خبر الكيمياء: العلاقات أقوى من الاشخاص .. اسرائيل اليوم

الساعة 02:15 م|25 مارس 2010

بقلم: البروفيسور، ابراهم بن تسفي

البيان الرسمي المشترك، الذي نشر في أعقاب لقاء الرئيس اوباما ورئيس الوزراء نتنياهو أول أمس، وصف الاجواء التي سادت في لقاء القمة بينهما بأنها "طيبة". ومع ذلك، من الصعب الافتراض بأن يكون نجح في أن يخفي، دفعة واحدة، كل مصادر وتعابير النهج الشكاك والمتحفظ الذي يميز سلوك البيت الابيض تجاه اسرائيل. وذلك، على نحو خاص في ضوء المنشورات الاخيرة عن اقرار البناء في فندق شيبرد في حي الشيخ جراح، منشورات رافقت بضجيج لاذع اللقاء بين القائدين.

        ولكن حتى قبل أن يبدأ فصل الشيخ جراح كتب الكثير عن أهمية الكيمياء الشخصية بين القائدين كعنصر أساس في هامش العلاقات. وبالفعل، ظاهرا يوجد حق في ذلك لان مدماكا مركزيا في الثقافة السياسية الامريكية يكمن في الميل للاشراف على المحيط الدولي انطلاقا من زاوية نظر شخصية صرفة.

        التاريخ الامريكي مليء بالحالات التي شعر فيها زعماؤها بالاهانة في ضوء ما وصفوه كسلوك غير مصداق لمحادثيهم، اصدقاء وخصوم على حد سواء. وحتى رؤساء مشبعين بالذكاء في الساحة الداخلية، مثل فرانكلين ديلنو روزفلت، اعتقدوا اعتقادا صوفيا حقا بأهمية العلاقة الشخصية المباشرة، الحارة والبانية للثقة بينهم وبين حكام الكرملين. بل انهم رأوا فيها مفتاحا لاقامة نظام عالمي مستقر.

        وعليه فقد وبخ الرئيس ترومان بشدة وزير الخارجية السوفياتي مولوتوف بعد ان اكتشف لمفاجأته ان الاتحاد السوفياتي خرق اتفاقات يالطا. ترومان وجد صعوبة في أن يفهم بأن "العم جو" (هكذا وصف هو رب عمل مولوتوف المجرم، يوسف ستالين) خرق اتفاقات مكتوبة وصريحة وقعت منذ وقت غير بعيد. خيبة الامل الشخصية هذه طبعت، ظاهرا، في أساس قراره تشديد السياسة الامريكية في المجال ما بين الكتلتين. وذات الأمر يقال أيضا بالنسبة للرئيس جو كندي الذي تأثر شديدا من أن وزير الخارجية السوفياتي، اندريه غروميكو، الذي التقاه منذ شهر فقط من انكشاف قاعدة الصواريخ السوفياتية في كوبا، نفى على مسمعه النية لنصب سلاح هجومي على أراضيها.

        ولكن رغم أهمية البعد الشخصي، ورغم الميل الامريكي لرؤية المستوى بين الدولتين كانعكاس مترابط بالمستوى الشخصي، ففي نهاية اليوم تتقرر سياسة الخارجية والأمن – بما في ذلك للدولة العظمى – على اساس اعتبارات باردة وواعية للمصلحة الوطنية، وليس على أساس ضغائن ورواسب: سواء كانت مبررة ام مدحوضة.

        في المجال الامريكي – الاسرائيلي يمكن العثور على طيف واسع من الحالات التي اتسعت فيها، تفرعت وتطورت الشراكة الاستراتيجية رغم منظومة علاقات مركبة، بل وأحيانا محملة بالضغينة والشك، بين الزعيمين. هكذا مثلا، منح هنري كيسينجر تعبيرا في مذكراته عن انفجار الغضب الدوري للرئيس نيكسون على اسرائيل، انفجارات في اثنائها أمر بالتجميد الفوري لكل رزمة المساعدات الامنية والاقتصادية. ولكن في نهاية اليوم والغضب، ورغم جملة التصريحات اللاسامية للرئيس، حسمت دوما المصلحة الوطنية الامريكية ورؤية اسرائيل كذخر استراتيجي هام.

        الرئيس رونالد ريغان طور، في اثناء حرب لبنان، ضغينة لرئيس الوزراء مناحيم بيغن (على خلفية التصعيد في  القتال وأزمة الثقة التي نشبت في أعقابه)، وعلى المدى القصير بادر الى عقوبات عسكرية محدودة ضد اسرائيل. ولكنه لم يتردد في أن يوسع بشكل دراماتيكي نسيج العلاقات الاستراتيجية مع اسرائيل بعد ان ترسبت الأزمة اللبنانية في هامش الساحة. في اثناء فترة ولاية ريغان اجتاز التحالف بين اسرائيل والولايات المتحدة عملية تأسيس، توسيع وتعميق غير مسبوقة. وذلك، رغم أنه بين الرئيس وبين اسحاق شامير (وليس فقط بينه وبين سلفه مناحيم بيغن) لم تنسج محبة شخصية عميقة على نحو خاص.

        بمرور أكثر من سنة من بدء ولايته ينشأ الانطباع بأن نهج الرئيس الـ 44 تجاه اسرائيل ورئيس وزرائها لن يكون مفعما بالعطف والشفقة الزائدة، حتى بعد اللقاء الاخير الذي انعقد أول أمس.

        ولكن هذه الحقيقة بحد ذاتها لا يفترض أن تكون مصدر قلق زائد. فبعد كل شيء، فان زعيم القوة العظمى هو ايضا ليس حرا في أن يعمل على أساس العطف الشخصي في تصميم سياسة الخارجية والأمن. طالما بقيت قواعد اللعب الاساس، وطالما جرت منظومة العلاقات في اطار "المجال المحصن" للتفاهمات وأنماط السلوك المقبولة والمتجذرة جيدا (التي تتضمن ايضا اتفاقات حول عدم الاتفاق) فان انعدام المحبة الشخصية لا يفترض به ان يعرقل الحفاظ على العلاقات بل وتطويرها. في نهاية المطاف هذا زواج سياسي وليس رومانسيا.