خبر جئت ورأيت وفشلت..يديعوت

الساعة 11:27 ص|26 مارس 2010

بقلم: ناحوم برنيع

عندما بدأ بنيامين نتنياهو ولايته الحالية لرئاسة الحكومة، جعل ايران في رأس جدول عمله. سئل في احدى الفرص ماذا سيحدث اذا اقترحت عليك ادارة اوباما صفقة: ايران عوض فلسطين، وهجوما أمريكيا على ايران عوض تنازلات بعيدة الأمد من اسرائيل في الجبهة الفلسطينية.

غضن جبينه. قال انا مستعد لان أعطي الكثير جدا جدا عوض ايران. ان "الكثير جدا" مرة واحدة كثير. أما جدا مرتين، مع تأكيد "جدا" الثانية فيكاد يكون كل شيء.

منذ ذلك الحين مرت سنة واحدة. يدل القليل الذي تسرب من رحلة نتنياهو الحالية الى واشنطن على مبلغ خطو ايران في هذه السنة قدما ومبلغ خطونا الى الوراء. لم توجد صفقة ولم يعرض الامريكيون. انهم يضغطون من أجل تنازلات اسرائيلية لا لتمهيد الطريق للهجوم على ايران بل لتسهيل خروجهم من العراق وافغانستان. يبحث اوباما لنفسه عن سياسة خارجية. ونتنياهو هو العائق الذي يلقاه في طريقه.

اما نتنياهو فليست له سياسة خارجية. وعندما يرى واحدة يهرب منها.

سيقام في الايام القريبة في البلاد حزبان: الحزب الموالي لامريكا الذي سيصرف التهمة كلها الى نتنياهو، والحزب المشايع لبيبي الذي سيعلق التهمة كلها بأوباما. سيتهم الحزب المشايع لبيبي الحزب الموالي لامريكيا بخيانة الوطن. وسيتهم الموالون لامريكا، كاليهود في جمهورية فايمر بأنهم غرسوا سكينا في ظهر الأمة. فقد نموا وحرضوا. وسيتهم الحزب الموالي لامريكا نتنياهو بخراب الهيكل الثالث.

اقترح الهدوء. فليست الأزمة الحالية نهاية العالم. لكنها تأتي ببعض دروس يمكن التعلم منها.

اولا كانت رحلة نتنياهو فشلا معلوما سلفا. وقد قيل كل شيء وكتب كل شيء. كان يجب على نتنياهو ان يعلم أن أقوى جماعة ضغط في واشنطن، جماعة الضغط العسكرية، تضغط من أجل تهيئة خازوق معلن في البيت الابيض لرئيس حكومة اسرائيل؛ وكان يجب ان يعلم ان الهتاف الذي سيستقبل به في مؤتمر الايباك كل مرة يذكر فيها عاصمتنا الابدية غير المقسمة، سيفسر في الجانب الثاني من المدينة على أنه صفعة مقصودة؛ وكان يجب ان يعلم ان أزمة بايدن لم تنقض، وكان يجب ان يعلم ان فوز أوباما بالتصويت على قانون الصحة في مجلس النواب سيترجم لاظهار قوة في الساحة الدولية؛ وكان يجب أن يعلم أن الثقة التي هدمت طول سنة كاملة (منذ ولاية نتنياهو الاولى في واقع الامر) لا تبنى ببضع كلمات جميلة في الغرفة البيضوية. لكن نتنياهو قرأ ولم يقتنع وسمع ولم يصدق. فقد دخل على الرئيس كما دخل حاييم رامون مكتب رئيس الحكومة يوم بدء حرب لبنان الثانية. فما إن يكاد يبتسم ويحتضن ويقبل حتى تذوب القلوب. لم يؤثر السحر في أوباما وما كان احتمال لأن يؤثر.

لا تتعلق المواجهة بين اسرائيل والامريكيين الان بالموضوعات الجوهرية بل بحرية عمل اسرائيل في المناطق التي احتلت في 1967 ولانه لا يوجد تفاوض فسؤال ماذا سيحدث في هذه الاثناء ومن يقر الحقائق على الارض يصبح قاطعا. يزعم نتنياهو انه يفعل على وجه الضبط ما فعله اسلافه. تغيرت السياسة الامريكية. وهي فقط. وهو على حق وليس على حق. تغيرت السياسة الامريكية لكن تغير ايضا صورة عمل اسرائيل. يوجد شيء ما مختل في أداء حكومة نتنياهو وهو أنها غير قادرة على مراقبة تنفيذ وعودها. يرتاب الامريكيون بنتنياهو وأن كل شيء متعمد. هذا اطراء: فهم يرفضون فهم ان الاختلال ينبع في أكثره من اهمال وعدم سيطرة. فالذنب يلوح بالكلب. والنتيجة أننا عدنا 20 سنة الى الوراء. وبسبب الشيخ جراح ستوجد بعد قليل عاصفة دولية حول شقة في رمات أشكول.

تخطو ادارة اوباما، على علم او على غير علم نحو تقدير من جديد لعلاقتها باسرائيل. والمعنى السياسي لهذا الاجراء عظيم. وهو كارثة من جهة أمنية. يجب أن نؤمل ألا يحدث اجراء كهذا.

عميقا في الأرض

عندي سؤال في شؤون الشريعة، قلت لنائب وزير الصحة، يعقوب ليتسمان. أعتذر سلفا عن جهلي. جلت بعد الظهيرة كلها داخل مشفى بارزيلاي في عسقلان. رأيت هناك عشرات القبور بل ربما المئات. المشفى كله مبني على مقبرة وفي داخلها. وحسبت ان رجال الدين يحظرون على الكهنة التجوال في المقابر. برغم ذلك لم أر أنهم يمنعون أناسا أسماء عائلاتهم كوهين العمل هناك أو أن يعالجوا هناك أو زيارة المرضى في غرفهم. قل لي من فضلك ما العلاقة بين كوهين والمقابر.

مس ليتسمان وهو في الثانية والستين لحيته البيضاء. شعر بالحرج للحظة فقط وقال: "لست حاخاما، لست مفتيا. أنا أنفذ توجيهات الحاخامات".

خسرت درسا في الشريعة لكنني تعلمت درسا من الحياة. يوجد للساسة من الوسط الحريدي مزية كبيرة على نظرائهم العلمانيين. فعندما لا يوجد عندهم جواب جيد يستطيعون دائما أن يسلوا سلاح يوم الدين: تواضعهم والغاءهم لذواتهم. من أنا وماذا أنا لست سوى منفذ أوامر.

تساءلت اذا كان المشفى كله مبنيا على قبور فلماذا تناضلون عن فرع واحد فقط؟ فالشريعة هي الشريعة لا توجد فيها تنزيلات ولا تخفيضات. يجب هدم المشفى كله.

اتسع وجه ليتسمان في ابتسامة دقيقة منتصرة. "لاننا هناك نرى (القبور)، وهناك لا نرى"، قال.

ليس ليتسمان رجل سوء. لا بيقين. انه شخص معقول. ما ظل الأمر لا يتعلق بمصالح ساحته، ساحة الحاخام ماغور، او بالضغوط الداخلية في الجماعة الحريدية، تكون نياته خيرة وربما أفعاله ايضا. تعلم في 11 سنيه في الكنيست جيدا خفايا اللعبة السياسية وضعف زملائه. لكن الكنيست ليست فقاعة او ناديا مغلقا ويعيش في الخارج 7 ملايين اسرائيلي يعلم ليتسمان القليل جدا عنهم. عالمهم ليس عالمه، وغضبهم ليس غضبه، واستشاطتهم ليست استشاطته. وهو لا يستطيع ان يعلم ما الذي يغضبهم ومتى. أقول له ان تعيش في فيلم. ينظر الي في دهشة ويخطر في بالي آنذاك فقط أن التعبير لا يتحدث اليه فهو لا يذهب لمشاهدة افلام.

ان مفتاح فهم قضية قسم الطوارىء في برزيلاي موجود في النقاش الذي تم في الـ 21 من كانون الاول 2008 في مكتب المدير العام لديوان رئيس الحكومة آنذاك، رعنان دينور. طلب الى دينور ان يعالج أمرين مستقلين التقيا مصادفة في الساحة الخلفية للمشفى في عسقلان. في نطاق دروس حرب لبنان الثانية استقر الرأي على زيادة وتحصين 6 مشاف في الشمال (2 عربيين في الناصرة) وواحد في الجنوب – برزيلاي. خصصت الحكومة للمهمة 450 مليون شيكل. وكان الموضوع الثاني القبور. فقد وقفت أعمال تطوير بنى تحتية في أماكن مختلفة في البلاد ولا سيما شوارع وفي مقدمتها الشارع 6، بسبب قبور قديمة. قال دينور ان المحاسب العام آنذاك يرون زليخا زعم أن حل المشكلات سيقتضي انفاق 400 مليون شيكل لا أقل من ذلك. وكان برزيلاي أحد الاماكن التي كشف فيها عن قبور.

كان رئيس الحكومة أولمرت. أثار وزير الاديان اسحاق كوهين الموضوع في جلسة حكومية. كان عند كوهين سببان جيدان كي يريد حلا فهو من أفراد شاس ومن سكان عسقلان. أرسله أولمرت الى دينور.

شارك في الجلسة، زيادة على كوهين ودينور، المدير العام لوزارة الصحة آفي يسرائيلي، والمدير العام لسلطة الآثار شوكيه دورفمان، والمدير العام لبرزيلاي الدكتور شمعون شراف، والمقدم زاركو من قيادة الجبهة الداخلية وجماعة من المساعدين. قال دورفمان انه في اعمال الحفر الاولية في عسقلان تم الكشف عن قبور فخمة لوثنيين من العصر الروماني، والى جنبها قبور متواضعة لبيزنطيين ومسلمين. لا يعلم استيطان يهودي في تلك الفترة في عسقلان، لكن بما أن القبور لم تفتح لا يمكن نفي امكان أن القبور هناك ليهود أيضا. عرض الموظفون خيارات ولخص دينور. "ينطبع في نفسي أن الخيار ذا الصلة الوحيد هو (بناء القسم الجديد) فوق ساحة الموقف"، قال بحسب محضر الجلسة. "لا نريد تكرار أخطاء الماضي".

بين دينور ما الذي يقصد اليه. "البت في شأن القبور يرمي الى الالتفاف على الاختلافات في الرأي. نرى أن التقدير المتقدم هو كيف ننشىء حلا بالمصالحة لان قدسية القبور برغم انها غير قاطعة عند جزء من السكان، قاطعة جدا عند الجزء الاخر".

سألت دينور هذا الاسبوع ما الذي أردت احرازه وأجاب: "قلت قوموا بعمل وارجعوا الي، لان عمل مقر العمل لم ينته. لم نقرر هناك شيئا. الدعاوى التي آثارتها ليمور ليفنات وليتسمان هذا الاسبوع، وفحواها ان حكومة أولمرت صدقت المشروع هي كذب خالص. لم أشرك رئيس الحكومة في هذا الشأن".

وضع دينور العارف بتجربة أمور القبور من عمله مديرا عاما لبلدية القدس، في كفة ميزان واحدة المظاهرات العنيفة لمتطرفي "أترا كديشا" وفي الكفة الثانية الكلفة المالية.

تذكر دينور الحادث الصادم في القطعة الشمالية من شارع 6 عندما طرح أشياع الحاخام شميدل أنفسهم تحت الجرافة التي أتت بها سلطة الآثار، وقفزوا برؤوسهم الى أسفل الى القبور التي كشف عنها. أراد أن يبت اتفاقات معهم بكلفة رخيصة وبهدوء.

تولى عوزي كيرن مستشار رئيس الحكومة للاستيطان مشكلة القبور. يزعم دينور أنه حل جميع المشكلات بكلفة 20 مليار شيكل فقط. يخيل الي انه مخطىء فالمبلغ الذي أنفق كان أكبر، وهذا متيقن في الشارع 6. "لو كان يمكن بت اتفاق في عسقلان بـ 3 ملايين او 4 ملايين شيكل لرضي الجميع، كانت المشكلة الثمن"، يقول دينور.

بعد الجلسة مع دينور بستة أيام، في السابع والعشرين من كانون الاول 2008 بدأت عملية "الرصاص المصبوب". كان المشفى في خط النار، وكانت هذه بشرى خير لقسم الطوارىء الجديد. فالحفاظ على الارواح يسبق القبور. تحت ضغط الحرب أقنع عوزي كيرن الحاخام الرئيس لليهود الغربيين، يونا متسغار باجازة اخلاء القبور. في تلك الاثناء وقفت النار وذهل متسغار. خاف جيش اوغاد الحاخام شميدل من "اترا كديشا"، اولئك  الذين يسمون "هسكريكم". اذا كانوا لم يحجموا عن رجم بيت الحاخام اليشيف بالحجارة عندما أجاز اخلاء القبور فماذا سيفعلون به، بمتسغار.

توجه ديوان رئيس الحكومة الى متسغار طالبا ان يخصص رجال دين لمصاحبة الاخلاء كالعادة. اقترح رئيس مكتب متسغار، حاييم همدنغر في رسالة في الخامس والعشرني من آذار ان يتوجه ديوان رئيس الحكومة مباشرة الى المؤسسة الحاخامية المحلية في عسقلان. وكالمتوقع تهربت الحاخامية في عسقلان. في الثلاثين من آذار أرسل كيرن رسالة غاضبة الى المؤسسة الحاخامية الرئيسة. وكتب: "طلبك (التوجه الى الحاخامية في عسقلان) يثير عدة تساؤلات اذا لم نشأ المبالغة. أطلب اليك توضيح رأي الحاخامية الرئيسة وفي أسرع وقت، لان بناء القسم الجديد المحصن من المشفى معوق في هذه الاثناء".

لم تساعد الرسالة: ففي الحاخامية خافوا الحاخام شميدل اكثر من خوفهم ديوان رئيس الحكومة.

وليس هم فقط الذين خافوا. فقد خاف أيضا شوكيه دورفمان المدير العام لسلطة الآثار. فدرس الشارع 6 علمه ألا يواجه "أترا كديشا".