خبر سياسات تكبل القمة وتنحر الأمة..علي عقلة عرسان

الساعة 07:08 م|03 ابريل 2010

سياسات تكبل القمة وتنحر الأمة..علي عقلة عرسان

 

انعقدت قمة " دعم صمود القدس" في سرت، وأصدرت إعلاناً فضفاضاً يلامس مواطن الرضا من أنظمة الأقطار العربية المختلفة ويراعي حساسية المواقف على حساب حساسية القضايا، ويؤكد على توجهات عربية سابقة، ويدخل في العموميات عندما يتعلق الأمر بوقائع وتحديات وقضايا جوهرية مطرحة على العرب ميدانياً، لا سيما القدس والاستيطان الصهيوني والنزاعات الفلسطينية ـ الفلسطينية التي أثرت وتؤثر على الوضع الفلسطيني كله وعلى مواضيع حساسة جداً منها ما يجري من تهويد للقدس وحصار لغزة وتصفية للمقاومة ممارسة وفكرة، وتوسع يهودي على حساب كل ما تبقى للفلسطيني ليفاوض عليه أو ليحلم به.

والعموميات التي تضمنها إعلان سرت مقلقة لجهة أنها ترسخ نهجاً عربياً في التعامل مع القضايا الساخنة، وتعطي ظهرها للواقع، وتصطنع الذرائع إذا لم تجدها مطروحة، فتتملص من الضرورة والواجب هاربة إلى الأمام أو الخلف لا فرق، بصياغات فضفاضة، إرجائية، غائمة لا تقدم ولا تؤخر، وتدخل في تاريخ ما اعتدنا عليه من عمل عربي " مشترك!؟" يتآكل ويتواكل ويؤجل كل موقف لأنه لا يريد أن يتخذ أي موقف من شأنه أن يرتب التزامات من أي نوع قد تفضي إلى خلافات فقصور فعجز، أو تفضح مزيداً من مجالات القصور والعجز الرسميين.

وإذا جاز لنا أن نصف الإعلان بجمل فإن الملائم من ذلك القول بأنه " إعلان المجاملات ورفع العتب وتأجيل الحسم ومنع الغضب".. وإذا كان ذلك يساعد على ترطيب الأجواء الساخنة بين الأقطار والأنظمة منذ سنوات وسنوات فإنه لا يساعد على مواجهة قضاياي حساسة ومصيرية مثل قضية القدس على الأقل. فقضايا قديمة كانت قد سببت خلافات عربية " وزعَل" بعض الرؤساء والقادة مثل " اتحاد الدول العربية" و"الاتحاد العربي"  و" تعديل ميثاق الجامعة".. إلخ أشير إليها وأدرجت في برامج المستقبل على الرغم من أنها من الماضي وبعضها كان مطروحاً على مؤسسة القمة منذ أكثر من عشر سنوات.

إن استعراضاً سريعاً للفقرات التي تضمنها الإعلان يقودنا في دروب الذاكرة إلى القديم والمكرر والمؤجل، ويدور بنا مع دولاب الزمن لنجد أن القمم تعيد ما لغت فيه القمم من توصيات وتوجهاتها وقضايا وملفات، مع تراجع ملموس في العزم والتضامن يمضي ببطء ولكن من دون توقف.  

إن مقاربة موضوع القدس والأقصى المهدد بالتدمير، أو الحصار القتال المفروض على غزة منذ سنوات أي قبل العدوان الصهيوني وبعده، أو المبادرة العربية العتيدة" قرار قمة بيروت 2002 التي قيل إنها للن " تبقى طويلاً على الطاولة" تشير إلى موقف عربي باهت، بل متخاذل.. بانتظار أن يتبين للقادة العرب من يحكم في ملف ما يسمى الشرق الأوسط في الإدارة الأميركية هل هو إيباك الأصلي أم إيباك المنشق عن الأصل، وكل منهما إسرائيل سواء أكانت نتنياهو وفريقه، أم تسيبني ليفني وباراك وأي فريق يهودي ـ صهيوني آخر، ففي هذه القضية يبدو أنهم لم يتيقنوا بعد من أن هذا الملف بيد الحركة لصهيوني  بقناع أميركي منذ عقود وعقود من الزمن، وأن أوباما المختلف لا يستطيع أن يختلف كثيراً عن أي رئيس خدم إسرائيل سواء أرضي بذلك أم غضب تحت اللحاف وهو في غرفة نومه. وربما لم يشر إلى هذا الأمر ولم يناقش وقررت قمة استثنائية ليقف العرب على ما ستسفر عنه " خلافات" أوباما ـ نتنياهو؟!

 وقد جاء في إعلان سرت فيما يخص قضية حملت القمة اسمها " صمود القدس" فقرات لا أظن أن كلمة هزيلة تكفي لوصفها فضلاً عن أن الكلام القوي في قمم سابقة كثيرة كان لا يسفر عن عمل منقذ من أي نوع، وأنا هنا لا أشير إلى نصف مليار دولار لدعم القدس وصمودها وصندوق الأقصى وما شابه.. فالمال يعلن عنه وقنوات وصوله تمتلئ بالوحل. جاء في الإعلان بشأن القدس: "..إذ نجتمع في «قمة دعم صمود القدس» لمجابهة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية لمدينة القدس ولمقدساتنا الإسلامية والمسيحية ولحقوق أهلنا الصامدين فيها أمام محاولات تهويدها.." نعلن عن خطة عمل تتضمن إجراءات سياسية وقانونية للتصدي لمحاولات تهويد القدس والاعتداءات المتواصلة على مقدساتهاـ التأكيد على أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأن جميع الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي فيها باطلة ومنعدمة قانونياً وحكماً لا يترتب عليها إحداث أي تغيير على وضع المدينة القانوني كمدينة محتلة، ولا على وضعها السياسي باعتبارها عاصمة لدولة فلسطين.. الإعراب عن الدعم الكامل لمدينة القدس وأهلها الصامدين والمرابطين على أرضهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل عليهم وعلى مقدساتهم، وخاصة على المسجد الأقصى المبارك.". أي فتح مبين يتضمنه هذا الكلام الذي نكرره منذ احتلال القدس عام 1967 وقد بلغ التهويد والاستيطان حداً مذهلاً؟ وهل هناك جدية في متابعة أي قرار عربي أو دولي يتعلق بهذا الموضوع في حين أن القرارات الدولية التي صدرت، ومنها قرار محكمة دولية بشأن جدار الفصل العنصري وإزالته.. لم يلاحقها العرب وشاركوا في إماتتها بما يشبه التواطؤ مع الكيان الصهيوني؟

لن يوقف الاستيطان في القدس وتهويدها وتهديد الأقصى ومحاولات هدمه قامة ما يسمى " الهيكل الثالث" على أنقاضه إلا التدخل بقوة تردع وتنع وتحرر وتجبر العدو على احترام إرادة الأمة.. ومدخل هذا مقاومة بالمعنى الدقيق والشامل للكلمة.. ولكن القمم العربي تتراجع ن دعم المقاومة أو تخجل من ذكر دعمها، ويهرول الكثير منها نحو اتهامها ومحاصرتها ومقاومتها تحت مسمى " محاربة الإرهاب" في منحى يخلط بين الإرهاب المدان والمقاومة المشروعة. لقد قررت قمة سرت: " عقد مؤتمر دولي تحت رعاية جامعة الدول العربية بمشاركة جميع الدول العربية والمؤسسات والنقابات وهيئات المجتمع المدني المعنية خلال هذه العام لحماية القدس على كافة الأصعدة." أي قرارات إلهاء العرب بالكلام، وصرف أموال على لقاءات الأجدى منها دعم صمود أهلنا في القدس ودعم المقاومة والتلويح بها لتكون خيار الأمة ومدخلها إلى الردع المجدي.

جاءتنا القمة باقتراح لتطوير علاقات دولها "مع دول الجوار الإقليمي بما يحقق المصالح العربية المشتركة."، فهل استثنت "الجوار الإسرائيلي" الذي يتبادل المصالح مع أنظمة عربية معترفة به أو تتعامل معه من تحت الطاولة؟ وإذا فسر عرب أو طالبوا باستثنائه من ذلك ألن تحتج تلك الدول لأنها تعترف به وتتعامل معه، وتنسق سياسياً وأمنياً بما في ذلك تنسيق السلطة الأمني مع قوة الاحتلال؟ ، وتحتج بأن ذلك سوف يضرر بمصالحها، وأن من حقها أن تصون تلك المصالح وهو أمر يدخل في باب ممارسة السيادة؟! حتى موضوع رابطة دول الجوار العربي التي قدمها الأمين العام وأحيلت إلى الدراسة " طلبنا من الأمين العام إعداد ورقة عمل حول المبادئ المقترحة لسياسة جوار عربية، والآلية المناسبة في هذا الشأن تضمن تطوير الروابط والتنسيق في إطار رابطة جوار عربية"، على أن يتم عرضها على الدورة العادية المقبلة لمجلس الجامعة الوزاري في أيلول تمهيداً لعرضها على القمة الاستثنائية العربية التي اتفق على عقدها في موعد غايته تشرين الأول." ملغمة بأكثر من لغم شديد الانفجار، سوف تعرض العلاقات العربي ـ العربية البائسة إلى مزيد من الخلاف حول هذا الأمر، حيث سنجد من يرفض إيران باسم إسرائيل والمفاعل النووي والتاريخ الصفوي، ومن يرفض تركيا باسم التاريخ العثماني، ومن " يريد إسرائيل أسوة بأية دولة جوار عربي أخرى، فهو يعترف بها.. سوف يتوقف المشروع الذي تدخل فيه شبهة عدم النص على موقع " الكيان الصهيوني منه" لأن دولاً عربية تعتبر إسرائيل دولة جوار عربي معترف بها ولها معها علاقات أكثر من اقتصادية ؟!

إن هذه المآزق، ستدخل العمل الرسمي العربي في متاهات، نخرج من بعضها لندخل في بعض آخر منها، ويستمر الحبل على الجرار.. العدو يستوطن ويحتل وينفذ خططه ويقوى ويهدد، ونحن نردد شعاراتنا ونلوك أقوالنا، ونقنن خلافاتنا ونسعى إلى ترسيخها بحسن إدارتها؟!.

القمة العربية في هذا الظرف، وهذا المحتوى، وهذا البيان ـ الإعلان أضافت إلى همومنا هموماً، وإلى مثبطات العزم مزيداً من التثبيط.. ولكن يبقى الموقف الشعبي المعترض على هذا المستوى من المعالجات والتوجهات والمواقف والسياسات هو الأمل وهو البديل الذي نحتاج إليه.. إلى أن يدرك أهل القمم العربية أن الناس يريدونهم معهم ولا يريدونهم في أبراج معزولة أو في أطر سياسات وولاءات لقوى معادية واستعمارية، تكبل القمة لكي تنحر الأمة.