خبر اصبع خفيفة على الزناد .. معاريف

الساعة 12:54 م|24 مارس 2010

بقلم: يريف اوبنهايمر

(الأمين العام لحركة سلام الان)

الحكم بالموت – هذه هي العقوبة التي حكم بها جنود الجيش الاسرائيلي على فتى فلسطيني في السادسة عشرة وشاب فلسطيني في العشرين أرادا التظاهر في السبت الاخير على تنكيلات المستوطنين قرب مستوطنة براخا. بعد ذلك من الغد أطلق جنود الجيش الاسرائيلي النار وقتلوا فتيين في حادثة عرفها متحدث الجيش الاسرائيلي على أنها "محاولة القيام بعملية بواسطة مذراة"، لكن بعد ذلك بساعات تبين أن الجنود هنا أيضا لم يتعرضوا لخطر مباشر. فالمذراة التي كانت هناك بقيت على الأرض وشعر الجنود بالتهديد بزجاجة مكسورة ومحقن. من السهل جدا تجاهل الأحداث التي تمت في موقع هناك كما يرى اكثر الاسرائيليين، وراء جبال الظلام، في أراضي قرية عراق بورين قرب نابلس. لكن الواقع الصعب الذي لفظ فيه شابان فلسطينيان أنفاسهما بلا سبب حق يجب أن يؤثر في كل اسرائيلي يخاف على أخلاقية الجيش الاسرائيلي ومعاملة قوات الأمن للمتظاهرين العرب.

في موازاة صراع الجيش الاسرائيلي مع الفلسطينيين، ما زال ضباط الجيش الاسرائيلي في المنطقة يبلغون منذ أشهر عن تصعيد أعمال فتيان التلال اليهود في لواء نابلس، وعن حوادث واخلال بالنظام يبادر اليهما عشرات المستوطنين المقنعين وقد اصبح المسلحين بالعصي والحجارة أمرا عاديا. اطارات سيارات الجيش الاسرائيلي تثقب، وسيارات الفلسطينيين تحرق وأخذ الاخلال بالنظام تحت عنوان "المجازاة" يتسع. ومع ذلك كله لم تنته أي حادثة بجرح طفيف لواحد من المتظاهرين من المستوطنين. عندما يعرف الجيش الاسرائيلي أن الحديث عن مواطنين اسرائيليين يهود يتم الحفاظ على اطلاق النار بحرص شديد وتضبط قوات الأمن نفسها ولو كان ثمن ذلك فقدان السيطرة ولا تجرؤ على اطلاق النار على المتظاهرين بل ولا على اطلاق قنبلة غاز واحدة.

لكن عندما يتظاهر في منطقة مشحونة بالغضب والألم فتيان وأولاد فلسطينيون، يتغير وجه الجيش الاسرائيلي وتصبح الأصبع مرة أخرى خفيفة على الزناد. في الحوادث الاخيرة يعترف ضباط الجيش الاسرائيلي ايضا بأن الجنود لم يتعرضوا في أي مرحلة للخطر على حياتهم وبأن الجنود في الميدان "تجاوزوا الأوامر العسكرية"، ولهذا حدث موت الفتيان الفلسطينيين الذي لا داعي له. من الفضول أن نذكر أنه لم ترد في جميع التصريحات لوسائل الاعلام أي كلمة أسف او عزاء او مشاركة في الألم، وينبغي افتراض أن الجنود الذين اطلقوا النار أيضا لن يحاكموا وسيستمرون على نشاطهم العادي في المنطقة. بل ان المستوى السياسي اختار الصمت، فلا يوجد أي كشف انساني عن مشاركة في الألم وأسف للموت الذي لا داعي له من أي جهة رسمية في دولة اسرائيل.

كذلك اختار الاعلام الاسرائيلي في الأكثر أن يتناول هذه الأحداث كتحصيل حاصل، وبقيت وجوه الضحايا من نصيب وكالات الأنباء الأجنبية، وبثت صرخات ألم أبناء العائلة في محطات التلفاز العربية فقط. وقد بث في الجمهور الاسرائيلي تقرير مختصر عن "محاولة القيام بعملية" أخرى أحبطت، والضحايا الفلسطينيون هم المعتدون وتحقيقات الجيش الاسرائيلي لا تحظى بابراز زائد.

يمكن فقط أن نتخيل كيف كانت تبدو عناوين الصحف لو أن الشرطة الفلسطينية هي التي قتلت متظاهرين يهوديين هبطا الى احدى القرى في المنطقة لتنفيذ عمل انتقامي. لكن عندما يكون الحديث عن اسم عربي يصعب النطق به وعندما يقف الجهاز العسكري كله على أطراف اصابعه للطمس على الحادثة والاستمرار قدما، فلا سبب يدعو الى ألا تجد الضحية القادمة باطلاق النار "خلافا للأوامر العسكرية" موتها في الايام القريبة.