خبر يرجى من القمة العربية في سرت..علي عقلة عرسان

الساعة 12:28 م|26 مارس 2010

يرجى من القمة العربية في سرت..علي عقلة عرسان

القمة العربية الثانية والعشرون ستعقد ابتداء من السابع والعشرين من آذار/ مارس 2010 في سرت، وأمامها سبعة وعشرون بنداً لتتخذ بشأنها قرارات أو توصيات، وبحوزة الأمانة العامة للجامعة في سرت طن من الوثائق تضعها أمام القمة، جلها إن لم نقل كلها تتعلق بمواضيع يتجدد طرحها في أروقة القمة والجامعة، وترحل من قمة إلى قمة.

 

ويتطلع جمهور عربي واسع إلى القمة ولكنه، بتقديري، لا يتوقع منها الكثير، فقد عودتنا القمم العربية على أن تخرج بكلام كثير وعمل أقل من القليل، وأن تجدد خلافات الحكام والأنظمة وتعمقها، وتغرق في متاهاتها فلا تنجز ما ينبغي إنجازه، ولا تتفرغ لمواجهة ما تجب مواجهته من أمور، فيتفق فيها المعنيون على ألا يتفقوا.

 

وكل قمة تفرِّخ خلافات، الأمر الذي استدعى أن توضع أمام القمة الحالية آلية لإدارة الخلافات العربية التي يبدو أنها في تمدد وتجدد، ولا يلوح أمل في حلها، وما دام الأمر كذلك فليكن إذن تنظيم لها يؤدي إلى ترسيخها ودوران الماء في الحلقة المفرغة، ووضع آلية لإدارتها، وقد يستدعي هذا إنشاء مؤسسة، أو أمانة عامة لتلك المهمة " الإدارة" على غرار الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يطلق عليها الأمانة العامة لإدارة الخلافات العربية ـ العربية، ويرسل إليها كل قطر مندوباً هو " ضرس" في "المناقرة" لتدور عجلة الخلافات كما ينبغي.

 

من المؤسف أننا أصبحنا لا نعلق الكثير من الآمال على القمم العربية، ومنها القمة الحالية فهي ليست استثناء على الرغم من الظروف الاستثنائية في مجالات وقضايا وتحديات عدة، فلم يعد في تلك القمم ما يُفرح ولا ما يُطرب ولا ما يفرِّج الكروب.. وإذا كانت أية قمة قادرة على أن ترفع الغم العربي درجات فإنها تبدو عاجزة عن أن تخففه درجة.. على الرغم من الشدائد والتحديات والتهديدات التي تطال القضايا المصيرية والمقدسات الدينية والقضايا المصيرية، والوجود الكلي للشعب الفلسطيني الذي يتعرض هو وقضيته التي اعتبرت في زمن عربي مضى " القضية المركزية لنضال العرب في العصر الحاضر".. فهذا الشعب البطل يتعرض هو وقضيته إلى إبادة بطيئة منظمة بدقة ومستمرة.. على مرأى ومسمع من القمم العربية والعالم.. ولكن عذرنا في متابعة القمم أننا لا نملك إلا أن نتطلع إليها لأنها تُعقد ويروج لها في الإعلام كأنها مسلسلات سياسية مشوقة، ولأننا لا نملك  بديلاً أفضل نتابعه باهتمام كبير، ولأننا لا نرغب في أن نقنط من رحمة الله، إذ لا يأس مع الحياة في هذا الوطن العربي الذي ليس لنا سواه، وليس لنا نحن أبناءه سوى أن نتألم فيه ومنه وعليه.

 

إن الأمور الضاغطة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً.. إلخ، كثيرة وكبيرة، وتستحق أن تواجهها الأمة بجدية ومسؤولية واقتدار، ولكن حين نواجهها بضعف الانتماء، وتوزع ولاء الفرقاء على أصحاب النفوذ من كبار الأوصياء، وتفرُّق الكلمة المتجذر، وتغلغل النظرة القطرية الضيقة في التكوين السياسي الراهن على مستوى الأشخاص والأنظمة..إلخ كل ذلك يجعل من التصدي المجدي لها أمراً مستعصياً، يكاد يجعل من مقاربة حلها جماعياً مستحيلاً رابعاً يضاف إلى معجزات عرب اليوم ومستحيلاتهم.   

 

ولأننا لم نقنط بعد، ولا نريد أن نقنط.. نرسل تمنيات في الفضاء العربي الواسع إلى القمة العربية الحالية في سرت، وبإيجاز شديد جداً، حرصاً على الوقت، حيث نأمل:

 

1 ـ ألا يسمح نظام اجتماع هذه الدورة للملوك والرؤساء والأمراء وأصحاب السيادة والسعادة.. بإلقاء خطابات رنانة منقولة على الفضائيات، حتى لا تصبح القمة استعراضاً كلامياً، لأن كل رئيس سيبرئ ذمته على نحو ما أمام جمهوره وجمهور الأمة، ويقول : ".. تكلمت ولم يسمعوا، أو سمعوا ولم يعوا، أو سمعوا ووعوا ولم ينفذوا.. وتلك حال العرب.. اللهم اشهد إني قد بلغت." ويعود من بعد إلى سدة حكمه وقد تحلل من أي مسؤولية، فقد بلغ وانتهى الأمر.

 

وأن يُكتفي بكلمات افتتاح رسمي لرئيس القمة السابقة، ورئيس البلد المضيف بوصفه رئيس القمة الحالية، وللأمين العام للجامعة. لكي لا ينشغل الاجتماع بما جاء في الكلمات وخلفياتها وإشاراتها وينسوا جدول الأعمال، أو يتأثر ذلك الجدول بالخطابات.. ولكي يتوفر الوقت الثمين لمداولات جدية مجدية لا تفرغها من مضمونها الذرائع والتسريبات الإعلامية الهادفة إلى مزيد من محاولات تبرئة الذمة وشد الحبال إلى هذه الجهة أو تلك.

 

2 ـ أن تجري القمة مداولات مسؤولة، غير منقولة على الفضائيات، لكي تُمنع شهوة الكلام والاستعراضات، فربما تصل القمة في مداولاتها إلى ما لا يزيد جراح الأمة وإحباط أبنائها، وزيادة شهية أعدائها إلى النيل منها أكثر وأكثر.

 

3 ـ أن تتخذ القمة قراراً واحداً ملزماً على الأقل تنفذه الأطراف العربية بالتزام واحترام، سواء أأعلن أم بقي من الأسرار؟!.. وأظن أن الشعب العربي سيكتفي بقرار ينفذه المعنيون بالتزام ودقة وسرعة.. فهو خير من " طن" من مشاريع القرارات والوثائق التي لا تقود إلى عمل ناجز، وخير الشعارات التي لا تُحترم، والتوصيات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

4 ـ أن يعرف كل مسؤول من مسؤولي الأمة في القمة، أن مناوراته قد تنجح، وأنه يمكن أن يكون الأقدر على المناورة والمراوغة وإحراج الآخر، وأنه سيرضي من له علاقة بهم ومن يريد أن يرضيهم.. ممن رجوه، أو كلفوه، أو علقوا عليه أهمية في تنفيذ هذا الأمر أو ذاك، وإحباط هذا القرار أو ذاك، وتمنوا عليه لو يحرف دفة التوجه العام للقمة عن مسار مرتقب، أو تأجيل فاعلية ما لحقبة من الحقب، والزمن بعد ذلك كفيل بما يتبقى. وأن يدرك تمتماً أنه يستطيع أن يفعل ذلك مباشرة أو مداورة من خلال فريق العمل أو "الحلفاء الداخليين".. ولكن عليه أن يدرك أيضاً أن غيره من المشاركين قد يفعل ذلك.. فمن يرى خصمه غبياً أو مغفلاً لا يخلو من الغفلة. وإذا سارت الأمور باتجاه المداورة والمناورة فالنتيجة هي أن تخسر الأمة ويربح أعداؤها من انتصار هذا الزعيم العربي على ذاك في أمور تقتضي من الجميع أن ينتصروا للأمة على أعدائها.. وعلى رأس تلك الأمور قضية فلسطين، والقدس والمقدسات، والاستيطان، والتحالف الإسرائيلي ـ الأميركي الذي لا انفصام لعراه، ولا ضعف فيه، ولن يكون إلا ضد الأمة العربية.. نعم ضد الأمة.. وضد العروبة والإسلام.. وضد الاستقلال والقوة والحرية والتقدم العلمي وامتلاك الإرادة والقرار، وضد كل من لا يكون في خدمة الصهاينة والغربيين، وفي خدمة مخططاتهم ومصالحهم وسياساتهم. ونتمنى أن يفكر كل من يستند إلى غير الوطن والشعب من القادة والسادة، ومن يستقوي بهم على أمته.. أن يفكر في حقيقة أكدها التاريخ وهي إن حماته اليوم هم جلادوه غداً.. هذا إذا أعمل عقله، وصحا ضميره، وسلم قلبه، وصلُح مستشاروه.. فرأى مصلحة الأمة العربية، ببصيرة وحكمة وحنكة، من زاوية أوسع من الكرسي والقصر وماسحة القطر الضيقة، ونظر بمسؤولية أعمق إلى مدى أبعد من الذات المنتفخة، ونجا من الأنانية المتورمة، واللحظة الراهنة ومعطياتها.. تلك التي تندرج حتماً في الماضي، وتخلصه من قوقعة القطر الذي لن ينهض ويبقى ويأمن ويتكامل ويكتفي.. إلا في إطار الأمة، وانطلق بجناحين خارج دائرة المصلحة الشخصية ومصلحة النظام حيث يحلق في الفضاء العربي ويكف عن الرؤية من زاوية ضيقة تجعله يضيق ذرعاً بالآخر.. الشريك في المواطنة والنهضة والمصير.. وفي الرؤى التي تصبح أكثر شمولاً وعمقاً واتساعاً، وطنياً وقومياً وإسلامياً وإنسانياً.

 

5 ـ أن يتوقف أهل القمة عن ابتلاع الوهم، وعن تجريعه لأبناء شعبه، كل حسب قدراته وأدواته وأساليبه وأغراضه ووسائله وأنصاره في الداخل والخارج.. وعن إبعاد الحقائق عن الشعب وإبعاد الشعب عن الحقائق، وأن يكفوا عن تجويع الشعب العربي وكل ما يؤدي به إلى التخلي والتخلف، فقد أتخمنا قهراً وهماً، وأتخمنا الوهمُ ضعفاً وتخلفاً.

 

إن عليهم أن يحترموا الشعب وإرادته وتطلعاته وحرياته، لأنه في النتيجة هو الذي يتحمل ويدفع الثمن.. ولأنه ليس للأمة وللوطن سوى أبناء الشعب، ينهضون بهما ويحمونهما.. وليس للحاكم أو المسؤول، إذا أراد أن يكبر ويدخل التاريخ بشرف ومن بابه العريض، ليس له إلا الشعب الذي يبني ويحمي وينهض ويضحي. 

 

 6 ـ أن يسحبوا المبادرة العربية البائسة من التداول، فقد آن أوان ذلك.. وأن يلتفتوا ولو مرة واحدة إلى حقيقة أن العدو الصهيوني لا يريد السلام، ولا يمكن التعايش معه فهو العنصرية والكراهية والعدوان والاستعمار، وأن مشروعه يستهدف الأمة ابتداء من فلسطين، كما يستهدفها المشروع الأميركي المتحالف معه عضوياً، بكل أبعاد الاستهداف وأنواعه ووسائله وأدواته.. وإن الاستيطان الصهيوني الذي يقضم القدس والحق والأرض، هو مشروع مشترك تساهم في تمويله الولايات المتحدة الأميركية بمليارات الدولارات، وقد بلغ حجمه في القدس والضفة خلال منذ السنوات القليلة الماضية فقط: 12 مليون متر مربع من المنازل، والمؤسسات، والطرق والمشاريع التي تقدر قيمتها الإجمالية بـ 17.5 مليار دولار.. فإلى متى الانتظار، وما هو الرد، وما هو المخرج.!؟

 

إن على أهل القمة أن يمعنوا النظر على الأقل في خلفيات الصراع العربي الصهيوني وأهدافه وأبعاده ومستقبله واستحقاقاته. وأن يتبصروا في حقيقة أن الأمة، أية أمة، تصحو وتضحي وتنهض إذا ما وجدت مسؤولين يسيرون بها على طريق الكرامة والتحرير والحرية والنهضة.. وتنقاد لمن يحترمون تطلعاتها وتضحياتها، ولا يفرطون بأي من حقوقها.. نعم إن أية أمة ستدفع تكاليف باهظة في المواجهات المصيرية غير المتكافئة التي تُفرَض عليها، ولكنها تحصل في النتيجة على شيء مهم لحياتها ووجودها. وأمتنا العربية اليوم تدفع تكاليف باهظة جداً، مادية ومعنوية، من دون أن تحصل على أي شيء.. وتضمُر أحلامها وتطلعاتها وقدراتها بمقدار ما تضمر تطلعات القائمين على أمورها.

 

لا نطلب المستحيل، ولا نتطلع إلى أوهام جديدة نبتلعها.. نريد فقط وقفة واحدة ترقى إلى درجة مآسينا ومعاناتنا وتاريخنا والتحديات المطروحة علينا، في موضوع واحد فقط، أو في لمحة تاريخية ذات تأثير مستقبلي على حياتنا وإرادتنا وآمالنا.. فنحن بشر، وأمة تستحق الحياة، وتستحق وضعاً أفضل، وموقفاً أكرم.. و..

 

باريس في 25/3/2010