خبر سلطة وطنيّة... أم روابط القرى؟ ..د. أسعد غانم

الساعة 06:50 ص|06 ابريل 2010

سلطة وطنيّة... أم روابط القرى؟ ..د. أسعد غانم

ما ان يلتقي مراقبان محايدان او فلسطينيّان، او عربيّان او فلسطيني وأجنبي، ويتطرقان الى الوضع الفلسطيني واداء السلطة الفلسطينية امام الاحداث الجسام التي يمر بها الشعب الفلسطيني، الا ويكون جوابهم عن سؤال وجهة السلطة واضحاً، فهي بالتأكيد ليست "وطنية" بالمعنى الجوهري للكلمة، ويتم انتقاء جملة من المصطلحات لتسميتها، فهي سلطة "متعاونة"، "دمية امريكية واسرائيلية"، "مجموعة من المتسلقين"، "اذناب"،"مقاولون ثانويون للاحتلال".

 

بالمقابل، عندما يخرج النقاش الى الحيّز العام في وسائل الاعلام وحتى النقديّة منها وعلى منصّات النقاش العام، الاكاديمي والاعلامي وحتى الشعبي، واذ بالسلطة تتحول الى "السلطة الوطنية" "ومنظمة التحرير الفلسطينية" و"اللجنة التنفيذية" و"لجنة المفاوضات التابعة للجنة التنفيذية" الخ من الاسماء والمسمّيات الوطنية.

 

وهنا يجب طرح السؤال: لماذا هذه الازدواجية؟ هل هي واقع نعيشه وازدواجية مرافقة لحالات عدم الوضوح المشابهة، ام هي حالة من النفاق والازدواجية الكاذبة التي تتحايل على الواقع من خلال توصيفه لا تغييره؟ وقد يقول قائل بأن السؤال غير مهم، لأنه يخدم اسرائيل عندما يشكك في "القيادة الوطنية". لكن اذا كان الجواب الحقيقي هو ما يحدث في النقاشات الجانبية وفي الجلسات المغلقة وبين أي مهتمين بالوضع الفلسطيني، فان السلطة هي غير وطنية حسب أبسط تعريف.

 

ومعنى ذلك أن ازدواجية التوصيفات، والتحايل على الكلمات هو بالذات ما يخدم اسرائيل، وما يضر بالمصلحة الفلسطينية، ويصب في عكس ما يساعد الشعب الفلسطيني، وخصوصاً ان اقطاب سلطة رام اللة "يقبضون" دورهم بجد، فقد وقـّع وربما يوقـّع بعضهم على تسويات معادية لمصالح الشعب الفلسطيني. ويعلن "رئيس الوزراء" سلام فياض والذي لا يتمتع بأية شرعية، في بلد مؤسس الصهيونية (هرتسل) عن رغبته باعلان دولة، كان عرفات قد اعلنها سابقاً في بلد المليون شهيد (الجزائر)، والفرق هو انها الان سوف تعلن لكي تكون اداة لانقاذ اسرائيل لا لاحراجها، كما يدّعي معلن الفكرة وليس مصمّمها بالتأكيد.

 

وتقوم هذه السلطة في عدة اجراءات يومية، على الارض وعلى المستويات الدبلوماسية العليا، مثل المشاركة باجتماعات الجامعة العربية، او تبرير الاعتداءات الاسرائيلية على غزة، او لعن المقاومة علناً وحتى اللقاء مع اوباما او الرباعية، وكل ذلك واكثر من ذلك بكثير، باسم الشعب الفلسطيني وكأنها تمثّله. ولذلك يجب علينا كفلسطينيين وعرب مجابهة سؤال السلطة، قبل ان تقدم "سلطة رام الله" على التوقيع على اتفاقيات تاريخية تزج بالشعب الفلسطيني في غياهب الاحتلال الجزئي، والحل الجزئي، والدولة اليهودية، واللجوء الدائم، وكل ذلك بموافقة فلسطينية ممن يدعون تمثيل الشعب الفلسطيني.

 

تعالوا مثلا نتوقف قليلا ونجري جرداً عاما لقضايا معروفة لتجاوزات كبرى غير وطنية بالتأكيد، تؤكد الوقائع المنشورة علناً في الاعلام بأن ما يسمى "السلطة الفلسطينية" قامت بتنفيذها:

 

أوّلا، الاستمرار في مفاوضات يدرك القاصي والدّاني بانها لن تفضي الى حل للقضية الفلسطينية، بل تساهم في ترسيخ تقسيم الشعب الفلسطيني وتحويله الى قضايا مختلفة ومتنافرة، والأهم من ذلك انها تساهم بشكل كامل بالشراكة في جهد اسرائيلي لاثبات ان هنالك امل بتسوية، وان المسألة "طبخة على النار" من اجل ان تكون جاهزة قريباًّّ. وكل ذلك يسهّل الاجراءات الاسرائيلية لتهويد المكان والزمان وتحويل الشعب الفلسطيني الى "هنود حمر" القرن الواحد والعشرين.

 

ثانياً، الادعاء بايقاف المفاوضات من جهة، والاستمرار بمفاوضات ما يسمى  "المسار الثاني" من جهة اخرى، بما في ذلك في اطار محادثات تجري حاليا في معهد بيكر في تكساس، وبعد ذلك موافقتها على "محادثات غير مباشرة" مع اكثر حكومة عنصرية في العالم.

 

ثالثاً، اتخاذ موقف معاد لمصالح الشعب الفلسطيني الاساسية من خلال التخاذل المفضوح في قضية تقرير غولدستون وفبركة توليفة لاعادة الملف الى مسار تائه بعد ذلك، على ضوء الضغط الشعبي.

 

رابعاً، سرقة مئات ملايين الدولارات التي جمعت لاجل مصلحة الشعب الفلسطيني ووجدت طريقها الى الحسابات البنكية الخاصة، وبناء القصور الفخمة والاستثمارات الشخصية في دول الخليج.

 

خامساً، الاعتداء على اعراض الناس وكرامتهم من خلال ابتزازهم نتيجة لضائقتهم المالية، او الاجتماعية وحتى لخياراتهم السياسية، فهل تم التحقيق على سبيل المثال في الفضائح الاخرى، غير التي اعلن عنها، لرفيق الحسيني، صاحب السؤال النظري الهام الذي شغل بال الفلاسفة على مر العصور، "شو النظام؟"، قبل ولوجه عارياً الى فراش السيدة، حسب مقطع الفيديو المشهور؟

 

سادساً، الوقوف الى جانب اسرائيل في جهدها الدعائي بان الحرب على غزة مبررة نتيجة لاعتداءات حماس على جنوب اسرائيل، ويقوم بذلك رجال السلطة وممثلوا ما تبقى من منظمة التحرير وبعثاتها الدبلوماسية ومؤسسات تدعي تمثيل الفلسطينيين في عواصم غربية مثل لندن وواشنطن.

 

سابعاً، وضع قوى الامن تحت تصرف قائد عسكري امريكي، ليخطط وينفذ ما بدى له من مهمات الامن الفلسطيني ويدربها على عقيدة "شرطة الاحتلال"، التي يتلخص عملها في قمع المظاهرات ضد اسرائيل، واعتقال المناضلين او الوشي بهم لاسرائيل لكي تعتقلهم، وتسهيل دخول قواتها الامنية الى المنطقة "أ" لكي تعتقل المناضلين والمتضامنين مع النضال الفلسطيني في بلعين.

 

ثامناً، التعاون السافر مع اسرائيل في دعايتها، وتبرير ادعاءاتها لاعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وحتى المساهمة في خطوات عملية لمنع التضامن مع القدس او مع أي جزء فلسطيني يعتدى عليه.

 

تاسعاً، المشاركة في لعبة المفاجآت الدورية، فهل يصدق ان السلطة اكتشفت الان بأن اسرائيل تهود القدس، او انها مستمرة في الاستيطان؟ وهي لا تفعل شيئأ لاجل القدس واهل القدس، ولا للاقصى، بل قام رئيسها باقصاء المفتي عكرمة صبري من منصبه في حينه نتيجة لمواقفه الوطنية واعطى اوامره، وكأنه هو من يعطي الاوامر، بمنع الشباب المتظاهرين من الاقتراب من نقاط تواجد الجيش الاسرائيلي خلال مواجهات الاسبوع الفائت.

 

اكتفي هنا  بسرد بعض هذه الوقائع، ففي الحقيقة كلها غسلت ونشرت اعلاميا، من على مئات المنصات، وكل واحدة تؤكد تورط السلطة في خدمة الاحتلال.

 

قائمة تجاوزات السلطة المعروفة تتجاوز ما يمكن ان يحيق به أي تقرير او مقال، وبالتأكيد ما هو غير معروف افظع وأعظم. وكله يصب في اتجاه واحد، نتناساه ببراعة، بعد ان يعلن صائب عريقات صاحب عقيدة "الحياة مفاوضات"، "باننا لن نرجع الى المفاوضات الا بعد توقف الاستيطان" وهو يناور في احسن الاحوال، ونعرف كلنا بانه يتفاوض الان وسوف يرجع رسميا الى المفاوضات من غير ايقاف الاستيطان، بشرط ان لا يعلن عنه جهاراً، هل فعلا لم تتجاوز السلطة الفلسطينية ما كان من الممكن ان تقوم به روابط القرى العميلة؟

 

بتقديري فإن الجواب واضح. فالقبول بمزاوجة الوطنية والتحرير مقابل ما يحدث بالفعل على ارض الواقع يجب ان يجابه، والساكت عن الظلم والتجاوزات شريك لهما.