خبر هل يريد الاحتلال حقاً استدراج الفلسطينيين إلى الانتفاضة؟ .. هاني المصري

الساعة 01:06 م|23 مارس 2010

بقلم: هاني المصري

هناك فكرة يكررها، مؤخراً، بكثرة، بعض السياسيين والكتّاب والصحافيين الفلسطينيين والعرب، مفادها أن الاحتلال يستهدف من الاستفزازات والتصعيد الأخير جر الفلسطينيين مجدداً الى مربع المقاومة والانتفاضة حتى يتهرب من استحقاقات العملية السياسية وإلحاق الدمار والخسائر الفادحة بالفلسطينيين.

هذه الفكرة بدعة تحاول تضليل الفلسطينيين وقلب الحقيقة رأساً على عقب.

للتدليل على صحة ما يذهبون إليه يستشهدون بما حدث في الانتفاضة الثانية حيث استدرج الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين لاستخدام السلاح حتى يقوم باستخدام تفوقه العسكري لإلحاق الهزيمة والدمار بهم.

اعتمد المشروع الصهيوني منذ الغزوة الاستعمارية الاستيطانية الأولى على الاستفزاز والقتل والتهجير والعنصرية والمجازر ليس لأنه يهدف لجر الفلسطينيين للمقاومة بل لأنه يستهدف مصادرة الأرض وإحلال شعب محل شعب. لقد قامت دولة إسرائيل على أنقاض الفلسطينيين ومنعهم من حقهم بتقرير مصيرهم. فالهدف كان دائماً منع المقاومة وليس جر الفلسطينيين لها.

فالمشروع الصهيوني منذ نشأته، وإسرائيل منذ قيامها، اعتمدا على القوة والعنف والعدوان من اجل الاستيلاء على الأرض وطرد سكانها وإحلال اليهود بدلاً عنهم ، وعلى أساس أن ما لا تحققه القوة يمكن تحقيقه بالمزيد من القوة.

فالقوة هي الأسلوب الرئيسي لتحقيق الأهداف الصهيونية والإسرائيلية، لان طبيعة الأهداف الصهيونية جذرية ولا يمكن تحقيقها بدون حرب وعدوان واستخدام القوة بإفراط، حتى يفكر الفلسطيني مليون مرة قبل أن يلجأ الى المقاومة بأي شكل من الأشكال، خصوصا الى المقاومة المسلحة.

فمثلما كان يقول موشيه يعلون رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق أثناء الانتفاضة الثانية والوزير الحالي يجب "كي الوعي" الفلسطيني والعمل لتغييره من أحشائه عبر استخدام القوة الهائلة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وجعله لا يفكر مجرد تفكير بالمقاومة، ولكي يقبل بما يريده الاحتلال أو يتعايش مع واقع الاحتلال.

فالهدف الإسرائيلي منع المقاومة بكل أشكالها وليس استدراج الفلسطيني الى المقاومة المسلحة أو الانتفاضة الشعبية.

إن قادة إسرائيل لا يفهمون كيف استطاع الفلسطيني أن يتحمل الأهوال ويواصل إبقاء قضيته حية ومقاومة الاحتلال طوال أكثر من مائة عام رغم الثمن الهائل الذي يدفعه جراء ذلك. فالاحتلال كان يتصور أن الفلسطينيين سيتعبون ويندثرون ويستسلمون وتنتهي قضيتهم مثلما انتهت قضية الهنود الحمر في أميركا الشمالية.

ما سبق لا يعني دعوة للمقاومة المفتوحة دون تفكير، بل تأكيد لحقيقة أكدها الصراع منذ بدايته وحتى الان ومفادها، أنه بدون مقاومة لا توجد قضية فلسطينية. فما دام طريق المفاوضات والعملية السياسية سقط سقوطاً مدوياً، ولا توجد أية آفاق لنجاحه على المدى المنظور لا بديل للمقاومة. فالمقاومة تزرع والمفاوضات تحصد، ومن لا يزرع لا يحصد.

والمقاومة هدفها رفع كلفة الاحتلال حتى نصل الى وضع يخسر فيه الاحتلال أكثر مما يربح عندها ستفكر إسرائيل بالانسحاب وتحقيق السلام. ولكن إذا استمر الاحتلال "احتلال خمس نجوم"، "احتلال بالريموت كنترول،" وقادراً على استخدام السلطة من جهة لكي تكون حاجزاً بين الشعب وبينه، والمجتمع الدولي من جهة أخرى لتمويله، بحيث تحصل إسرائيل على كل مزايا الاحتلال ولا تتحمل أياً من أعبائه وأضراره، فلن يتحقق السلام الذي يحقق الحد الأدنى من المصالح والأهداف والاحلام الفلسطينية ولو انتظرنا مائة عام.

فلا بد من كسر المعادلة القائمة حالياً بشكل جذري، وهذا غير ممكن بدون إعادة الاعتبار لخيار المقاومة والانتفاضة.

فطريق المفاوضات الثنائية بدون مرجعية ملزمة ومع استمرار الاستيطان والعنصرية سقط سقوطاً مدوياً، ولن يؤدي في أحسن الأحوال سوى الى منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً، يمكن أن يحمل اسم دولة ولكنه سيكون أشبه بمحمية إسرائيلية تقوم على البقايا والفتات وليس على حدود 1967 بما فيها القدس.

وما نراه حالياً يقدم صورة عن المستقبل. فهناك تعايش مع الاحتلال وتنسيق أمني فلسطيني - إسرائيلي ومفاوضات تدور حول المفاوضات أو بانتظار أن تبدأ جولة عقيمة جديدة من المفاوضات، مقابل خطوات بناء ثقة وتحسين الأحوال الاقتصادية وفقا لنظرية الحكومة الإسرائيلية الحالية بأن الأمن الإسرائيلي والسلام الاقتصادي أولا الى أن يتم استكمال تطبيق المخططات الإسرائيلية خصوصاً في القدس، وإلى أن يستعد الفلسطينيون لقبول السلام الإسرائيلي، بعد أن يتم ترويضهم وإخضاعهم وإنشاء شرائح فلسطينية من مصلحتها قبوله.

في ضوء ما سبق ليس السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نريد مقاومة أم مفاوضات؟. فلا بديل عن المقاومة.

إنما السؤال هو: أية مقاومة نريد؟ أية مقاومة نحتاج؟

فإذا كانت المقاومة للاحتلال حقاً وواجباً، يكرسه القانون الدولي وجميع الشرائع الدينية والدنيوية إلا أن ذلك لا يعني استخدام جميع أشكال المقاومة في جميع الأوقات وضد كل الأهداف وأينما كان. فالمقاومة وسيلة يجب أن تخضع للمصلحة الوطنية وللبرنامج الوطني ولمرجعية واحدة، ولحسابات الجدوى والربح والخسارة.

فالمقاومة المسلحة قد تكون هي الأجدى في ظروف معينة، بحيث يجب أن تكون الأسلوب الرئيسي من أساليب المقاومة. وقد تكون غير مناسبة بحكم الظروف وخصائص الصراع وموازين القوى والأوضاع المحلية العربية والإقليمية والدولية.

ففي ظل مساحة فلسطين الضيقة، ووجود أكثر من نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه وتقسيم الفلسطينيين الى ضفة غربية وقطاع غزة وفلسطيني 48، وفي ظل الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني المدمر، والهوان العربي المترافق مع التمزق والتبعية والخاضع لنظام العولمة المسيطر عليه من قطب واحد، ما يؤدي الى عدم وجود دعم عربي ودولي للمقاومة المسلحة فإن الكفاح المسلح ليس هو الأسلوب الرئيسي للمقاومة.

لا يعني ما سبق إلقاء السلاح أرضاً والتخلي عن المقاومة المسلحة قبل تحقيق أهدافها، ولا إدانتها ووصفها بالإرهاب، بل يجب الاحتفاظ بحق الفلسطينيين باستخدام المقاومة المسلحة، والاستعداد دائما لذلك حتى يشعر العدو بأن هناك بدائل وخيارات متعددة أمامهم.

يمكن حاليا اللجوء إلى المقاومة الشعبية السلمية بكل أشكالها، والى المقاومة المسلحة إذا تغيرت الظروف. فلا يبقى على ما هو إلا هو. والمنطقة حبلى بإرهاصات التغيير.

تأسيساً على ما تقدم فان تصوير المقاومة المسلحة أو الانتفاضة الشعبية وكأنهما تحققان ما يريده الاحتلال بينما المفاوضات والعمل السياسي هما الطريق المثمر، وما يرفضه ويخشاه الاحتلال، إنما هو دليل قاطع على العجز ومحاولة للخداع والتضليل.

فلا يوجد عملية سلام جادة ضاغطة حقا على إسرائيل حتى نقول إنها تسعى لجر الفلسطينيين نحن المواجهة العنيفة حتى تتهرب من الاستحقاقات السياسية. فالاحتلال يمر بظروف مريحة بالإجمال لم يسبق لها مثيل، تتخللها أحيانا بعض الأزمات والخلافات بين اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية، ولكنها خلافات بين الأصدقاء ولا تمس بالدعم المطلق الأميركي لإسرائيل، كما صرح باراك اوباما مؤخرا بعد الأزمة التي شهدتها العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد الصفعة الإسرائيلية لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن، المتمثلة بالاعلان عن مشروع استيطاني ببناء 1600 وحدة استيطانية في القدس في مستهل زيارته للمنطقة.

لقد تم حل الخلاف الاخير من خلال تراجع الإدارة الأميركية عن الجزء الأهم من مطالبها، مثلما تراجعت سابقا عن مطلبها بتجميد الاستيطان وعن وعدها بتقديم مبادرة سلام قادرة على حل الصراع خلال عامين.

إن إسرائيل إذا فرضت عليها المقاومة التي ستقوم دائما ردا على الاحتلال، تفضل أن تكون مسلحة لأنها تستطيع أن تستخدم تفوقها العسكري لإلحاق الهزيمة والضرر البالغ بالفلسطينيين وحسم المعركة بسرعة، لذلك تسعى، إذا كان لا بد أن يكون هناك مقاومة، لجر الفلسطينيين الى المقاومة المسلحة، بدون أن يلغي ذلك أنها ضد جميع أنواع المقاومة المسلحة والسلمية.

إن إسرائيل ماضية في تنفيذ مخططاتها، سواء إذا كان هناك مقاومة مسلحة أو شعبية، أو لم يكن هناك أي نوع من المقاومة بكل أشكالها، ولكنها تستطيع أن تنفذ أهدافها بسرعة اكبر وتكاليف اقل إذا حلت المفاوضات بدلا عن المقاومة وكانت وفقا للشروط الإسرائيلية، أي إذا ساد الهدوء والتعايش مع الاحتلال فإنه يصبح احتلالاً هادئاً ومريحاً بصورة اكبر وأكبر باستمرار!!.