خبر التجار من القدس- هآرتس

الساعة 09:31 ص|04 ابريل 2010

التجار من القدس- هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

 (المضمون: بعد 43 سنة من بداية الاحتلال، ولا يوجد شخص في البلاد، وفي العالم، يعلم حقا ماذا نريد نحن، ويعلم الى اين تصبوا وجهتنا. هكذا اصبحنا ليس فقط الدولة الوحيدة في العالم دون حدود واضحة بل وايضا دولة دون اهداف وطنية واضحة - المصدر).

هل يعرف أحد ماذا يريد بنيامين نتنياهو؟ هل فهم احد ما في أي مرة من المرات أراده أسلافه؟ الى اين يسيرون ويقودون؟ الواحد تلو الاخر سئل السياسيون الاسرائيليون على أجيالهم وكانوا يردون دوما كرجل واحد: "انت لا تتوقع ان ترد على هذا السؤال"، او : "لنبقي هذا للمفاوضات". أجوبة مشوشة، متملصة وغامضة، كليشيهات وخداعات، ريح، ومطر – وبالاساس جواب واضح – لا يوجد. لا توجد دولة كهذه، لمواطنيها، لاصدقائها ولاعدائها لا توجد فكرة الى اين هي وجهتها. حسنا بالنسبة للاعداء، ولكن أفلا نستحق نحن أن نعرف أكثر؟ على الأقل ان نعرف ما هو الهدف؟

        المدى الزمني للغموض السياسي الغريب هذا هو كمدى أيام الاحتلال. في اليوم الذي صنفت فيه المناطق بأنها "اوراق للمساومة" بدأت حفلة الاوراق الكبرى، لعبة البوكر العاصفة، التي تستمر حتى يومنا هذا. مناكفات بدلا من سياسة، اخفاء الاوراق بدلا من الشفافية، وجه البوكر بدلا من وجه الحقيقة.

        وبينما قال العرب دوما ما هو تطلعهم – واضح، محدد، جلي، غير مرة بتطرف أيضا – تلفع الاسرائيليون بالأقنعة. وبينما في كل مواجهة دولية يعرف الجميع ما هي اهداف  الاطراف، في الشرق الاوسط يعرف الجميع فقط ما يريده الفلسطينيون – حدود 1967، دولة، حل مشكلة اللاجئين، عودة – وأحد، ولكن احدا، لا يعرف على نحو صحيح ما يريده الاسرائيليون. ضم المناطق؟ ما القصة؛ اخلاؤها؟ ليس الان؛ ومتى اذن؟ ليس واضحا؟ وكم؟ غير معروف. قبل بضعة ايام، مثلا، سئل بعض الوزراء في استفتاء صحفي عن تجميد البناء في القدس ولكن احدا منهم تقريبا لم يوافق على الاجابة. ما القصة في ان يقولوا؟ يدور الحديث عن أمر لا يقل عن فضيحة. وزير غير مستعد لان يقول للجمهور ما هو موقفه يخون مهمته. رئيس وزراء – أخطر بأضعاف. اذا كان القانون في السويد يلزم بنشر كل رسالة تخرج عن وزراء الحكومة، ففي اسرائيل لا يمكن الحصول منهم حتى على رد في الأمور المبدئية.

        الذنب، كالمعتاد في مثل هذه الحالات، ملقي علينا جميعا. فعلى مدى السنين وافقنا بالصمت ان يقودونا بغموض، او على الاقل بخداع. القول بأن لا حاجة للقول أصبح مسلما به، شبه ثابت. الفهم الذي بموجبه السعي نحو السلام يساوي التجارة بالمفرق، البسطات في السوق، تجارة الجياد في ظلمة الليل، حيث محظور تحديد أهداف واضحة، اصبح سياسة. وما هو جيد ربما لأوهام عالم الدعاية، او لعالم التجارة، أصبح حجر طريق في التفكير السياسي. الغموض هو الرسالة، او ربما يدور الحديث ببساطة عن انعدام الطريق والاهداف، والذي يغطي الغموض على عاره؟

        هل رئيس وزراء اسرائيل مستعد لان ينزل من الجولان مقابل سلام مع سوريا؟ نعم او لا – الا نستحق ان نعرف؟ وأي اجزاء من الضفة الغربية مستعد هو لان يخليها، اذا كان مستعدا على الاطلاق؟ وماذا بحق الجحيم يريد وزير دفاعنا؟ أأحد يعرف؟ ولماذا اذا ما علمنا الأجوبة سيؤدي الأمر الى اضعاف الموقف كما روضونا على التفكير، وليس تعزيزه؟ الغموض هو قوة؟ الخداع هو طريق؟

        تجارهم الصغار، على عادة التجار، لا يكشفون ابدا رأيهم وللعجب، فان طريقة التجارة بالمفرق عندهم باءت بفشل ذريع. المكانة الدولية لاسرائيل توجد في درك أسفل لم يسبق له مثيل، ضمن امور اخرى بسبب غموضها وفقدان طريقها. وحتى الرئيس الامريكي، الذي يعرف كل شيء، ليس لديه فكرة عما يريده حليفه. الان على الاقل يحاول ان يطلب ذلك منه – قولوا ماذا تريدون. مشكوك أن ينال مبتغاه.

        بعد 43 سنة من بداية الاحتلال، ولا يوجد شخص في البلاد، وفي العالم، يعلم حقا ماذا نريد نحن، ويعلم الى اين تصبوا وجهتنا. هكذا اصبحنا ليس فقط الدولة الوحيدة في العالم دون حدود واضحة بل وايضا دولة دون اهداف وطنية واضحة. اليهودي شايلوك وان كان وقع في مسرحية وليام شكسبير انطونيو، التاجر من البندقية على عقد ضمان الا انه في نفس الوقت وفر للعالم احد المنولوجات الاكثر اثارة للانفعال التي كتب في أي وقت مضى: "فهل اذا ما طعنتمونا – لن ينزل دم؟ وهل اذا ما دغدغتمونا – لن نضحك؟ وهل اذا ما سممتمونا – لن نموت؟ وهل اذا ما نكلتم بنا – لن ننتقم؟ "ترجمة: ابرهام عوز". مونولوج التجار من القدس، بالقياس اليه، اكثر بؤسا بكثير: "اذا اعطيتم – فستأخذون"، او شيء ما كهذا.