خبر لا لون ولا طعم ولا رائحة../ زكريا محمد

الساعة 12:36 م|29 مارس 2010

لا لون ولا طعم ولا رائحة زكريا محمد

 

29/03/2010  08:45 

 

ليست المشكلة في السياسة الفلسطينية، وفي مسلماتها فقط، بل في أدائها، في عرضها.

فهي سياسة تقدم نفسها بلا حبة ملح.

 

جلس الرئيس عباس في مقعده في قمة سرت، وألقى كلمته.

لم يصعد إلى المنصة، احتجاجا على تعامل العقيد القذافي معه. والمنصة هي خشبة المسرح كما تعلمون. ومن المفترض أن تقدم عليها عرضك أمام الناس، كي تقنعهم وتؤثر فيهم، أو تضغط عليهم. وحين تتخلى عنها فأنت تعاقب نفسك، ولا تعاقب الآخرين. وهكذا شاء الرئيس أن يعاقبنا وأن يعاقب نفسه، معتقدا أنه يعاقب القذافي بذلك!

 

طيب، قد يستطيع واحد ماهر أن يحول مقعده إلى منصة حقيقية بدل المنصة التي تخلى عنها. يعني يستطيع أن ينقل العرض المسرحي إلى حيث يقعد. لكن هذا لم يحدث. فكل ما فعله الرئيس أن قرأ الرئيس (تقريره) على القمة كما لو أنه تقرير مالي لشركة مستقرة: لا صعود ولا هبوط، لا إشارة باليد، لا نظرة في أعين الجالسين، لا لفتة، لا توقفا، لا سؤالا. يعني تقرير بلا روح. تقرير بلا تأثير. لا يدرك الرئيس في ما يبدو ان القمة مسرح، مسرح يشهده الملايين من الناس العرب، وأن عليه ان يستغل هذا المسرح كي يضغط، وكي يكسب، ويكسب شعبه معه.

 

لكن أردوغان القادم من الشمال قليلا، كان يدرك أن القمة مسرح، وان على تركيا ان تعرض ما تريد على خشبته أمام عرب الشارع الذين يشاهدون. وقد قدم عرضا مدهشا حقا. قال إن مصير القاهرة مثل مصير اسطنبول، وان مصير القدس مثل مصير اسطنبول. وحين تحدث عن القدس تحدث بعاطفة، فهو يدرك أن للعاطفة معنى هنا. لم يقرأ لنا تقريرا عن موقف تركيا، بل قدم عرضا حيا.

 

لكن الرئيس لم يعجبه عرض أردوغان في ما يبدو. لذا لم يصفق له. العروض التي يحبها هي من طراز عروض مبارك الميت-الحي. ومبارك كان غائبا، لذا كان وضع الرئيس صعبا. صديقه غائب، والقمة من دونه لا تنفع.

عرض أردوغان لم يعجب الرئيس. فلم يصفق له. وبدل أن يحييه، (ظل وجهه مسودا وهو كظيم)، كأنه بشر بكارثة.

 

هذا من حيث الأداء المسرحي، الذي لا يتقنه الرئيس.

أما من حيث السياسة، فلم يكن الرئيس يملك أشياء يريد فرضها على القمة. كان لديه فقط الحديث عن ال 500 مليون الموعودة للقدس. لم يستطع حتى ان يقول أنها لا تكفي، وأنها اقل مما يقدمه موسكوفيتش للاستيطان اليهودي في المدينة. فهو رجل قنوع جدا. كما انه رجل خجول، يستحي أن يطلب شيئا من أحد. وفوق ذلك، فهو مشغول بشيء آخر. فهو يريد أن يظهر للكل غضبه على القذافي، لكن من خلال البقاء في مقعده وعدم الصعود إلى المنصة.

 

كان بإمكانه بالطبع أن يفعل أكثر من ذلك للرد على إهانات القذافي. مثلا، كان بإمكانه ان يشير إلى حضور برلكسوني، حبيب إسرائيل إلى القمة. لكنه لم يفعل. فغضبات الرئيس في العادة غضبات شخصية، لا غضبات سياسية. ولو كانت غضباته سياسية لما سمح لنفسه أن يفلت المنصة. فمن على المنصة كان بإمكانه أن يصبح نجم القمة. وله حق في ذلك ما دامت قمة القدس. لكنه غاضب على القذافي، وغضبه يعمي عينيه.

 

وكان بإمكانه أيضا أن يمسك بحديث أردوغان عن عدم حاجتنا إلى خارطة طريق، بل إلى رؤية نهاية الطريق. لكنه لم يفعل ذلك بجد وتركيز. ذلك أن خارطة الطريق هي إنجيل متى. هي سورة البقرة، وسورة عم أيضا.

 

كما كان بإمكانه أن يستلم من أمير قطر سؤاله: (لماذا علينا ان ننتظر الرباعية في أمر القدس؟)، وأن يحوله إلى سؤال القمة المركزي، وان يطلب قرارات محددة على أساسه. لكنه لم يفعل. فقد قدم تقريره البارد، وسكت.

 

طيب، لنتحدث عن مقترح استحداث مفوض للقدس من القمة.

هذا المقترح لم يكن وليد اللحظة. فهو مطروح قبل انعقاد القمة. فلماذا لم يتطرق له الرئيس في خطابه؟ لماذا لم يؤيده؟

لماذا لم يؤيد وهو يعلم ما يلي:

أن لجنة القدس التي يرأسها الملك المغربي قُتلت على أعتاب الصراع بين المغرب والجزائر حول الصحراء، ولم يعد لها أي وجود فعلي. فالملك المغربي قرر أن يميتها كي يكسب رضا اللوبيات الصهيونية في أمريكا والعالم. فقد عقد مع هذه اللوبيات صفقة تقوم على أن يميت موضوع القدس وأن يمنع تحويله إلى موضوع لا يضر إسرائيل، مقابل أن تدعمه اللوبيات الصهيونية، أو أن لا تتدخل لغير صالحه على الأقل.

لكن الرئيس، رغم علمه بذلك، لم يتحدث عن الموضوع. لم يكن يريد ان يغضب الملك المغربي الذي رمى بالقدس في الوحل من اجل الصحراء. كما لم يكن يريد أن يغضب الأردن الذي أعطته اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل حق الإشراف على الحرم القدسي، ومن زاوية دينية فقط.

الرئيس لا يريد أن يغضب أحدا، رغم أن حماية القدس قد تتطلب أحينا إغضاب بعض الملوك.

 

الرئيس لا يغضب أحدا. ليس لديه وقت لذلك.

فهو مشغول بإهانات القذافي التافهة، والتي لا تساوي شيئا.

لكنه بذلك يمزقنا غيظا وغضبا.

يحرق أعصابنا.

لكن ربما تكون هذه هي شغلته حقا!