خبر نابلس : ظاهرة عمل الأطفال في الـمستوطنات ... أسبابها وعلاجها

الساعة 07:35 ص|06 ابريل 2010

فلسطين اليوم : نابلس

يتجمّع عشرون طفلاً، في الثالثة فجراً، وقبل شروق الشمس، وسط إحدى قرى جنوب نابلس، لتصل الحافلة التي تتسع لثمانية أشخاص، وتقلهم جميعاً إلى إحدى الـمستوطنات في الأغوار الفلسطينية، للعمل هناك.

في قرية أوصرين جنوب نابلس، وغيرها من القرى، يرسل أولياء الأمور أبناءهم للعمل داخل مستوطنات الغور، لعدم توفر الدخل للعيش الكريم، أو هكذا يبررون، في الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات لـمقاطعة بضائع الـمستوطنات.

وبدل أن يعيش هؤلاء طفولتهم كغيرهم على مقاعد الدراسة لإلزامية التعليم، تجدهم يتسربون من مدارسهم فهم يشقون من الصغر، وعلامات القسوة والجلد الـمبكر ظاهرة على محياهم، وفي نبرة حديثهم ثقة غير معهودة بالنسبة لأطفال في سنهم.

الطفل (م) وابن عمه (أ) (16 عاماً) يعملان منذ ثلاث سنوات في إحدى الـمستوطنات في الأغوار. يقول (م): "أحصل على 50 شيكلاً مقابل عمل اليوم الواحد، أتعب كثيراً، وأتمنى لو أنني على مقاعد الدراسة، لكن ما باليد حيلة".

ويضيف: "لـم يكن إهمالي بالدراسة هو سبب ابتعادي عن الـمدرسة، بل سوء الأوضاع الـمادية لعائلتي هي التي أجبرتني على العمل، فأنا لا أطيق سوء معاملتهم وصراخهم علينا"، مشيرا في ذلك لأرباب العمل. ويشير إلى أن هناك فتيات من أريحا يعملن بنفس مكان عمله أيضا، وتتراوح أعمارهن بين 16 عاماً و18 عاماً.

ويقول والده: "نعم أريده أن يعمل من الآن، إنه يساعدني في مصاريف اخوته، والـمنزل". ويؤكـد: "اكتسب ابني عادات سيئة كثيرة من العمل بالـمستوطنات، كالتدخين، والنرجيلة، والكلام معنا بشيء من الزهوّ، لكن ما باليد حيلة، أنا بحاجة إلى كل شيكل يكسبه، وهو يعطيني كل ما يحصل عليه، لذا لا أجادله أبدا بأي أمر، وأتركه على راحته".

ويفيد مدير قسم الإرشاد والتربية الخاصة في مديرية تربية جنوب نابلس مفيد نوفل، بأن أعداد الـمتسربين من الـمدارس في قرية أوصرين الذين يعملون في الـمستوطنات هم سبعة، ومن قرية دوما سبعة أيضاً، ويتوجه 300 طالب من الـمجدل للعمل داخل الـمستوطنات في العطلة الصيفية.

ويضيف: لدى سؤال الأهالي عن مكان عمل أبنائهم يجيبون "في الغور"، لكنهم في الأصل يعملون داخل الـمستوطنات، منوها إلى أن الـمديرية تقوم ما بوسعها لإقناع الطالب وذويه لإعادته الى الـمدرسة.

ويشير القائم بأعمال مديرية تربية جنوب نابلس أحمد صوالحة إلى أنه طرح أهمية متابعة هذا الـموضوع والحد من عمل الأطفال داخل الـمستوطنات وتابعه مع رؤساء الـمجالس الـمحلية، وذكر أنهم سيقومون بخطوات قريبة لـمحاربة هذه الظاهرة. ويوضح أن 64 طالباً متسرباً من مدرسة عقربا الثانوية، غالبيتهم يعملون داخل الـمستوطنات.

ويشير مدير مكتب الشؤون الاجتماعية في جنوب نابلس موسى حمايل، إلى أنه للحد من مواصلة عمل الأطفال بغض النظر داخل الـمستوطنات أو في أي مكان، يكمن في البحث عن السبب، فهناك أسباب تتعلق بالتفكك الأسري، والفقر وغيرها، ويجب الانتباه لها، وعلى الـمختصين متابعتها، ومحاولة علاجها، مؤكداً ضرورة توفير البدائل للـمتسربين، كمراكز التدريب والتأهيل التي تمنح فرصة تأهيلهم لسوق العمل في الـمهن الـمختلفة.

وأشار إلى أهمية التعاون بين دوائر الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم، لحماية هذه الفئة من الأطفال لأن الوقاية خير من العلاج.

ولدى الـمرور من سوق الخضار في بيتا جنوب نابلس أو السير في منطقة الدوار داخل مدينة نابلس، يمكن ملاحظة عشرات الأطفال يعملون، إما داخل الـمحلات، أو في الـمخابز، أو بائعين متجولين للعلكة، وغيرها.

وقالت ريما الوزني، الـمنسقة الإعلامية في "اللجنة الوطنية لـمنع عمالة الأطفال" إنه وبسبب عدة شكاوى حول هذه الظاهرة كانت قد وصلت من الـمواطنين لعدد من الـمؤسسات منها الـمحافظة، قرر محافظ نابلس جبرين البكري في الثاني عشر من شهر كانون الثاني الـماضي تشكيل "اللجنة" التي تضم ممثلين عن الـمحافظة، ومديريات التربية والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل، والصحة، والإعلام، والشرطة، بهدف وضع حد لعمالة الأطفال الـمتفشية في الـمحافظة.

وأعلنت نائب الـمحافظ عنان الأتيرة، أمس، عن إطلاق أعمال اللجنة الوطنية لـمنع عمالة الأطفال في محافظة نابلس، وقالت إن الأطفال يشكلون ما نسبته 9ر42% من الـمجتمع، وهي نسبة عالية جداً، ويجب العمل من أجل توفير ظروف ملائمة له، وتكفل جميع الحقوق الخاصة به.

وأكدت أن الاحتلال يستفيد من حالة الفقر والبطالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ويغري الأطفال للعمل داخل الـمستوطنات واستغلالهم، في ظل الوضع السياسي الحالي الذي يركز على محاربة الـمستوطنات، ووقف أية عمليات تفاوض في ظلها.

ونوهت إلى أنه حسب الجهاز الـمركزي للاحصاء، فإن نسبة الطلبة الـمتسربين من الـمدارس تبلغ 2ر1%، وهذه نسبة كبيرة في ظل فرض إلزامية التعليم.

وأشار مدير شرطة نابلس عمر البزور إلى أن الشرطة استحدثت قسمين مهمين، وهما شرطة الأحداث ووحدة حماية الأسرة، مؤكدا أن عمل الأطفال بشكل عام، وداخل الـمستوطنات خاصة، تنتج عنه آثار اجتماعية وأخلاقية سلبية.

وأضاف إنه قبل أيام، ضبطت الشرطة بعد منتصف الليل أحد الأطفال وهو يبيع الحلويات، وبعد فحص الحالة تبين أن والد الطفل أجبره على عدم العودة للـمنزل إلا بعد أن يبيع ما بحوزته من بضاعة، رغم أن الوالد متزوج من امرأتين ووضعه الـمادي جيد.

وأوضح مدير عام التخطيط في محافظة نابلس تيسير نصر الله أن مهمة اللجنة جمع الـمعلومات عن الأطفال العاملين، ومتابعة الوضع القانوني لهم، وظروف حياتهم، مع أولياء أمورهم، وأصحاب الـمنشآت التي يعملون بها.

وأهاب بجميع الغيورين على الأطفال ومستقبلهم، أن يضعوا جهودهم مع جهود اللجنة الوطنية لـمنع عمالة الأطفال وملاحقة حالات التسرب ميدانياً.

ودعا الأهالي، الذين أرغموا أبناءهم على العمل، أن يدركوا بأنهم يرتكبون خطأ فاحشاً بحقهم، ويخالفون القانون.

وقالت الـمستشارة القانونية في محافظة نابلس لينا عبد الهادي إنه حسب قانون العمل والعمال لعام 2000، يحظر عمل الأطفال تحت سن 15 عاماً، أي أنها تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.

وأشارت إلى أن عمالة الأطفال تهدد النمو والتطور البدني والنفسي والاجتماعي السليم للطفل، عدا أنها تشكل انتهاكاً للكثير من حقوقه، كحقه في التعليم، والحماية، واللعب، والترفيه، وغيرها، وجميعها حقوق مصانة بموجب الاتفاقيات والـمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقوانين والتشريعات الفلسطينية.

وأكـدت أن هناك زيادة ملحوظة في عمالة الأطفال بسبب الظروف التي فرضها الاحتلال، ما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي.

وقالت الرائد غادة طبعوني ممثلة الشرطة في اللجنة، ومديرة شرطة الأحداث في محافظة نابلس، إنه سيتم توقيع تعهدات مع أرباب العمل من خلال الشرطة، وفي حالة الإخلال بها سيتم تحويلها إلى النيابة العامة، ومعاقبتهم وفرض غرامات عليهم.

وكان محافظ نابلس أصدر قرارين إداريين بمنع استقبال الأطفال ما دون 16 عاماً في مقاهي الانترنت، إلا إذا توفرت الرقابة اللازمة، كما يمنع بيع السجائر للأطفال تحت سن 16 عاماً.