خبر بين طهران والقدس- معاريف

الساعة 09:34 ص|04 ابريل 2010

بين طهران والقدس- معاريف

بقلم: بن كاسبيت

 (المضمون: محبو مستقبل بيرس تنفسوا الصعداء. اذ في نهاية اليوم صادق بيرس على الحي. من جهة اخرى، مستقبله لم يكن مرضيا، اذ أن ذات المحافل المحبة له، صوتت بجموعها في صالح نتنياهو بعد نحو ثلاثة اشهر، وبيرس هزم وذهب الى البيت كي يعود فقط ليكون رئيس الدولة، ويفهم بان هذه المشادة على القدس، مع المتطرفين من الجانبين، توقع كارثة على المنطقة بأسرها - المصدر).

محاولات الوصول الى صيغة جسر بين القدس وواشنطن تشمل العالم بأسره. معقدة، حساسة وعديمة المنفعة للمدى البعيد بالضبط مثل محاولات الوصول الى صيغة عقوبات "خانقة" على ايران: في الحالتين الصيغة ستتحقق. في الحالتين ستكون مؤقتة فقط. في نهاية المطاف، الصدام محتم. كل مناورات التملص لن تجدي نفعا. الجبل الجليدي هناك ينتظر ان يتحطموا عليه. الهوة التي تفغر فاه بين الطرفين غير قابلة للجسر.

اذ في النهاية، بعد كل الوقت الضائع، سيرى نتنياهو أمامه مسودة اتفاق دائم، تقوم على أساس اقتراح كلينتون، خلفها سيقف العالم بأسره، وهو سيتعين عليه ان يقول نعم أو لا. وفي النهاية، بعد كل الوقت الضائع، الايرانيون سيتعين عليهم ان يتخذوا قرارا مشابها: نووي عسكري، نعم او لا. وحيالهم ايضا سيكون العالم. فقد خسارة على أنه في قضيتنا العلم الموحد وأكثر تصميما منه في القضية الايرانية. كان ينبغي لهذا ان يكون معاكسا. كان يمكن لهذا ان يكون معاكسا. ولكنه ليس معاكسا، بذنبنا.

في الطريق الى حل وسط

اتصالات الحل الوسط يقودها رئيس الدولة شمعون بيرس. ليس شخصيا، ليس بلمسة يد مباشرة، بل من خلال رجاله، المنتشرين في كل مكان. صحيح حتى يوم أمس، المحامي اسحاق مولكو في واشنطن. والطرفين يقلبان كل حجر، لدرجة اغناء الانجليزية (والعبرية والعربية ايضا) بكلمات جديدة، ابداعية، تربع الدائرة وتبقي كل الاطراف على قيد الحياة. بوادر الحل الوسط المقتربة باتت تبدو على الارض: تصريحات التهدئة من ديفيد اكسلرود، المستشار الكبير لاوباما. البيان بأن مصير القدس لن يبحث الا في التسوية الدائمة. الاحاديث عن التجميد لاربعة اشهر في القدس.

        ولكن مرة اخرى، يدور الحديث عن خلاف حبة تسكين آلام لمريض عضال. وذلك لان الامريكيين يريدون تسوية. يريدونها هنا، والان. ويعتقدون بأنه يجب الحديث في محادثات التقارب في الموضوع الاقليمي واغلاقه في غضون اربعة اشهر، والاتفاق بأسره في غضون سنتين (خطتهم نشرت في حينه في هذه الصفحات). وقد سمعوا، من كل أنواع الموصين باستقامة نتنياهو (بينهم الرئيس بيرس نفسه) بأن بيبي ايضا يريد. وأنه يعرف، زعما، بأنه يجب وضع حد للاحتلال.

المشكلة هي ان نتنياهو لم يسمع بعد من نفسه هذه الامور، والامر الوحيد الذي يعرفه حقا هو ان ليس لديه فكرة كيف يمكن الخروج من هذا الان. فما الذي طلبه، بالاجمال؟ ان يعطوه بعض الهدوء، أن يدعوه يطلق، في الغرف المغلقة، الوعد "اني لا بد سأفاجىء"، وألا يفاجئوني. آه، واذا كان ممكنا، فعندها تفكيك كاديما ايضا. فليكن. ولكن في النهاية فاجأوا. بل وفاجأوه جدا.

ما أثار اوباما حقا للتحرك هي محادثات التقارب. صحيح، نشر العطاءات في القدس مع هبوط نائب الرئيس بايدن كان مهينا، ولكنه كان مجرد الشرارة التي اشعلت برميل  البارود. الموضوع كان أكثر جوهريا بكثير: بعد اشهر من جر الارجل، مع الثنائي مولكو وهرتسوغ (وبعد استقالة هرتسوغ، اصبح مولكو ودريمر) آتيان وذاهبان، يصغيان ويعدان، وصل ميتشل بنفسه الى نتنياهو (قبل وقت قصير من بايدن) كي يسمع منه بأن في محادثات التقارب لن تكون محادثات حقيقية في واقع الامر. فقط "رواق"، تمهيدا للمحادثات الحقيقية.

وفجأة، دفعة واحدة، حسم الأمر لدى الامريكيين. فقد فهموا بأن نتنياهو يريد رواقا يقوده الى اللامكان. وان كل ما يريده هو تمرير الوقت بثرثرات فارغة الى ان يأتي زمن الانتخابات في منتصف تشرين الثاني، وبعد ذلك يكون الاوان قد فات، وان الامر الوحيد الذي سيثير اهتمام اوباما سيكون اعادة انتخابه من جديد ولا يوجد اي سبب يدعوه الى ان يدخل في مشادة مع اللوبي والمال اليهودي في امريكا، في النصف الثاني، او في الثلث الاخير من ولايته الاولى.

 

ليس سياسيا محبوبا

وبالفعل، اخطأ نتنياهو. اوباما مفعم بروح قتالية. جناحاه متوتران، وفي عروقه تتدفق الادرينالين متحفزة، وهو يبدأ بالاعتقاد بأن لديه فرصة لان يكون رئيسا امريكيا عظيما. مرر التأمين الصحي؟ سيمرر ايضا اتفاقا في الشرق الاوسط. ونحن، الذين نعرف بشكل افضل قليلا منه الوضع هنا، يمكننا فقط ان نهز برأسنا وأن نشفق عليه. فهو لا يزال لا يعرف حقا ما ينتظره هنا. الاحتمال في أن يخضع المجانين والمتطرفين، من الجانبين، اصغر بكثير من احتمال أن يدفعوه نحو اليأس.

        فقط خسارة، في هذه الاثناء، على الطريق، ذاك الذي يكلفنا تغيير استراتيجي، عميق، مهم وتاريخي في التحالف الاستراتيجي بين اسرائيل والولايات المتحدة. تغيير ينبغي ان يقلقنا جميعا. تغييرا حقيقي يجب تعبيره كل يوم تقريبا، في كل مجالات الحياة تقريبا. بما في ذلك مقال منمق نشر هذا الاسبوع في "بزنيسويك" وأخذ من "بلومبرغ"، يقترح فيه سيلستين بوهلان وقف المساعدات الامنية الامريكية لاسرائيل (اكثر من 3 مليار في السنة)، "في صالح الطرفين".

        المحللون المحليون لبنيامين نتنياهو يكثرون من ايلاء ميزة السياسي المحبوب له. عميق الرؤية، الفهم الجغرافي – السياسي، الفهم العالمي – الاستراتيجي، وغيره وغيره. اما في الواقع – هباء. اذ ان كل ما يحصل له الان كان مكتوبا جدا على الحائط في القدس منذ زمن بعيد. قلة يعرفون بأن نتنياهو، وكذا (ربما أساسا) السيدة نتنياهو، لا يطيقان هيلاري كلينتون. ليس منذ اليوم.

        عندما بدأت منافستها في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي درج بيبي على القول، في محافل مغلقة انه يأمل جدا ألا تفوز هيلاري. "كله الا هيلاري". كان هناك على ما يبدو حدث ما بينها وبين الزوجين نتنياهو في الماضي، في الولاية المشتركة (ولكن غير الودية) لبيبي كرئيس وزراء في اسرائيل وبيل كلينتون كرئيس في امريكا. وبالفعل، صلوات نتنياهو استجيبت: هيلاري لم تفز. وبدلا منها فاز احد ما اسوأ بكثير. براك اوباما. في تفكير ثان، خسارة ان هيلاري لم تفز. ولكن ليست مصيبة لاسرائيل: اوباما عين هيلاري وزيرة خارجيته. وهكذا وجد نفسه نتنياهو، في ولايته، يحصل على أوباما وعلى هيلاري دفعة واحدة، اثنين ببطاقة واحدة، بين العينين.

        كان ينبغي له أن يعرف انه من الافضل ان يأتي اليهما بخطة. بمبادرة. كان ينبغي له ان يعرف وكانت لديه كل الاسباب لان يعرف، بانه اذا لم يسارع اليهما، فانهما سيأتيان اليه. ولكن قدرة التحليل الاسطورية لديه، قدرات التنبؤ الجغرافية الاستراتيجية الرائعة لديه، اوصلته الى الصدمة. فقد أحاد نفسه باناس بعضهم غير مؤهلين بما فيه الكفاية، والبعض الاخير غير مجربين بما فيه الكفاية، ولا يوجد رب بيت ولا يوجد من يرتب الامور.

        عوزي اراد، يواصل قرع الطبول حول الثنائي مولكو – ديرمر، وهذا الاسبوع كانت له قضية ايضا: نتنياهو عاد من واشنطن، في ذروة أزمة وصفها احد المقربين بانها "الاخطر في تاريخ العلاقات بين الدولتين" ولكن رون ديرمر، المستشار السياسي، بقي في امريكا وتفرغ لاجازة عائلية.

        لديرمر توجد اسباب مخففة، فعائلته تسكن كلها تقريبا هناك وما شابه، ولكن في ايام محملة بالمصير كهذه، عندما تكون انت عضوا في الثنائي الاقرب والاعلى والاحرج لادارة الازمة عليك أن تكون هنا، الى جانب رئيس الوزراء. ربما حتى تأتي لنهاية الاسبوع الذي جرت فيه مداولات السباعية الحرجة والمغادرة يوم الاحد ليلا قبيل ليل الفصح. مسؤول كبير في الليكود، تحدث هذا الاسبوع في محفل مغلق عن اوضاع نتنياهو، تأوه وقال الامور التالية: "حسنا، لو كان تنافس في 2001 لكان انتصر سيرا على الاقدام على باراك واصبح رئيس وزراء، وكان سيحصل على ولايتين كاملتين لجورج بوش. كم سعيدا كان هذا سيكون لكليهما. بدلا من ذلك، فضل اعطاء شارون ولايتي بوش، واحتفظ لنفسه باوباما. لنراه الان يتدبر أمره".

القدس منذ الازل وحتى الابد

بالنسبة للقدس: ليس نتنياهو هو من بدأ البناء هناك. الجميع انشغل في ذلك. من الاول وحتى الاخير. ثقافة الغمز والكذب، الخلاط والمناور، ولدت صناعة كاملة من التحشيد، التمويل والتنظيم. في امريكا، في اسرائيل وفي كل العالم ولا تنقص الامثلة.

حي "معاليه زيتيم" مثلا، الذي بني في قلب السكان الفلسطينيين في جبل الزيتون. المحافل التي تشارك في بنائه اظهرت لي هذا الاسبوع رسالة كتبها عضو الكونغرس الامريكي كثير النفوذ بن جيلمان في 9 ايار 1995، لرئيس الوزراء اسحق رابين.

جيلمان، رئيس لجنة الخارجية في الكونغرس، أحد الاشخاص الهامين في مجلس النواب، ببساطة يمارس على رابين ضغوطا من اجل اقامة الحي. وكتب جيلمان يقول: "يسعدني عملك المبارك في بناء راموت وغيلو. اسمع بان هناك قطعة ارض تعود لليهود في جبل الزيتون منذ اكثر من مائة سنة، وهي تنتظر اقرارك كي تصبح حيا سكنيا وفيه 132 وحدة سكن. وكونه محظور ان يكون أي جزء من القدس خارج نطاق اليهود، يسعدني أن تطلعني بقرارك في اقرب وقت ممكن".

بعد ذلك عين ايهود باراك في منصب وزير الداخلية، رابين قتل وبيرس ورث مكانه. يوجد بيد المحافل ذات الصلة اقرار من المستشار القانوني في وزارة الداخلية يؤكد بانه لا يوجد أي مانع من حث البناء للحي اليهودي فورا. وعندها حاييم رامون انضم الى الحكومة، عين في منصب وزير الداخلية وباراك اصبح وزير الخارجية. تقرر موعد للانتخابات. وها استؤنف تبادل الرسائل: عضو مجلس بلدية القدس حاييم ميلر، يكتب في 26 شباط لرئيس الوزراء بيرس ويحتج على خطة حاييم رامون عرقلة بناء الحي اليهودي.

في ذات  اليوم، رسالة من رئيس بلدية القدس، ايهود اولمرت، لرئيس الوزراء بيرس يشي برامون الذي دعا الى جلسة عاجلة للجنة اللوائية في القدس لعرقلة اقامة الحي. وكتب اولمرت لبيرس "لن يكون صحيحا عقد هذه الجلسة وسأقدر جدا اذا ما تدخلت كي تؤجلها".

اولمرت، كما يذكر، كان في حينه مع القدس الكاملة بسيادتنا الى ابد الابدين. ولا يمكن بدون رسالة من الحاخام مناحيم بورش رحمه الله، لشمعون بيرس اياه، مع ذات المناشدات، ومع جملة "سأقدر جدا، وسيقدر كل محبي مستقبلك، استجابتك لهذا الطلب".

وبالفعل، محبو مستقبل بيرس تنفسوا الصعداء. اذ في نهاية اليوم صادق بيرس على الحي. من جهة اخرى، مستقبله لم يكن مرضيا، اذ أن ذات المحافل المحبة له، صوتت بجموعها في صالح نتنياهو بعد نحو ثلاثة اشهر، وبيرس هزم وذهب الى البيت كي يعود فقط ليكون رئيس الدولة، ويفهم بان هذه المشادة على القدس، مع المتطرفين من الجانبين، توقع كارثة على المنطقة بأسرها.