خبر أمريكا و« إسرائيل »: هل هناك أزمة؟ ..د. ناجي صادق شراب

الساعة 11:50 ص|30 مارس 2010

أمريكا و"إسرائيل": هل هناك أزمة؟  ..د. ناجي صادق شراب

تذهب المواقف والتحليلات العربية والفلسطينية وخصوصاً على المستوى الرسمي إلى أن العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" قد تدخل مرحلة من التأزم، لدرجة أن هناك من يطالب أمريكا بالتخلي عن "إسرائيل"، وهذه النظرة قاصرة، وبعيدة عن الفهم الحقيقي لمرتكزات ومحددات العلاقات بينهما، فنحن لسنا أمام نموذج عادي في العلاقات بين الدول، فالعلاقات بين أمريكا و"إسرائيل" تتجاوز أسس ومحددات العلاقات العادية، ف"إسرائيل" تعتبر أحد مكونات السياسة الداخلية، وهي متجذرة في النسيج الاجتماعي والقيمي والديني للولايات المتحدة، وهذا قد يفسر لنا دور جماعة اللوبي اليهودي، والذي يقف من ورائه أكثر من ستين مليون مسيحي صهيوني يؤمنون بأن عودة المسيح مرتبطة بتجمع اليهود في فلسطين.

 

ومع ذلك فلا يجوز التسليم الكامل بوجهة النظر هذه، فتبقى الولايات المتحدة دولة عظمى لها مصالحها الاستراتيجية العليا التي قد لا تلتقي كلية مع المصلحة "الإسرائيلية"، وهذا ما أكده أحد التقارير الأمريكية الذي أشار إلى بدايات للاختلاف بين المصلحتين في عدد من القضايا، وقد تكون قضية السلام وبناء المستوطنات "الإسرائيلية" في الأراضي الفلسطينية والقرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة نتنياهو ببناء 1600 وحدة في قلب القدس الشرقية، وبناء الكنيس اليهودي كمقدمة لبناء الهيكل المزعوم، تفسر أبعاد الأزمة في الموقفين الأمريكي و"الإسرائيلي". وهذا الموقف "الإسرائيلي" سيؤثر في تعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر، وقد يعرض القوات الأمريكية المتواجدة في عدد من الدول العربية والإسلامية لمزيد من الهجمات، وإذا ما استمرت الأمور في التصعيد فقد تتحول إلى انتفاضة واسعة وشاملة تشهدها العواصم العربية والإسلامية ضد السياسة الأمريكية ومصداقيتها المفقودة في المنطقة أصلاً، ومن شأنها أيضا أن تعرض مصداقية الإدارة الأمريكية للتراجع.

 

وقد يكون هناك جانب آخر لهذا التوتر والخلاف في المواقف ووجهات النظر، إن ما قامت به "إسرائيل" وخلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن والذي أكد في تصريحاته التزام أمريكا بأمن وبقاء "إسرائيل"، وهو الأمر الذي قد تسبب في شكل من أشكال الإهانة السياسية، ما يلحق الضرر بشخصية الرئيس الأمريكي نفسه وهيبته ومصداقيته، ويضعه في موقف محرج سياسياً في أعين الكثيرين، وهذا الجانب لا يمكن إغفاله في تحليل أزمة العلاقة بينهما، وهذا قد يفسر لنا حجم الغضب الأمريكي. فالولايات المتحدة لا تختلف كثيراً مع وجهة النظر "الإسرائيلية" في عملية البناء الاستيطاني، وسبق أن صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية بأن قرار "إسرائيل" بالوقف الجزئي للاستيطان يعتبر أمراً كافياً، فالأمريكان لا يعارضون هذا البناء الذي تقوم بها "إسرائيل"، ولذلك هم لا يرون ضرراً في أن يقدم الفلسطينيون تنازلات صغيرة من وجهة نظرهم بشأن ما تقوم به "إسرائيل" في سبيل استئناف المفاوضات، والتي بذلت الولايات المتحدة ضغطاً وجهداً كبيرين على الجانبين العربي والفلسطيني، فيما يقوم نتنياهو بنسف هذه الجهود، ويضع السياسة الأمريكية ومصداقيتها في المنطقة على المحك، ويعرضها للانهيار والتدهور.

 

ولا ننسى أولويات السياسة الأمريكية تجاه إيران والعراق وأفغانستان وكلها دول عربية وإسلامية، ومن شأن هذه السياسة "الإسرائيلية" الاستيطانية وخصوصاً في القدس والتي تعتبر قبلة جميع المسلمين، وتمثل لهم إحدى أهم المدن المقدسة، ومن ثم ما تقوم به "إسرائيل" يعتبر مساساً بهويتهم وانتمائهم الديني الذي لا يقبل المساس، وكل هذا من شأنه أن يزيد من حالة التشدد والتطرف والعدائية ضد كل ما هو أمريكي.

 

ولا شك في أن هذه الأزمة وإن لم تصل بعد إلى مستوى الأزمة في العلاقات بين الطرفين، لكنها قد تتحول إلى أزمة حقيقية، وكما جاء في تعبير السفير "الإسرائيلي" في واشنطن فإن العلاقات بين الطرفين لم تشهد هذا التوتر والخلاف منذ أكثر من 35 عاماً. وتدرك "إسرائيل" خطورة الموقف، وتدرك أن الحفاظ على العلاقات الأمريكية يعتبر أحد مكونات الأمن القومي "الإسرائيلي"، لكن يبدو أن ما حدث هو شكل من أشكال افتعال الأزمة المقصودة من نتنياهو، وهدفه اختبار موقف الإدارة الأمريكية، ومعرفة إلى أي مدى يمكن أن تذهب في هذه الأزمة. ومن ناحية أخرى قد تكون شكلاً من استباق المواقف لإدراك نتنياهو أن أحد خيارات الإدارة الأمريكية قد يكون الإطاحة بحكومته، وعليه فإن هذه الأزمة تشكل أحد التحديات، ورسالة منه للإدارة الأمريكية حتى تبتعد عن هذا الخيار.

 

من السابق لأوانه وصف هذه الأزمة بأنها أزمة علاقات بين الطرفين، لأن "إسرائيل" لن تذهب بعيداً في هذه الأزمة وقد تقدم للإدارة الأمريكية بعض التنازلات ربما يحفظ لها ماء وجهها، وقد توقف ولو مؤقتاً إجراءاتها في القدس وخصوصاً بناء ال 1600 وحدة في الوقت الحاضر، وبالتالي تحقق "إسرائيل" من وراء افتعال هذه الأزمة، بأن تضع العرب والفلسطينيين في موقف الاختبار الصعب، أو الموقف الصعب في العودة للمفاوضات، وبالتالي تصل "إسرائيل" إلى ما تريد.

 

إن إحداث التغيير في نموذج العلاقات ليس بالسهل، لا يمكن أن يتم والعرب والفلسطينيون يقفون موقف المنتظر، فالسياسة لا تعرف إلا لغة القوة بلغة أصحاب نظرية الواقعية التي ما زالت تهيمن وتسيطر على الفكر السياسي في الولايات المتحدة و"إسرائيل" والاستفادة من هذه الأزمة لا يحتاج إلى السياسات المتهورة، والتصريحات العنيفة.

 

المسألة تحتاج إلى الاستفادة من الخبرة السابقة، ومن فهم حقيقي للعلاقات الأمريكية و"الإسرائيلية" ومن عقلانية وتفهم ومعرفة لتوظيف المصالح الأمريكية في المنطقة بما يخدم قضية القدس، والابتعاد عن الوقوع في دائرة العنف التي يدفع إليها الجميع. وتغيير المفهوم عن العرب بأنهم لا يضرون صديقاً ولا ينفعون عدواً. وطالما العرب والفلسطينيون على حالهم من الفرقة والانقسام، وخصوصاً أصحاب القضية الفلسطينية، ومنغمسون في خلافاتهم وانقسامهم حتى في مثل هذه الظروف، فماذا ينتظرون؟

 

* أكاديمي وكاتب عربي

صحيفة الخليج الإماراتية