بقلم: ياسر الزعاترة
هناك من الأنظمة العربية من دأب على التساؤل عما إذا كان عليه أن يكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين ، وبالطبع في سياق تبريره الانحياز لخط التسوية والمفاوضات والابتعاد عن خيار المقاومة.
نتذكر ذلك بمناسبة الجدل الذي دار خلال قمة "سرت" بين الرئيس السوري ونظيره الفلسطيني ، وذلك حين رد الثاني على الأول رافضا فكرة المقاومة المسلحة وداعما لفكرة المقاومة السلمية ، مع أن واقع الحال هو أن الكلمة كان يمكن أن تمر من دون مشكلة ، لأن الأصل في القمم هو البيان الختامي وليس الكلمات التي قد يجنح بعضها نحو التشدد ، سواء تم ذلك عن وعي وقناعة ، أم مجرد مغازلة للجماهير وتهربا من مسؤولية التردي العام.
لم يقل لنا الرئيس الفلسطيني شيئا عن ماهية المقاومة السلمية التي يتحدث عنها ، وهل هي مقاومة رمزية كتلك التي نتابعها أسبوعيا في نعلين وبلعين ، أم أنها رفض شامل للاحتلال وتحد له بكل وسيلة ممكنة عدا السلاح. وإذا صح ذلك ، فلماذا عملت السلطة كل جهدها من أجل لجم الاحتجاجات الشعبية في محطات كثيرة ، من بينها العدوان على قطاع غزة ، وكذلك العدوان المستمر على القدس والمقدسات؟،.
لا ندري كيف يمكن الادعاء بتبني المقاومة السلمية ، بينما التنسيق الأمني مع المحتلين يسير دون توقف ، وبينما الجنرال دايتون يسرح ويمرح في طول الضفة الغربية وعرضها ، فيما خيرة رجالات الشعب الفلسطيني يقبعون في سجون السلطة ، ويُلاحق الآخرون دون هوادة ، فيما تعسكر الجامعات ويُمنع الطلبة من التعبير عن آرائهم؟،.
من الصعب الادعاء بمسؤولية القيادة الفلسطينية عن التراجع العربي المزري الذي نتابعه منذ سبع سنوات ، لا سيما أن هذا التراجع هو الذي سمح لتلك القيادة بوراثة فتح ومنظمة التحرير رغم أنها لم تكن ذات شعبية تذكر بين قواعد الحركة ، فضلا عن حقيقة أنها هي ذاتها من حاول الانقلاب على "الزعيم الرمز" ويسّر للإسرائيليين التخلص منه.
نعم ، لولا التراجع العربي وعلى رأسه الشقيقة الكبرى لما كان بالإمكان تمرير قتل ياسر عرفات بتلك السهولة ، ومن ثم تمرير القيادة لخصومه الذين يحظون بمباركة أمريكية إسرائيلية ، ما يعني أننا إزاء معادلة متداخلة إلى حد كبير.
لكن ذلك لا ينفي أن جزءًا لا بأس به من التراجع العربي الرسمي ما زال يستند إلى التراجع الرسمي الفلسطيني ، ولو غيرت القيادة الفلسطينية نهجها وانحازت مثلا إلى معسكر المقاومة والممانعة لاختلف الأمر. ولعل ذلك هو ما يفسر رد الرئيس الفلسطيني على الرئيس السوري ، وعدم ترك الآخرين يردون عليه.
والحق أن الشعب الفلسطيني لا يطلب من هذه الأنظمة إعلان الحرب على الكيان الصهيوني ، فهي أعجز من أن تفعل ذلك في هذه المرحلة ، ولكن رفض الحرب لا يعني الاستسلام لرغبات الإسرائيليين ، وعدم الرد على ممارساتهم القذرة.
كيف يمكن مثلا تبرير الحديث المستمر عن السلام كخيار إستراتيجي ، بينما يدير الطرف الآخر ظهره للخيار المذكور ، ويمعن في الأراضي المحتلة استيطانا وتهويدا ، بينما يتبجح بطرح حلول لا يمكن أن يقبل بها أي أحد ، ومع ذلك لا يجرؤ النظام العربي الرسمي على اتخاذ خطوة رمزية تتمثل في سحب المبادرة العربية من التداول؟،.
المعضلة الأساسية إذن هي في القيادة الفلسطينية ، من دون تبرئة النظام العربي الرسمي ، ولو تجرأت تلك القيادة على مقاومة العدو وتحديه ، لما كان بوسع الأنظمة أن تتقاعس في الدعم ، لا سيما أن الشارع العربي لم يعد غائبا عن المشهد في ظل ثورة وسائل الاتصال. ونتذكر هنا انتفاضة الأقصى حين فاجأ ياسر عرفات النظام العربي الرسمي بتبنيه لها ، فما كان من الأخير إلا دعمها ، وإن على نحو محدود.
نكرر، مصيبة الفلسطينيين في قيادتهم التي حددت مسارها الرافض للمقاومة ، وقبلت بما يقدمه الاحتلال من فتات، حتى لو ظلت تقول إنها تطلب المزيد ، ومن دون تغيير هذه المعادلة لن يتحرك الوضع الفلسطيني إلى الأمام ، ومن يطالبون بمصالحة مع هذا النهج إنما يدفعون في اتجاه استسلام فلسطيني عام، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا.