خبر غزة: « مصنع دلول » .. جبنة بطعم البارود ومخلفات الصواريخ

الساعة 05:39 ص|03 ابريل 2010

فلسطين اليوم-الأيام المحلية

امتزجت الجبنة البلدية الصنع بالغازات التي تخلفها القذائف والصواريخ الإسرائيلية وتعكر لونها الأبيض بسواد الغازات وبقايا الركام، واستبدلت رائحتها الشهية برائحة الرصاص والمواد الكيميائية التي خلفها الصاروخ الذي استهدف مصنع "دلول" للأجبان ومشتقات الألبان.

"أكثر من خمسة أطنان من الجبنة البلدية، وكافة الأجهزة والمعدات الخاصة بصناعة الأجبان، بما فيها جهاز البسترة والتجنيس والفرازة والمكابس والثلاجات، دمرت للمرة الثانية على التوالي"، قال معتصم دلول أحد مالكي المصنع.

وأوضح دلول الذي راح يتفقد ما تبقى من ركام مصنعه إن المصنع القائم في شرق منطقة الصبرة بغزة قصفته طائرات الاحتلال للمرة الثانية على التوالي، مشيراً إلى أن المصنع تم قصفه ثالث أيام الحرب مباشرة ودمرت كل معداته.

وكانت طائرات الاحتلال شنت، فجر أمس، سلسلة غارات جوية بصورة متزامنة على أهداف عديدة في مناطق متفرقة بقطاع غزة موقعة عددا من الإصابات في صفوف المدنيين.

وأشار دلول خلال حديثه إلى بقايا الجبنة البيضاء المتناثرة فوق الركام والدمار وعبر عن استغرابه من إصرار قوات الاحتلال على قصف المصنع للمرة الثانية على التوالي، رغم أنه معروف ومفتوح ولا يشكل أي شبهة أو خطورة، لافتاً إلى أن قوات الاحتلال تتعمد ضرب الاقتصاد الوطني من خلال قصف المنشآت من أجل إنهاك الإمكانات والحياة الفلسطينية الاقتصادية.

وكانت قوات الاحتلال كررت، أمس، قصفها لمنشآت ومناطق سبق أن قصفتها عدة مرات، منها إضافة إلى مصنع دلول للأجبان ورشة النمروطي وسط القطاع ومتنزه أصداء جنوب القطاع بحجة إطلاق صورايخ من القطاع على المدن الإسرائيلية.

وأوضح أبو أنس دلول شقيق معتصم وشريكه في المصنع أن طائرات "اف 16" المتطورة أطلقت صاروخا واحدا باتجاه المصنع، ملحقة أضراراً كبيرة بالبيوت والمركبات والمباني المجاورة، مشيراً إلى أن بيته المجاور للمصنع بات بلا نوافذ وتطاير كل ما فيه وانقلب رأسا على عقب جراء الانفجار.

ورغم ان مصنع دلول قصف خلال الحرب على غزة نهاية العام 2008، إلا ان العائلة لم تتوقع قصفه ثانية رغم اجواء الاستنفار التي خيمت على مدن القطاع ليلة امس، ويشير ابو انس الى أن أسرته نجت بأعجوبة من تطاير بقايا الصاروخ وبقايا المصنع وركامه.

وقال إنه اعتاد أخذ قسط من الراحة في غرفة في زاوية المصنع خلال عمله ليلاً، لافتاً إلى أنه ترك المكان لتفقد أسرته وأطفاله خلال تحليق الطائرات الإسرائيلية، ما أنجاه من موت محقق.

ويعمل في مصنع دلول للأجبان ما يزيد على عشرة عمال من غير المالكين وأبنائهم، تعطلوا جميعهم للمرة الثانية عن العمل منضمين إلى جيوش البطالة المتكدسة في القطاع.

وتعود ملكية عدد من المركبات التي دمرها القصف الإسرائيلي إلى أصحاب المصنع وعدد آخر لجيران المنطقة، وأصيب خلال القصف عدد من الأطفال المجاورة بيوتهم للمصنع.

واكتفى صاحب إحدى المركبات المدمرة بالقول: إنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، رافضاً التصريح لوسائل الإعلام، وقال: لم تشفع لنا الحرب ولا سنوات الحصار ولا عقود الاحتلال ولم يساندنا الإعلام ولا العالم.

ووصف د. معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارئ في مستشفيات القطاع إصابة الأطفال ملك مسعد العرابيد عام ونصف وشقيقها سعد العرابيد 4 أعوام وعبد الرحمن صرصور 11 عاما بالطفيفة، لافتاً إلى أنهم عادوا لبيوتهم بعد تلقي العلاج في المستشفى.

وأوضح الطفل صرصور أنه كان في زيارة برفقة أمه لأسرتها عندما وقع القصف، منوهاً إلى أنه لا يذكر من الحدث سوى الخوف وصوت القصف والصراخ الذي تزامن معه.

وقال: كنت أقضي إجازة نهاية الأسبوع مع أخوتي في بيت جدي ولم أكن أعلم أن القصف الإسرائيلي سيلاحقنا، مشيراً إلى أنه لا يزال يستذكر تفاصيل الحرب المؤلمة التي لم تشف أوجاعه منها بعد.

المحاصرون في قطاع غزة ينظرون إلي بقايا الدمار والقصف بصمت ودهشة ولا يمتلكون من القول إلا "حمداً لله على سلامتكم، المال معوض".

دلول يقول إن تكرار القصف لمصنعه يعني أن الاحتلال أفلس وينفذ فقط أجندة عسكرية وسياسية وغير معني بالمدنيين، منوهاً إلى أن الصورايخ التي يدعي الاحتلال أنها سقطت في أماكن خالية في النقب وغيرها يتم الرد عليها بقصف المصانع والمناطق المأهولة بالسكان.

وبين الحصار والقصف والاحتلال والحالة النفسية السيئة في غزة تبقى معنويات المواطنين مرتفعة ويعيد كل منهم بناء مصنعه وبيته بقوة وعزيمة تعكس غرابة شديدة وقوة إرادة غير معهودة.