خبر القدس بعيون أميركية: تراجع تدريجي وهيمنة أيديولوجية لاعتبارها إسرائيلية

الساعة 07:09 ص|06 ابريل 2010

فلسطين اليوم : وكالات

بعيد عدوان حزيران (يونيو) 1967، واصلت إدارة الرئيس الأميركي ليندون جونسون وضع منهج جديد كانت قد ابتدأته الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد ولادة قضية القدس العام 1948 ويقوم على دعم فكرة التدويل.

فالتحول الأميركي الأول حدث في نهاية عهد جونسون، إذ قال في خطاب حول القدس بعد العدوان "يجب الاعتراف بعدالة المطالب الخاصة للأديان الثلاثة الكبرى في الأماكن المقدسة في القدس"، متجاوزا في ذلك الموقف السابق للولايات المتحدة، وقافزا عن دعوات ومطالبات بالتدويل.

وعاد البيت الأبيض يؤكد خطاب الرئيس ليندون جونسون بعد القرار الإسرائيلي بضم المدينة بعيد عدوان 1967، حيث أصدرت الخارجية الأميركية بيانا جاء فيه أن واشنطن لن تعترف بالإجراءات من طرف واحد لأي دولة تجاه ما يخص القدس. وطالبت الولايات المتحدة بعد ذلك بألا يقرر وضع القدس انفراديا ولكن بالتشاور مع كل الجهات المعنية.

ومع مجيء الرئيس ريتشارد نيكسون (1968-1974) إلى الحكم، طرح وزير خارجيته وليم روجرز في 9 كانون الاول (ديسمبر) 1969، مقترحاته ومشروعه الشهير للتسوية، تم التأكيد فيه على مبدأين بالنسبة للمدينة المقدسة: أولهما بقاء القدس مدينة موحدة، وثانيهما تسوية مسألة القدس من خلال المفاوضات بين الطرف العربي والإسرائيلي، وهو مبدأ جديد طرح في حينها، وهدف إلى إسقاط أي دور للأمم المتحدة، وفكرة تدويل المدينة والأماكن المقدسة.

وحافظت إدارة الرئيس جيمي كارتر على الموقف نفسه بالنسبة للقدس بدعوتها لبقاء المدينة موحدة. وضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة للجميع بصرف النظر عن طوائفهم. وفصل القدس عن بقية الأراضي المحتلة 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتعامل معها على نحو منفصل.

ومع صعود رونالد ريغان إلى سدة الحكم انكشف انزياح موقف الإدارة الأميركية باتجاه التصورات الإسرائيلية، حيث اعتبرت القدس عاصمة إسرائيل، ويجب أن تبقى دائما تحت السيادة الإسرائيلية.

وأقدم ريغان على توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي الأميركي الإسرائيلي، تلاه الغزو الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982، وضرب الوجود العسكري للمقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير هناك، ثم جاء مشروع "رونالد ريغان" يوم خروج الدفعة الأولى من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، مستهدفا جني ثمار العدوان، وشق الطريق لمشروع الحكم الذاتي في الضفة وقطاع غزة كما ورد في الشق الفلسطيني من اتفاق كامب ديفيد الأول. لكن هذا المشروع فشل بفعل نهوض المقاومة اللبنانية لاحقا، وقيام منظمة التحرير بلملمة وبلسمة جراحها بعد عدوان 1982، وتجاوزها لعملية الانقسام والانشقاق المدمر الذي ضرب صفوفها 1983، وانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي دقت أبواب العالم بأسره.

التحول المؤقت والعودة للتراجع التدريجي

بعد كارثة وحرب الخليج الثانية، التي عدتها الإدارة الأميركية "هزيمة لكل العرب" على حد تعبير وزير الخارجية آنذاك جيمس بيكر، وبسبب من التحضيرات التي بدأتها إدارة الرئيس (جورج بوش الأب) لعقد مؤتمر مدريد للتسوية في الشرق الأوسط، فإن تحولا مؤقتا في الموقف الأميركي تجاه القدس بدا من خلال رسالة بعث بها الرئيس بوش الأب إلى إسرائيل، وفيها قوله "يجب أن تقسم القدس ثانية، تلك سياستي".

وعلى أثرها أوقف الرئيس بوش الأب ضمانات القروض الأميركية بقيمة (400) مليون دولار لإسكان المهاجرين من اليهود السوفيات العام 1991 بسبب أن "الاعتراض الأميركي على المستوطنات يشمل القدس الشرقية، وأن القدس الشرقية أرض محتلة"، إلا أن الرئيس جورج بوش قرر التراجع الفعلي عن شروطه لإعطاء قرض أخر بقيمة عشرة بلايين دولار لإسرائيل في آب (أغسطس) 1992، فحصلت إسرائيل على ضوء أخضر لمزيد من الاستيطان في ضواحي القدس، وأراضي القرى العربية المجاورة لها، بعد أن تغاضت إدارة بوش عن الموضوع الشائك بنشاطات البناء اليهودي في القدس الشرقية، واكتفت هذه الإدارة بتعهد لفظي قطعه إسحاق رابين على نفسه في أيار(مايو) 1992، بوقف الاستيطان في الضفة الغربية.

أما فترة إدارة الرئيس بيل كلينتون (1993-2001) فقد تضمنت ومن خلال الحملة الانتخابية التي خاضها كلينتون إشارات واضحة على أن القدس الموحدة العاصمة الأبدية لإسرائيل، وانتقد سلفه الرئيس (جورج بوش الأب) حين ربط ضمانات القروض بضرورة تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومناطق القدس على وجه الخصوص، وبعد وصوله إلى سدة الحكم تركزت تصريحات كلينتون حول ضرورة البت في قضية القدس في مفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وفي الوقت نفسه لم تعلن إدارة كلينتون أي موقف إزاء ضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي في القدس المحتلة.

وعند وصول (جورج بوش الابن) إلى الحكم، كانت الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت شرارتها الأولى في ساحات الأقصى الشريف قد اندلعت قبل أشهر، وكان من المقدمات التي هيأت لشرارة الانتفاضة الضغوط الأميركية والإسرائيلية على المفاوض الفلسطيني في مفاوضات كامب ديفد الثانية التي استمرت أسابيع، حيث رفض الوفد الفلسطيني التنازل عن القدس الشرقية، واعتبار بعض توسعاتها عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة على كامل مساحة الضفة وقطاع غزة والبالغة نحو 9000 كيلومتر مربع.

وتبعا لاشتداد وطأة المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والانتفاضة والخسائر الإسرائيلية من جراء المقاومة المسلحة والضرب في العمق الإسرائيلي، اضطرت إدارة الرئيس (جورج بوش الابن) إرسال مبعوثيها ورسلها وبشكل متواتر إلى منطقة الشرق الأوسط، وذلك من أجل الضغط على الطرف الفلسطيني لإخضاعه وقبوله بالشروط الإسرائيلية، والانقضاض على الانتفاضة التي رفعت شعارات الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس بعد كنس المستوطنين البالغ عددهم قرابة (200) ألف مستوطن في مستعمرات الضفة الغربية، إضافة إلى نحو (180) ألفا في عشرة أحياء استيطانية تلف القدس من كل الاتجاهات.

القدس: صمود وانتظار

وبالنتيجة، وبالعودة إلى وضع القدس في القرارات الرسمية الأميركية، فإن إدارات: ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وجيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، واصلت التراجع التدريجي والثابت عن تدويل القدس إلى تقبل الأمر الواقع، وسياسة تقبل نتائج المفاوضات حول القدس بين الأطراف في ضوء الواقع الديمغرافي الذي أحدثته سلطات الاحتلال على أرض المدينة.

فالحل من الوجهة الأميركية يفترض به أن يأخذ بعين الاعتبار حسب المنسق الأميركي السابق لعملية التسوية دينس روس "الوقائع الجديدة والتغييرات الجغرافية والعمرانية التي قامت بها الحكومات الإسرائيلية المتتالية في الجزء الشرقي من القدس" حتى يتوافق مع الظروف الجديدة، وهي الوجهة التي مازالت تحكم الموقف الأميركي في حقيقته الساطعه تجاه المدينة المقدسة، وإن اختلفت النبرة الإعلامية بين حين وآخر تبعا لتقلبات ومسار وتحولات العملية السياسية في المنطقة، حيث يلحظ أن تلك الأفكار تكرس بشكل أو بآخر الاحتلال والسيادة الإسرائيلية الكاملة على المدينة، وتتجاهل المرجعية الدولية والقرارات ذات الصلة المتعلقة بالقدس الشرقية واعتبارها أراضي محتلة يجب الجلاء عنها وفق القرار 242، والقرارات اللاحقة التي أكدت بأنه لا شرعية لكل عمليات الاستيطان، وأن القدس أرض فلسطينية عربية محتلة.