خبر اين الاثرياء العرب في منع سلب القدس؟ .. زهير أندراوس

الساعة 09:18 ص|26 مارس 2010

اين الاثرياء العرب في منع سلب القدس؟ .. زهير أندراوس

أطلق الثعلب السرمديّ، أي رئيس الدولة العبرية، شمعون بيريس، يوم الخميس الخامس والعشرون من شهر آذار (مارس) الجاري تصريحاً خبيثاً قال فيه إنّ الطريقة الأمثل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو اللجوء إلى الرياضة على مختلف أشكالها وأجناسها، لأنّ الرياضة، وفق منطق الرئيس الإسرائيلي، الذي يتفاخر ويتباهى بمناسبة أو بدونها، بأنّه أقام الفرن الذري في ديمونا، هي الأسلوب الأنجع لتقريب القلوب بين أبناء الشعبين، وجاء هذا التصريح المتفذلك خلال كلمة ألقاها الرئيس في مؤتمر الاتحاد العام لكرة القدم العالمية، والذي يُعقد في هذه الأيام في تل أبيب.

الرئيس الإسرائيلي يعرف أنّ أقواله المعسولة ما هي إلا ذر للرماد في العيون، لأنّ العنصرية الإسرائيلية باتت متفشية للغاية في ملاعب كرة القدم في دولته، إذ أنّ المشجعين اليهود يهتفون في كل مباراة الموت للعرب، ويُسمعون صرخات لا يحتملها الورق ولا الأخلاق ولا الدين ضدّ النبي العربيّ الكريم. علاوةً على ذلك، ترفض أكثرية فرق كرة القدم في دوري الأضواء الإسرائيلي استيعاب اللاعبين العرب، وفريق مثل فريق (بيتار أورشليم) أجبر أحد اللاعبين على تقديم اعتذار رسمي في الصحف ومواقع الإنترنت لأنّه 'تجرأ' على القول إنّه لا يعارض أن يلعب في صفوف الفريق أحد اللاعبين العرب، أو كما قال أحد اللاعبين المسلمين، كما أنّ جمهور الفريق قام قبل أسبوعين ونيّف بالاعتداء بوحشية على عاملي نظافة يعملون في الإستاد، لا لسبب، أنّما لكونهم من القدس العربية المحتلة، حيث تمّ نقلهما إلى المستشفى بعد أن تمّ العثور عليهما في المراحيض.

نسوق هذه المقدمة الرياضية-السياسية لكي نصل إلى ما يثير حفيظتنا: أصحاب رؤوس أموال من الوطن العربي يقومون بشراء أندية لكرة القدم في أوروبا بمئات ملايين الدولارات، ويصرفون الأموال الطائلة من أجل ذلك، لا ضير في هذه الخطوة، ولكن يحق لنا أن نسأل هؤلاء الأثرياء العرب وغيرهم: لماذا لا يُقدّمون شيئاً للشعب الفلسطيني، الذي يئن تحت نير الاحتلال؟ لماذا لا نسمع عن الأثرياء العرب الذين يعملون على منع الصهاينة من الدولة العبرية ومن خارجها من تهويد مدينة القدس المحتلة، نقول هذا الكلام على ضوء التعنت الإسرائيلي بمواصلة تهويد القدس العربية، نورد هذه الأمور ونحن نتابع عن كثب وبألمٍ شديدٍ، كيف تقوم الجمعيات الصهيونية الاستيطانية بشراء البيوت والذمم في قدس أقداسنا بدعمٍ سخيٍ من الثري اليهودي، أيرفين موسكوفيتش، الذي لا يألو جهداً في تخصيص المبالغ الخيالية من أجل تحقيق الهدف، هم يفعلون ونحن نقف موقف المتفرج، وكأنّ الأمر لا يعنينا، هل سمعتم عن ثري عربيّ قام بمبادرات اقتصادية أو إنسانية في القدس المحتلة؟ نحن لا نتحدث عن الأنظمة العربيّة الرسميّة، نتحدث عن مبادرات خاصة لأثرياء عرب يملكون المال لمساعدة أهالي القدس.

ما هو السبب الذي يدفع هؤلاء الأثرياء العرب على الإحجام عن استثمار الأموال في القدس؟ لا نريد منهم أن يفهموا بأنّ الشعب الفلسطيني هو شعب المتسّولين، لا، عليهم أن يفهموا أنّ السلطات الإسرائيلية الرسمية والجمعيات الخاصة تعمل على تهجير أهالي القدس وتمارس سياسة التطهير العرقي في المدينة المقدسة، والوضع يتحول يوماً بعد يومٍ من سيىء إلى الأسوأ وهم يتفرجون ويواصلون الاستثمار في ملاعب الكرة الأوروبية.

التطهير العرقي الذي تمارسه الدولة العبرية عن طريق بلدية الاحتلال يشمل في ما يشمل هدم المباني العربيّة، فرض الضرائب الباهظة على المقدسيين المرابطين على أرض الآباء والأجداد، وأساليب أخرى من إبداع الفكر الصهيوني، السكان العرب في القدس بحاجة إلى دعم مالي ومعنوي على حدٍ سواء، لا عن طريق البيانات التي لا تساوي الحبر المكتوبة فيه، إنّما بحاجة إلى آليات عملية لوقف مسلسل التهجير والتطهير العرقي في القدس، نحن بحاجةٍ إلى مشاريع اقتصادية بأموالٍ عربيّةٍ لصد العدوان الإسرائيلي، لأنّ المادة في زمن العولمة باتت القضية الرئيسية لمجابهة الأطماع غير المحدودة للصهيونية ولزبانيتها. الإدعاءات العربية الممجوجة بأنّ للقدس شعباً يحميها هي إدعاءات أكل الدهر عليها وشرب، وحتى لا نصل إلى نقطة اللا عودة، يجب تجنيد رؤوس الأموال العربية لدرء هذا الخطر المحدق بالأمّة العربيّة بشكل عام، وبالشعب الفلسطيني بشكل خاص، وبما أنّ السلطة الفلسطينية غير قادرة أو لا تريد لوحدها الدفاع عن القدس وعن المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، فإنّ الأمر بات أكثر إلحاحاً من ذي قبل. ولكي نكون على بينّة من الأمور يجب التشديد على أنّ الأعذار مرفوضة جملةً وتفصيلاً، فالقدس العربيّة هي منطقة محتلة، وبالتالي يسمح القانون الدولي للأثرياء العرب باستثمار الأموال فيها وإنقاذها من الصهيونية، التي كشّرت عن أنيابها وما زالت تصول وتجول في القدس المحتلة بدون حسيبٍ أو رقيب، وعندما قال بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال، إنّ جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل منذ عدوان الخامس من حزيران عام 1967، قاموا بالبناء في القدس العربيّة، فللأسف الشديد نجد أنفسنا مكرهين على القول الفصل إنّ أقواله صحيحة مائة بالمائة، أي أننّا نحن العرب من المحيط إلى الخليج، نواكب ونتابع عملية سلب القدس من أيدينا دون أن نحرك ساكناً؟ هل تقبلون يا عرب وهل توافقون يا مسلمين على أن تكون رأس حربة الإمبريالية العالمية، الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، باراك أوباما، في خط الدفاع الأول عن القدس، وتحاول أن تمنع الإسرائيليين من مواصلة انتهاك حرمات مساجدنا وكنائسنا؟

هل توافقون يا عرب ويا مسلمين على أن تتحول أمريكا إلى وصيّة على أماكننا المقدسة، ونحن لا نفعل شيئاً؟ هل تنقصنا الخامات أو الطاقات أو الثروات لكي نمنح الآخرين فرصة مواصلة السيطرة على القرار العربيّ الرسمي والشعبي؟

إنّه فعلاً من المشاهد السريالية أو العبثية، أو الاثنين معاً، أن تقف الشعوب العربيّة، كالأنظمة التي تحكمها بالحديد والنار، موقف المحايد في أهم قضية من قضايانا، ومن السذاجة بمكان أن نعتقد بأنّ هناك أزمة حقيقية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الدولة العبرية حول البناء في القدس المحتلة، إنّ ما يجري اليوم هو خلاف بين صديقين حميمين، سرعان ما سيجد طريقه إلى الحل، إنّه خلاف على سلم الأولويات وليس على الجوهر، وبالتالي حان الوقت لأنْ تتضافر الجهود، جهود الأثرياء العرب من أجل المساهمة في الدفاع عن القدس وعن المسجد الأقصى وعن كنيسة القيامة، لأنّه إذا فقدنا القدس لن نتمكن من إعادتها، أمّا إذا أردنا شراء فريق كرة قدم هنا أو هناك، فإنّ الأمر سيبقى قائماً أبداً، والمفارقة أننّا نضطر لتوظيف مسألة الاستثمار في القدس، ونقارنها بكرة القدم، فهل هذه علامات الآخرة؟

' كاتب من فلسطين