزلتها الدولية، وتشهد علاقاتها مع الإدارة الأميركية توتراً، على خلفية الموقف الإسرائيلي من النشاطات الاستيطانية، والذي يؤدي إلى تعطيل استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، باعتبارها محل اهتمام جدي من قبل الإدارة الأميركية.

 

لم تنجح حكومة نتنياهو في إيجاد مخرج لأزمتها التفاوضية وللتوتر في علاقاتها مع إدارة الرئيس أوباما، وهي لا تزال تماطل في الرد على الاقتراحات والأسئلة التي عاد بها نتنياهو من واشنطن بعد لقائه مع الرئيس أوباما، الأمر الذي أدى بدوره إلى تأجيل زيارة المبعوث الأميركي لعملية السلام جورج ميتشل الذي كان من المقرر أن يصل إلى "إسرائيل" الأحد الماضي من هذا الشهر.

 

لقد استنفدت الإدارة الأميركية الضغط على الفلسطينيين والعرب الذين سايروها حين وافقوا على مفاوضات غير مباشرة لأربعة أشهر، غير أن "إسرائيل" عطلت هذه الإمكانية مرة أخرى.

 

وفي ظل تمسك الفلسطينيين في إطار الموقف الذي قررته القمة العربية بشأن عدم استئناف المفاوضات قبل وقف الاستيطان، فإن الإدارة الأميركية، عليها أن تتحمل المسؤولية إزاء معالجة الاستعصاء الإسرائيلي.

 

وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية غير قادرة على تجاهل الموقف الأميركي، ولا هي قادرة على تلبية الطلبات الأميركية بشأن وقف الاستيطان، فإن عدواناً واسعاً على غزة يصبح بالنسبة لحكومة نتنياهو، هو المخرج، ولو كان مؤقتاً لكنه يمنحها بعض الوقت لتدوير الزوايا.

 

كاتب فلسطيني

[email protected]

صحيفة البيان الإماراتية