خبر حال بنوك غزة: رقابة دولية ومقاطعة إسرائيلية وتدخل حماس

الساعة 04:25 ص|04 ابريل 2010

حال بنوك غزة: رقابة دولية ومقاطعة إسرائيلية وتدخل حماس

فلسطين اليوم: غزة

لم تعد البنوك العاملة في قطاع غزة تعاني من نقص في السيولة كما كان في وقت ماضٍ، بل تقول سلطة النقد وبنوك القطاع إن لديها فائضا كبيرا في عملة الشيكل الإسرائيلية، لكن هذا الفائض لا يغير شيئا في الواقع الاقتصادي المتردي في القطاع، بالإضافة إلى أن عدة مشكلات مهمة قادت الغزيين إلى استخدام قنوات أخرى في معاملاتهم التجارية غير البنوك.

 

ويتضح من حوارات أجرتها «الشرق الأوسط» مع متخصصين ومسؤولين ماليين أن علاقة البنوك بالمواطنين تعاني من أزمة ثقة، في ظل الحصار الإسرائيلي الذي أفضى إلى رقابة محكمة على الأموال ومقاطعة البنوك الإسرائيلية لبنوك القطاع، والانقسام الذي أفضى إلى صراع على تبعية البنوك لنظامين سياسيين متناحرين.

 

والأسبوع الماضي، وقع بنك فلسطين ضحية هذا الانقسام، وبينما أمرته سلطة النقد الفلسطينية بتجميد مبلغ 800 ألف دولار تابعة لجمعية أصدقاء المريض بعدما سيطرت عليها حماس، أمره القضاء في غزة بتسيلم الأموال للإدارة الجديدة للجمعية، وانتهت القصة باقتحام عناصر شرطة حماس بالقوة للبنك ومصادرة الأموال.

 

وقال جهاد الوزير محافظ سلطة النقد لـ«الشرق الأوسط»: «إن أخطر مشكلة يمكن أن تواجه عمل البنوك الآن هي تكرار تدخل حكومة حماس في عملها»، وأضاف: «تدخل حكومة حماس بهذه الطريقة يهدد كل النظام المصرفي في فلسطين».

 

وتابع: «الذي جرى مع بنك فلسطين تطور خطير جدا. قد يستغل هذا في توجيه اتهام لبنوكنا بأنها تتعامل مع منظمات توصف بأنها إرهابية، معنى ذلك أننا سنخسر كل شيء حتى في الضفة الغربية».

 

ومضى الوزير يقول: «سأعطيك مثلا، لدينا بنك يواجه دعاوى في نيويورك بمبلغ ملياري دولار، هذا معرض لخسارة القضية إذا ما اتخذ تدخل حماس كدليل على علاقة الحركة بالبنوك».

 

واستطاعت سلطة النقد الفلسطينية التي يقودها الوزير حماية النظام المصرفي الفلسطيني من الانهيار بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، بموافقتها على العمل بنظام غسل الأموال.

 

وأوضح الوزير: «لدينا الآن 95 بنكا أجنبيا وعربيا مراسلا تعمل على تحويل الأموال لغزة، كنا سنفقد كل ذلك لو لم نوافق على قانون محاربة غسل الأموال، ويمكن أن نفقد ذلك الآن إذا استمر التدخل السياسي في عمل البنوك».

 

لكن ليست هذه المشكلة الوحيدة التي تواجه عمل البنوك في غزة، بل يشكو المواطن من توقف البنوك عن منح قروض ومساهمتها في الاستثمار، كما يشكو التجار من عدم تمكن البنوك من تحويل أموالهم إلى إسرائيل، بسبب مقاطعة البنوك الإسرائيلية لبنوك القطاع.

 

وقال الخبير الاقتصادي عمر شعبان، لـ«الشرق الأوسط»: «البنوك هنا ليس لديها الفرصة لإجراء تحويلات مباشرة، وهي غير مخولة بتحويل الأموال إلى الخارج»، وأضاف: «علاقاتها مقطوعة بإسرائيل وتدقق في كل دولار من أين جاء وإلى من ويطلبون وثائق قانونية».

 

ويرى شعبان أن عمليات البنوك بسبب هذه الإجراءات تقزمت إلى حد كبير، ولم تعدُ كونها مصارف لدفع الرواتب، وأوضح: «بسبب ضعف النظام المصرفي لدينا، يتم الآن استخدام النقل المباشر للمال، أي باليد. التجار الآن ينقلون مئات آلاف الشواكل بالشنط، وأنا أعرف أن غزة كل يوم تدفع باليد مليوني شيكل لإسرائيل، هذا لا يتم عن طريق البنوك، بل بالشنط».

 

ورغم حالة الحصار التي تعانيها البنوك، فإن شعبان هاجمها، وقال: «إنها استفادت من الفلسطينيين، ولم تعط ما عليها من واجب، المشكلة ليست أنها لم تعد تستثمر الآن بل إنها كانت تستثمر في أحسن حالتها ما قيمته 19 في المائة من الودائع، رغم أنها يجب أن تستثمر بما لا يقل عن 60 في المائة». ويرى شعبان أن سلطة النقد ضعيفة إذ إن علاقتها بالبنوك هي علاقة محاباة وليست علاقة إشراف.

 

ولم ينفِ الوزير أن عمل البنوك تراجع تماما، وأقر بأن هناك نقل أمول يجري فعلا بالشنط وعن طريق الأنفاق، وقال إن القطاع غير الرسمي تفوق على القطاع الرسمي.

 

لكن الوزير أكد أن سلطته عملت على تجاوز بعض المشكلات من خلال فتح حسابات لتجار غزة في الضفة الغربية من أجل تحويل أموال إلى إسرائيل.

 

ولكن حتى هذا شابته مشكلات، وقال الوزير: «بعض البنوك الإسرائيلية قررت مقاطعة بنكين في الضفة، بحجة أن رأس المال المحول يعود لشخص هويته من غزة، اعتبروا ذلك غسل أموال».

 

ويتكون القطاع المصرفي الفلسطيني من 20 مصرفا تعمل منها 12 في غزة، هي: البنك العربي، والبنك الإسلامي العربي، والبنك الإسلامي الفلسطيني، والبنك التجاري الفلسطيني، والبنك العقاري المصري العربي، وبنك الأردن، وبنك الاستثمار الفلسطيني، وبنك الإسكان للتجارة والتمويل، وبنك القاهرة عمان، وبنك القدس، وبنك فلسطين الدولي، وبنك فلسطين.

 

والعام الماضي افتتحت حماس بنكا خاصا بها، في محاولة لتجاوز الرقابة الصارمة التي تفرضها البنوك على حسابات الحركة، لكن شعبان قال: «هذا ليس بنكا، ولا يملك الحق في إجراء أي تحويلات وغير معترف به من سلطة النقد، إنه صراف كبير فقط».

 

وفعلا أصدرت سلطة النقد بيانا في حينه قالت فيه إن «ما يسمى (البنك الوطني الإسلامي) الذي تم الإعلان عنه في غزة لم يتقدم بطلب لمنحه ترخيصا لممارسة العمل المصرفي في فلسطين وفقا لقانون المصارف. وبناء عليه، فإن سلطة النقد تعلن للجمهور عدم قانونية ما يسمى (البنك الوطني الإسلامي) وعدم قانونية الدعوة للاكتتاب فيه، وتحذر الجمهور الكريم من الاكتتاب في أسهمه والتعامل معه، وتهيب بالمواطنين التعامل فقط مع المصارف المرخصة من سلطة النقد».

 

ويعمل البنك الذي رخصته حماس، بشكل ذاتي، ويعتمد على أموال القطاع فقط. وقال مديره علاء الرفاتي: «نحن بنك وطني، وأولى بمدخراتنا، والتحويلات ليست كل شيء». وتستخدم حكومة حماس البنك في أي معاملات داخلية.

 

ودافع مأمون أبو شهلا، عضو مجلس إدارة بنك فلسطين، عن طريقة عمل البنوك في القطاع قائلا: «رغم أن لدينا سيولة فائضة، فإنه لا يأتيك أحد اليوم يريد قرضا، واعتمادنا في الحقيقة على القروض والكفالات، هذه مصادرنا الحقيقية».

 

إلا أن أبو شهلا قال إن البنوك تبحث الآن عن رجال أعمال جادين كي تمنحهم قروضا، وهي غير مستعدة لمنح قروض لأسباب أخرى. وأوضح «لا نقرض لأنه لا يوجد مشاريع لا يأتينا رجال أعمال جادون.. أنا أريد أن أوظف مالي في مشاريع كبيرة وليس في قروض للسيارات والطلبة هذا يقلقني في مثل هذه الحالة». ووصف أبو شهلا الاقتصاد في غزة بأنه في حالة موت سريري.

 

ويشكو أبو شهلا من «أن المواطن الغزي استخدم كل مدخراته في السنوات الأخيرة، بل ونقلها إلى الخارج لتشغيلها في بورصات عربية وغير عربية».

 

وبلغ حجم الودائع في فلسطين هذا الشهر 6 مليارات دولار، أما مشاركة غزة فإنها قلت فعلا إلى ما دون 30 في المائة بعدما كانت تزيد عن 50 في المائة.

 

أما فيما يخص الحوالات، فقال أبو شهلا إنها تنفذ في دقائق إذا كانت معروفة المصدر. وأضاف: «مشكلتنا مع رجال الأعمال الجدد، رجال أعمال الأنفاق، أصبح لدينا 500 رجل أعمال أنفاق، إذا جاء احدهم فإن حوالته ستخضع للتحقق والمراقبة دون شك، ولهذا فإنهم أصلا لا يأتوننا».

 

وتتعامل البنوك في غزة بثلاث عملات أساسية، وهي: «الشيكل، والدولار، والدينار الأردني»، والشيكل هو المتوفر بكثرة، وقال الوزير إن محاولات تجري مع جهات دولية من أجل السماح بإدخال الدولار والدينار.