خبر تصريحات سلام فياض لـ « هآرتس » : تكتيك أم تغيير؟../ هاني المصري

الساعة 06:58 ص|06 ابريل 2010

تصريحات سلام فياض لـ "هآرتس" : تكتيك أم تغيير؟ هاني المصري

"في السنة القادمة وفي شهر آب كل البشرية ستحتفل بمولد الدولة الفلسطينية"، "الطرفان يجب أن يتحملا المسؤولية"، "حل النزاع في المنطقة ليس علينا على الإطلاق، فهو يجري بين المتطرفين والمعتدلين"، "توجد سبل لمعالجة التحريض، ونحن نعالج ذلك"، "نحن نعد البنية التحتية لاستيعاب اللاجئين. سيكون للفلسطينيين الحق في السكن داخل دولة فلسطين".

 

ما سبق عبارات مقتطفة من مقابلة أجرتها جريدة هآرتس مع سلام فياض رئيس الحكومة نشرت في 2 نيسان الجاري، وهي تعكس إما مواقف جديدة أو تمهد لمواقف جديدة أو هي مجرد زلة لسان تستوجب التراجع عنها، أو محاولة لمخاطبة الاسرائيليين والتأثير عليهم.

 

إذا كانت مواقف جديدة فهي خاطئة وخطيرة لأنها تمس ببرنامج الإجماع الوطني، برنامج إنهاء الاحتلال وحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

 

وإذا كان المقصود بالجواب الناقص والغامض للسؤال الأخير في مقابلة هآرتس التخلي عن حق العودة فهذا يعتبر خطأ فادحاً وطنياً وقانونياً وسياسياً. كما انه تسليم مسبق بالموقف الإسرائيلي بشطب قضية اللاجئين، وإقرار بالشرط الإسرائيلي بان لا عودة للاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم، كما نص على ذلك القرار الدولي 194.

 

إن الصراع في المنطقة أساسا ليس بين متطرفين ومعتدلين وإنما بين الاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال.

إن الاحتلال يمثل ذروة الإرهاب والتحريض، ولا يمكن اتهام الضحية عندما تصرخ من الألم بأنها تمارس التحريض حتى تقبل أن تعالج التحريض. فما تقوم به الضحية الفلسطينية، حتى وإذا تطرفت أحيانا، هو رد فعل طبيعي ودفاع عن النفس وليس تحريضا.

 

إن الخلل الجوهري في حديث فياض هو نفسه الخلل الجوهري في خطة الحكومة (إنهاء الاحتلال وإقامة مؤسسات الدولة)، وهو نابع من اعتقاد خاطئ (وهم) بأن بناء مؤسسات الدولة واثبات الجدارة تحت الاحتلال يمكن أن يقود الى إنهاء الاحتلال، مع الأهمية البالغة لبناء مؤسسات وفقا لأفضل المعايير.

 

إن هذا الفهم خاطئ كونه يموه على حقيقة الاحتلال ومسؤوليته، ويظهر أن المشكلة بالأساس، أو من أسبابها الرئيسية عدم جدارة الفلسطينيين، وعدم وجود مؤسسات دولة لهم. لقد بنت السلطة مؤسسات قبل تدمير معظمها بعد العدوان الإسرائيلي العسكري الذي أعاد احتلال الضفة الغربية بعد عام 2000.

 

إن إعطاء الأولوية لبناء المؤسسات يعكس قلبا للحقائق رأسا على عقب، ويشكل محاولة للقفز عن المهمات الراهنة، مهمات ذروة الصراع تحت الاحتلال والشروع بحل مهمات ما بعد انتهاء الصراع. إن بناء مؤسسات الدولة والتعايش مع الاحتلال وخلق علاقات طبيعية معها، وإقامة تنسيق امني معها سيجعل إسرائيل متمسكة بالاحتلال، وأقصى ما يمكن أن تقدمه من حلول هو الموافقة على إقامة دولة البقايا. فإسرائيل إذا حققت مزايا السلام منذ الان وهي محتفظة بالاحتلال لماذا تكون بحاجة للسلام والانسحاب.

إن إقامة مؤسسات الدولة لا يمكن أن يكتمل ويتحقق فعلا بدون إنهاء الاحتلال.

 

فإنهاء الاحتلال يتطلب أولا وأساسا تحقيق وحدة وطنية وقيادة واحدة وبرنامج وطني قادر على توحيد الفلسطينيين جميعا أينما كانوا وليس الفصائل وفلسطيني الضفة والقطاع فقط، وثانيا الجمع ما بين المقاومة المثمرة والشاملة، والمفاوضات المثمرة وكل أشكال التحرك السياسي، لأن إقامة الدولة مهمة كفاحية جادة وشاقة وطويلة.

 

لا يمكن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة ومؤسساتها على أساس الوهم بأن الحل قريب والدولة على مرمى حجر. لقد دفعنا غاليا ثمن هذا الوهم، ولا داعي لدفع أثمان جديدة.

فإذا كانت السلطة والمنظمة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لم يستطيعوا إقناع إسرائيل أو إجبارها على تجميد الاستيطان طوال أكثر من 14 شهرا، فكيف يمكن إقناعها وإجبارها على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، ولا تكون دولة ميكي ماوس، ولا دولة بقايا، بعد 14 شهرا منذ الآن.

 

والسؤال هو إذا وصلت السلطة الى شهر آب من العام القادم ولم يتم إنهاء الاحتلال، ماذا ستفعل هل ستقبل بدولة البقايا؟ أم هل ستغير قواعد الصراع؟ إذا كانت لا تريد إقامة دولة ميكي ماوس وفضلات، كما يقول فياض فلتبدأ إذا ومنذ الان بتغيير قواعد الصراع حتى لا نضيع المزيد من الوقت الذي تستفيد منه إسرائيل.

 

وفي حال لم تقم الدولة في الموعد المخطط، كما هو مرجح فإننا نكون قد أضعنا وقتا تستفيد منه إسرائيل لاستكمال فرض الحقائق الاحتلالية على الأرض، وأوجدنا أسبابا جديدة لتعميق الانقسام الفلسطيني عبر إيجاد واقع تعايش مع الاحتلال بحيث التراجع عنه واعتماد بديل آخر يصبح أمرا أصعب بكثير من الوقت الحالي، لأنه سيكون هناك أفراد وشرائح أكثر فأكثر ازدادت نفوذا وغنى وستكون مستعدة للدفاع عن استمرار هذا الواقع وتوفير البنية التحتية لقبول ما يمكن أن تعرضه إسرائيل علينا من دولة بقايا.

 

إن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية هدف واقعي ممكن التحقيق، إذا وضع في سياق برنامج الإجماع الوطني. فإعادة الاعتبار لهذا البرنامج هو وحده الكفيل بإعادة توحيد الشعب الفلسطيني، وزيادة فرص النجاح بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.

 

إن التضحية بقضية اللاجئين وحق العودة من اجل تحرير القدس وإقامة الدولة، كما تصور أنصار اتفاق أوسلو وهم سقط مرات عديدة، ويجب التراجع عنه مرة واحدة والى الأبد. فاستمراره لن يقود الى دولة حرة مقابل التضحية بقضية اللاجئين، وإنما الى التضحية بكل شيء (الدولة-القدس- اللاجئين) مقابل لا شيء، أو مقابل دولة الفتات والبقايا.

 

لقد سقط هذا الوهم عندما انقضى شهر أيار من عام 1999 وهو الموعد المحدد باتفاق أوسلو للاتفاق على القضايا الاساسية، بدون اتفاق.

 

وسقط مرة أخرى عندما فشلت قمة كامب ديفيد عام 2000، وسقط مرة ثالثة عندما لم ينفذ وعد بوش بإقامة دولة فلسطينية عام 2005، ورابعة عندما لم تنفذ خارطة الطريق المطروحة منذ عام 2003 وحتى الان، وسقط مرة خامسة بعدم تحقيق الدولة مع نهاية عام 2008 وفقا لوعد انابوليس، وسيسقط مرة أخرى ودائما إذا استمر الوهم بأن طريق المفاوضات الثنائية هو الخيار الفلسطيني والعربي الوحيد، وإذا استمر العمل وفقا لخطة الحكومة بدون تعديل جوهري، وإذا لم يتم مراجعتها وإعادة بنائها بحيث تكون تابعة لإستراتيجية الصمود والوحدة والمقاومة، وخاضعة للقيادة الفلسطينية الموحدة وللبرنامج الوطني وليست بديلا عنه ستكون سببا جديدا للفشل وللانقسام.

 

وإذا كانت المواقف التي عبر عنها سلام فياض زلة لسان فيمكن تصحيحها والتراجع عنها، وعندها يا دار ما دخلك شر. وإذا كانت مجرد شكل من أشكال مخاطبة الإسرائيليين والتأثير عليهم، ولا تعني تغيير البرنامج الوطني فهي بحاجة الى تصحيح، لأن الصراع على الوجود والأرض والحقوق، وليس مسألة يمكن حلها بحملة علاقات عامة.

 

لا يمكن تحييد الاحتلال في فلسطين واستئناف الحياة بشكل عادي وطبيعي مثلما فعلت الدول العربية، لان الفلسطينيين مجبرون على تركيز جهودهم على إنهاء الاحتلال بوصف هذه المهمة هي القاطرة التي تقود المهمات الأخرى. فالتحرير والاستقلال شرط حياة للفلسطينيين ولبناء دولتهم ومؤسساتهم.

إن بناء المؤسسات المرتبطة بإنهاء الاحتلال ضرورة لا غنى عنها.

 

وفي الختام لا بد أن نصل الى وضع تخسر فيه إسرائيل من احتلالها أكثر مما تربح عندها ستفكر جدياً بالانسحاب وتحقيق السلام، وعندها ستكون إقامة الدولة الفلسطينية على مرمى حجر!!.