خبر كله مر..هآرتس

الساعة 11:29 ص|26 مارس 2010

بقلم: ألوف بن

تعب يعصف باسرائيلي سافر الى واشنطن قبل المساء في ساعات منتصف الليل في التوقيت المحلي. العيون مغمضة، الفم يجف ويصعب التركيز. الامريكيون في المحيط يخرجون من المكاتب، يستعدون الى وليمة العشاء، مرتاحين. هذه هي الساعة التي خصصها براك اوباما لبنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع في البيت الابيض. بعد يوم العمل، دون حاشية كبيرة وطواقم اعلامية وحتى بلا تصوير للمصافحة. مثل ضيف غير مرغوب فيه ولكن اضطراري يدخله المساعدون الى الرئيس من خارج جدول الاعمال.

في الغرفة المغلقة طرح اوباما على نتنياهو الطلب الذي تملص منه رئيس الوزراء في السنة الماضية: أن إحسم اين تقف. مع امريكا، التي تريد دولة فلسطينية في غضون سنتين أم مع زمبيش وايلي يشاي اللذين يريدان ملء شرقي القدس والضفة الغربية باليهود وتصفية "حل الدولتين". هل هذا هو "الضغط الامريكي" لاخلاء المناطق، والذي يتمناه اليسار منذ 1967؟ هل اوباما يقصد حقا أم مثل أسلافه سيكتفي بضريبة لفظية وبهذر وينتقل الى امور اخرى؟ الجواب سيتبين في الاسابيع القريبة القادمة، كلما تطورت الازمة. واضح فقط ان اسرائيل تقف امام هزة داخلية شديدة لم تشهد لها مثل منذ سنوات عديدة. مواجهة مع امريكا ستبقي اسرائيل معزولة حيال ايران. مواجهة مع المستوطنين يمكن أن تؤدي الى اندلاع العنف والى شرخ خطير في الجيش الاسرائيلي.

عندما انطلق يوم الاحد ليلا الى استعراض القوى في امريكا، أمل نتنياهو بان تتطور الامور على نحو مغاير. فقد سعى الى أن يري اوباما، من خلال مؤتمر ايباك، بان الطائفة اليهودية والكونغرس يقدمان له اسنادا حيال مطلب الادارة وقف المستوطنات في الضفة الغربية والكف عن تهويد شرقي القدس. ويبدو أنه صدق الاستطلاعات بان اسرائيل أكثر شعبية من اوباما لدى الجمهور الامريكي.

        هبوط التأييد لاوباما، انتصار الجمهوريين في مساشوستس والهزيمة المتوقعة عملت على نتنياهو كأثر الفياغرا. دوما شرح لمساعديه، لسياسيين آخرين وللصحافيين بان الاسرائيليين لا يفهمون مثله امريكا. وأنهم يروا فقط الرئيس والادارة ولا يفهمون قوة الكونغرس، منظمات اللوبي ومعاهد البحث. هذا الاسبوع وضع تحت الاختبار تجربته ومذهبه.

ولكن اوباما ايضا تلقى حقنة تحفيز: قبل بضع ساعات من لقائه مع نتنياهو وقع على قانون الاصلاح في الجهاز الصحي الامريكي. هذا كان اختباره وقد اجتازه بجهد واضح، ولكن بنجاح. بعد أشهر من التأبينات السياسية وخيبة الامل من ادائه عاد اوباما ليعتبر زعيما ورائدا. على نتنياهو أن يتعلم منه. اوباما قام بكثير من الحلول الوسط مع خصومه الى أن اقر قانون الصحة باغلبية طفيفة في مجلس النواب. ولكن رغم تنازلاته، خرج الرئيس منتصرا وبطلا. اما نتنياهو بالمقابل فيعتبر كخرقة مهترئة حين يتنازل لشركائه وخصومه السياسيين. ربما لان نتنياهو يريد جدا ان يظهر كقوي وحازم، كل شق في قصته يعرضه على الفور كإمعة.

ارتفاع في الفائدة

اشارات الخطر برزت امام نتنياهو في الاسبوعين اللذين سبقا رحلته. فقد بدأ هذا بالبيان عن بناء 1.600 وحدة سكن في رمات شلومو، اثناء زيارة نائب الرئيس جو بايدن الى القدس. من ناحية اوباما، كانت هذه فرصة. بعد سنة من المباحثات العقيمة، المحطمة للاسنان، مع نتنياهو ورجاله، أخيرا حظي الامريكيون بورقة مظفرة. اسرائيل كبت، وعليه فاسرائيل ستدفع. نتنياهو اتهم باهانة الكرامة الوطنية الامريكية. وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، املت عليه العقاب: وقف البناء في شرقي القدس و "بوادر طيبة" محطمة للائتلاف للفلسطينيين. وعندما تردد نتنياهو في الانثناء امتشقوا ضده الجنرال دافيد بتراوس، بطل حرب العراق. تلميح الجنرال بان اسرائيل مسؤول بشكل غير مباشر عن تعريض قواته للخطر، وضع الطائفة اليهودية امام المعضلة المقلقة المتعلقة بـ "الولاء المزدوج": انتم مع جنودنا أم مع نتنياهو ومستوطنيه؟

الازمة بثت آثارها بسرعة على الداخل. السياسة تجري كما في السوق المالية: عندما يرتفع مستوى الخطر ترتفع ايضا الفائدة. الشركاء الائتلافيين لنتنياهو لاحظوا على الفور ضعفه وطالبوا بثمنهم. بدأ هذا بيشاي، المسؤول عن قضية رمات شلومو، الذي توقع وتلقى اسنادا كاملا من نتنياهو حتى بعد أن اتهم اوباما "وزير الداخلية الاسرائيلي" بتخريب المسيرة السلمية. بعده جاء يعقوب ليتسمان من يهدوت هتوراة الذي ابتز من نتنياهو نقل غرفة الطوارىء في عسقلان. نتنياهو خضع (وعلى الفور تذبذب متراجعا في ضوء الاحتجاج الجماهيري). وفوق الجميع وزير الدفاع، ايهود باراك، الذي يمنح نتنياهو شرعية "رجل الوسط" ويعفيه من صورة اليميني المتطرف.

        باراك اراد وتلقى مقعدا باهظ الثمن في جناح رجال الاعمال في طائرة رئيس الوزراء، ودعوة لمرافقته الى البيت الابيض. وهكذا جسد دوره المزدوج، كمستشار أعلى لنتنياهو في الامن القومي – وكمن يمكنه أن يهرب ويبقي رئيس الوزراء وحيدا مع عصبة اليمين المتطرف، المتحمسة للمواجهة مع الامريكيين.

كيف الخروج من هذا

نتنياهو أمل بان يخرج من هذا. وعلى طريقته في الازمات، عقد المرة تلو الاخرى "محفل السباعية" في محاولة لبلورة اجماع ائتلافي حول رسالة الجواب لكلينتون. وأخر نتنياهو عن قصد الرسالة حتى يوم الخميس، بعد يومين من الموعد النهائي الذي حدده الامريكيون، وذلك كي يريهم بانه يصر على موقفه. وفي الرسالة اوضح لهم  بان كل اسلافه، منذ ليفي اشكول، الذين بنوا في شرقي القدس، وان ما كان هو ما سيكون. ولمزيد من الامان قيد نفسه باعلان "البناء في القدس هو كالبناء في تل أبيب" في جلسة الحكومة، قبل سفره الى واشنطن، وفي خطاب "القدس ليست مستوطنة" في مؤتمر ايباك.

الامريكيون لم ينذعروا. هم ايضا يقرأون الاستطلاعات ويمكنهم أن يستخلصوا منها بان نتنياهو فقد الاجماع في اسرائيل. الجمهور يحب القدس، ولكنه غير مستعد لان يخاطر بالتأييد الامريكي من أجل اسكان اليهود في الشيخ جراح. خط الاجماع الداخلي يطابق تقريبا جدار الفصل، خرائط انسحاب باراك وايهود اولمرت. يتسهار وسلوان، وكذا مظاهرة الهياكل العظمية لليتسمان في عسقلان، توجد خارجه. اوباما ورجاله يفهمون ذلك ويحاولون دق اسفين بين نتنياهو والوسط الاسرائيلي – مثلما استعدوا منذ بداية ولايتهم لثني قوة ايباك، عبر تأييدهم للوبي الخصم جي ستريت.

في نهاية المطاف في امريكا مثلما في اسرائيل، السياسة الخارجية تعكس السياسة الداخلية. اوباما بعث نتنياهو لمهمة تحسينات ورئيس الوزراء خرج من واشنطن دون اتفاق، في طريقه لفحص مدى التأييد السياسي لموقفه قبل أن يجيب اخيرا الامريكيين (وهذا يسمى "بحث في المجلس الوزاري"). ومع الاخذ بالحسبان لضعفه المتزايد في الداخل فان التعب في طريق العودة الى البلاد ستكون المشكلة الصغيرة لنتنياهو في اسبوع الفصح.