خبر تفوق تصور مصر-هآرتس

الساعة 10:00 ص|07 ابريل 2010

تفوق تصور مصر-هآرتس

بقلم: غيدي غرينشتاين

(المؤسس والمدير العام لمعهد "ريئوت" للتفكير الاستراتيجي)

 (المضمون: كانت مصر برغم تفوق اسرائيل عليها في الحروب متفوقة على اسرائيل في تصورها الذي رأى بوضوح المصلحة الاستراتيجية لمصر واسرائيل معا وهذا ما أفضى الى توقيع اتفاق السلام بين مصر واسرائيل - المصدر).

        في نهاية آذار تم 31 سنة على اتفاق السلام بين  اسرائيل ومصر – وهو واحد من لحظات الذروة في مسيرة عمرها 12 سنة صاغت فيها مصر الشرق الاوسط من جديد، وذلك برغم ضعفها العسكري مع احداثها تغييرا عميقا في قيم اسرائيل وسلوكها.

        تمتعت اسرائيل في سني وجودها العشرين الاولى بتفوق على العرب استمد من تصور الامن الذي صيغ بقيادة بن غوريون منذ 1947. صيغ تفوق تصورها لان نظام افكارنا الاستراتيجي كان أكثر جدوى وصلة مما كان عن الجانب الثاني وعوض من قلتنا في الكمية والنوع.

        بيد انه في ذروة قوتنا وبعد النصر الحاسم في حرب الايام الستة بدأت تغلي في مصر الافكار التي سلبتنا تفوقنا في التصور. كان بدء ذلك المسار في أيام عبد الناصر لكن كانت ذروته وتحققه في أيام السادات. في أثنائه ضاءلت القيادة المصرية أهدافها السياسية ولاءمت استراتيجياتها لقدرات مصر، وترجمت أفكارها لتصور عمل، جرت غلغلته في جميع مستويات الجيش والادارة. كانت الاهداف العليا اعادة سيناء وفتح قناة السويس وتحويل مصر لرعاية الولايات المتحدة. آنذاك بدأت  معركة عسكرية ودبلوماسية شاملة: ففي 1971 عبرت مصر عن استعداد لسلام شامل مع اسرائيل عوض انسحاب تام من سيناء، وفي 1972 اقترحت تسوية مرحلية أساسها الفصل بين القوات وفتح القناة.

        بعد أن تجاهلت اسرائيل مبادراتها او رفضتها، خرجت مصر للحرب التي كانت أهدافها العسكرية محدودة وكان هدفها تجديد المسيرة السياسية. وهكذا وقعت في 1974 اتفاقات فصل القوات التي شابهت الاقتراح المصري الذي أجيز قبل سنتين من ذلك. وفي 1977 أدهش السادات العالم وأتى القدس، وفي 1978 – 1979 وقعت اتفاقات كامب ديفيد واتفاقات السلام التي تشتمل على تفاهمات تربط بين المساعدات الامريكية لمصر ومساعدة اسرائيل. وهكذا في 1982، مع استكمال الانسحاب من سيناء أحرزت مصر جميع الأهداف الاستراتيجية التي نصبتها قبل ذلك بـ 12 سنة.

        نبعت جدوى مصر في هذه الفترة من جملة ما نبعت من استعدادها لدفع الثمن العقائدي والسياسي والعسكري والاقتصادي الباهظ الذي يصحب احراز أهدافها. فضلا عن الخسارة العظيمة من حياة البشر والمعدات في حرب يوم الغفران، اعترفت مصر بوجود اسرائيل؛ وتخلت من مكانتها الرائدة في العالم العربي؛ وابتعدت عن النضال الفلسطيني الذي أجلّته منذ 1948 وانفصلت عن الاتحاد السوفياتي.

        ان هذه التنازلات بطبيعة الامر جعلت السادات مستحقا للموت في نظر قاتليه. وكانت زعامة بيغن بطبيعة الأمر مهمة لنجاح مصر. لكن أشك في أنه كان له خيار إزاء تفوق تصور مصر الذي حرك قوى عظيمة للتاريخ والدبلوماسية. وذلك لان السادات أدرك أن تسوية سياسية مستقرة تصحب تلبية مصالح اسرائيل الاساسية. ولهذا اقترح السلام والتزم التطبيع ووافق على نزع السلاح من سيناء. أي أنه وبمعان ما صيغت في القاهرة الافكار التي ضمنت لاسرائيل ثلاثة عقود من الأمن وما تزال اليد مبسوطة.