خبر حرب المستوطنين .. عبد الستار قاسم

الساعة 11:17 ص|22 مارس 2010

بقلم: عبد الستار قاسم

ماذا تخبئ سرائيل والولايات المتحدة لنا فيما يتعلق بالاستيطان إذا استمرت الأوضاع العربية والفلسطينية على هذا الترهل والضعف والموالاة للعدو؟ تقديري أن الأوضاع في الضفة الغربية ستتدهور بالمزيد، وسنجد المستوطنين يوما يشنون حربا علينا باسم حرب التحرير، بالضبط كما فعلوا ضد بريطانيا مع اختلاف الظروف.

ستستمر إسرائيل بغض النظر عن الحزب أو الائتلاف الذي يحكم بتشجيع الاستيطان سواء على مستوي إقامة مستوطنات جديدة أو توسيع ما هو قائم، وستستمر بمصادرة الأراضي وصناعة الذرائع المختلفة لنشاطاتها الاستيطانية. ترفع وتيرة الاستيطان تارة، وتارة تنحني قليلا، لكن منحنى البناء الاستيطاني سيستمر بالتصاعد، وسيستمر رفع عدد المستوطنين القاطنين في الضفة بما فيها القدس. هناك الآن مجتمعان في الضفة الغربية: مجتمع فلسطيني ينتشر في تجمعات سكانية منتشرة بصورة واسع إلا من الأغوار، وتجمعات سكانية يهودية تتكاثر سكانا ومواقعا. ترتبط التجمعات السكانية الفلسطينية بعضها ببعض ببنى تحتية غير متطورة، ويسهل فصلها بعضها عن بعض من قبل إسرائيل بواسطة الحواجز، بينما ترتبط التجمعات الصهيونية ببنى تحتية متطورة وبخدمات تجعل الحياة سهلة، ولا يهددهم إلا القليل من العمل الفلسطيني المقاوم.

ما أتوقعه هو ان المستوطنين سيصلون إلى مرحلة حمل السلاح على مستوى واسع ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهم مؤهلون لذلك تدريبا وتنظيما وتسليحا وبإشراف حكومي، وبحجج الدفاع عن النفس ضد ما يسمونه الإرهاب والإرهابيين. سيقومون بالهجوم على سكان القرى والمدن الفلسطينية لتحقيق هدفين: طرد السكان تحت الضغط الأمني والتضييق الاقتصادي، ورفع درجة عزل التجمعات بعضها عن بعض ليتحول كل تجمع إلى فلك من أفلاك المستوطنات. يأمل الصهاينة أن يؤدي هذا إلى تخفيف عدد السكان في الضفة الغربية، وإلى سيادة "المجتمع الصهيوني" وتحويل المجتمع الفلسطيني إلى مجرد تابع يعيش غريبا مهمشا على أرض لا سيادة له عليها.

في هذا، سيكرر الصهاينة تجربتهم مع الجليل الذي مر عليه سنوات وهو مميز بطابعه العربي الفلسطيني. مرت رئيسة وزراء إسرائيل يوما بالجليل فعلقت مستاءة بأنها شعرت وكأنها في سوريا بسبب كثرة القرى العربية وقلة السكان اليهود. قامت إسرائيل في أواخر الستينات والسبعينات بحملة تهويد الجليل، ونجحت إلى حد كبيرعلى الرغم من الاحتجاجت الفلسطينية المتكررة وأبرزها احتجاجات يوم الأرض لعام 1976. الأسلوب ذاته يتم تنفيذه بالضفة الغربية مع الفارق بوتيرة التنفيذ، إذ كانت مهمة تهويد الجليل بالنسبة لإسرائيل أسهل بكثير من مهمة تهويد الضفة الغربية بسبب البعد الدولي الذي يتطلع إلى حل للصراع الدائر واختلاف ظروف المنطقتين السياسية.  

الولايات المتحدة ستسهل عمل إسرائيل الاستيطاني كما سهلته عبر عشرات السنين الماضية مع تطعيم التسهيل باستنكارات ومعارضة بين الحين والآخر، ومع بعض عبارات الترضية للأذناب العرب. الولايات المتحدة تؤيد الاستيطان، وتدعم إسرائيل في كل ما تعمل، وإن احتجت فذلك بهدف التخفيف من إحراج حلفائها و عملائها العرب والفلسطينيين.

المستوطنون سيقومون بهجومهم التدريجي على فلسطينيي الضفة الغربية، وتدريجيا يتحول دور جيش إسرائيل التمثيلي إلى مشرف عام على منع الصراع الدموي بين الفلسطينيين والمستوطنين، وسيحاول ارتداء صورة الحامي للفلسطينيين من هجمات المسوطنين، أو ذلك الذي يفصل بين طرفي المعادلة. سنجد المستوطنين يبادرون ويفعلون فعلهم، وسنرى تدخلا من قبل الجيش بين الحين والآخر بطريقة تسترعي انتباه وسائل الإعلام، وتستقطب مديح الدول الغربية وبعض الدول العربية. وتدريجيا سيصبح هناك مطلب فلسطيني وعربي بضرورة تدخل جيش إسرائيل لحماية المدنيين الفلسطينيين غير الآمنين. لا يستغربن أحد أن أحد قرارات مؤتمرات القمم العربية القادمة سيكون مطالبة الجيش الإسرائيلي بردع المستوطنين وذلك بدخول القرى والمدن الفلسطينية والعسكرة فيها، والتحقيق العادل بقضايا قتل سكان عورتا أو الولجة أو بيت أمر.

وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه الآن فإنه من المتوقع ألا يأتي المبعوث الأمريكي إلى المنطقة للبحث في عملية المفاوضات، وإنما من أجل إقناع إسرائيل باستعمال جيشها ضد المستوطنين بحزم أكبر، والعمل على التقليل من غلواء المستوطنين. الدور الأمريكي يبقى تمثيليا، وستتحول الضفة الغربية إلى مسرح للمستوطنين يقيمون فيه حكما ذاتيا متصلا بإسرائيل، وسنجد إسرئيل عضوا مشاركا في الحراك الدولي من أجل إلغاء الحكم الذاتي الاستيطاني لكي يتمكن الفلسطينيون من التنفس.

هل سنصل حتما إلى هذه المرحلة؟ الأمور تسير بهذا الاتجاه، لكن تقديري أن المنطقة مقبلة على تحولات كبيرة وجذرية بسبب التغير الذي طرأ على ميزان القوى، والذي ستدفع إسرائيل ثمنا بسببه. هذا الثمن سيؤثر على وضع الضفة الغربية لغير صالح المستوطنين.