خبر فقاعات.. مجرد فقاعات .. بثينة شعبان

الساعة 11:15 ص|22 مارس 2010

بقلم: بثينة شعبان

وسط زحمة من التصريحات والتعليقات والتحليلات حول العلاقة الأميركية - الإسرائيلية وما جرى منذ زيارة جو بايدن لإسرائيل وما يسمى بالشروط الأميركية الأربعة لإسرائيل، كتب مارك بيري مقالا في مجلة «السياسة الخارجية» بتاريخ 13 مارس (آذار) 2010 بعنوان: «إيجاز بترايوس: إحراج بايدن ليس كل القصة». وقد شرح بيري أنه في السادس عشر من يناير (كانون الثاني) من العام الحالي قام فريق من ضباط القيادة المركزية ومسؤولين عن مصالح الأمن الأميركي في الشرق الأوسط بتقديم عرض في البنتاغون لهيئة الأركان المشتركة التي يرأسها الأدميرال مايكل مولين حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وكان هذا الفريق قد أرسل من قبل رئيس هيئة الأركان الجنرال ديفيد بترايوس ليؤكد على «قلقه من عدم التوصل إلى حل للنزاع».

وكان ملخص العرض أن العرب بدأوا يقتنعون بأن الولايات المتحدة لا تستطيع ردع إسرائيل، ولذلك فإن العرب بدأوا يفقدون ثقتهم بالولايات المتحدة ووعودها، وأن التعنت الإسرائيلي في مسألة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يشل موقع ودور ومكانة الولايات المتحدة في المنطقة. وأضاف العرض أن «الولايات المتحدة لم تصبح فقط ضعيفة في نظر العرب، بل إن موقعها العسكري في المنطقة يتلاشى» على الرغم من وجود مئات الآلاف من الجنود الأميركيين في المنطقة. ويقول بيري إن الإيجاز الذي قُدم إلى مولين بطلب من بترايوس كان له وقع القنبلة على البيت الأبيض، ولذلك فإن إدارة أوباما أرسلت مولين إلى لقاء مع غابي أشكينازي. ويضيف مارك بيري أن بايدن نقل فحوى تقرير مولين - بترايوس إلى نتنياهو بقوله: «لقد أصبح الأمر خطيرا بالنسبة لنا. إن ما تفعله هنا يهدد أمن قواتنا المقاتلة في العراق وأفغانستان وباكستان، وهذا يعرضنا ويعرض الأمن الإقليمي للخطر». لقد كانت الرسالة في غاية الوضوح، كما يقول بيري، «إن التعنت الإسرائيلي يكلفنا حياة أميركيين». ويختتم بيري مقاله بالقول: «في الوقت الذي يظن فيه البعض أن زيارة بايدن إلى المنطقة قد غيرت العلاقة الإسرائيلية – الأميركية، فإن التغيير الحقيقي حدث في يناير (كانون الثاني) الماضي حين أرسل ديفيد بترايوس تحذيرا واضحا إلى البنتاغون من خلال الفريق الذي قدم العرض: إن علاقة أميركا بإسرائيل مهمة، ولكنها ليست في أهمية حياة الجنود الأميركيين».

هذه الإضاءة الحقيقية على كل ما نشر في الإعلام منذ زيارة بايدن إلى حد اليوم مهمة جدا، لأنها ترى أن هذا العرض الأميركي يدرك ترابط الأمور بين فلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي من جهة، وما يجري في العراق وأفغانستان وباكستان من جهة أخرى. كما أنه يعترف، ولو بشكل غير مباشر، أن قضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة هي جوهر ما يجري في المنطقة ولا يمكن لهذه المنطقة أن تهدأ إلا بعد إحلال العدالة في فلسطين وتحرير شعب فلسطين من الاضطهاد الصهيوني وإعادة الحقوق العربية كاملة.

إن فحوى هذا القلق مستمد من لقاءات عقدها الفريق المكلف بإعداد هذه الدراسة مع قادة عرب ومسلمين، معروفين بمطاوعتهم للرغبات الغربية، الذين عبروا عن عدم قدرتهم على الاستمرار في إسدال الصمت المطبق، كما هو جار حاليا، على ما يقوم به المتشددون الإسرائيليون من جرائم يومية بحق الفلسطينيين من قتل واغتيال وعنف وتهويد إحدى أقدس مقدسات المسلمين. ولكن الرسالة الحقيقية التي يجب أن يسمعها الغربيون هي رسالة أصحاب الشأن، رسالة القادة العرب المعنيين بحماية المقدسات العربية الإسلامية. وكلما كانت هذه الرسالة قوية وواضحة وجدية، اضطر الآخرون إلى أخذها بجدية والتوقف عندها مليا.

إن أسبوعا من التكهنات عن مسار الأمور في العلاقة الأميركية - الإسرائيلية لم يؤد إلى فك أسير فلسطيني واحد، أو حماية بيت مقدسي من الهدم، أو السماح لفلسطينيين عزل بالصلاة في المسجد الأقصى، ولم تتعد المواقف الأميركية والأوروبية والرباعية النقد اللفظي للاستيطان كالتعبير عن «القلق» المترافق مع التأكيد على التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالطبع التأكيد للمرة المليار على التزام الولايات المتحدة والغرب بـ«أمن إسرائيل» من دون أي اعتبار لأمن الفلسطينيين وحريتهم وحقوقهم. هذا الالتزام الذي يعني تمويل الاستيطان، وتوفير الدعم العسكري، والحماية الدولية له، مما يجعل من كل هذه المواقف الغربية مجرد فقاعات لفظية إعلامية؛ ما إن تظهر هنا وهناك حتى تنفجر في وجه متداوليها. فعلى الرغم من كل العنف الإسرائيلي الذي استخدمته قوات الاحتلال ضد المصلين في القدس، وعلى الرغم من قتل وجرح واعتقال المدنيين المتواصل في الضفة، وعلى الرغم من قصف الطائرات الإسرائيلية لغزة المحاصرة منذ ثلاث سنوات، فإن ممثلة الاتحاد الأوروبي استنكرت العنف «من الطرفين» ولم تستنكر ملاحقة الجنود الإسرائيليين للمقدسيين بالكلاب والسلاح، وقتل الأطفال، واعتقال المدنيين وتهجيرهم، وهدم المنازل الفلسطينية بهدف تهجير أصحابها الأصليين وإحلال المستوطنين اليهود بدلا منهم.

إن جميع تلك التصريحات الغربية تبقى مجرد فقاعات إعلامية إذا لم تترافق بالأدوات التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع العرب والمسلمين، كإصدار قرار ملزم من قبل مجلس الأمن ترافقه العقوبات. ولكن لهذه الفقاعات هدفين في اتجاهين في السياسة الأميركية: الأول في إبعاد النظر عن الجرائم الإسرائيلية اليومية ضد المدنيين الفلسطينيين العزل. وثانيا: في مساعدة من لا يريدون من العرب اتخاذ خطوات واجبة لدعم الشعب الفلسطيني، ولكن لمن يتوقع أن تدعم الولايات المتحدة وأوروبا قضية العدالة والحرية في فلسطين كما دعمتها في كوسوفو مثلا، نقول: هيهات! فمعاداة العرب والمسلمين سياسة رسمية أميركية ثابتة، ومثل هذه الفقاعات تخدم إبقاء الشعب الفلسطيني أعزل من أي دعم حقيقي في صراعه مع قوة تجهز على حقوقه وحياته ومستقبل أبنائه، ولذلك ترى البعض يتوسم الخير في إدانات وتصريحات لا تفصم عرى الدعم الأميركي لكل مشروعات الصهاينة الاستعمارية المستمرة منذ ستين عاما بينما تستمر في إحكام الخناق على ملايين الفلسطينيين، فتحرمهم من الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وتمنع تحويل أي أموال لهم بعد أن صنفتهم جميعا بالإرهابيين وصنفت حتى الأموال اللازمة لإطعامهم وصحتهم بأنها أموال لدعم الإرهاب.

ولا أعلم لماذا لا تجد الرباعية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لغة أقوى لتستخدمها مع إسرائيل من كلمات بائسة مثل «تدعو، وتدين، وتنتقد»، بينما يقفزون فورا إلى فرض العقوبات الصارمة على الدول العربية والإسلامية، وتحريك عواصم العالم لدعم هذه العقوبات وذلك لادعائهم مرة بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، أو أن إيران متورطة في إنتاج قنبلة نووية مرة أخرى، أو أن تلك الدولة تدعم الإرهاب.. وإلخ، من الاختلاقات الوهمية. قد يغدو هذا الإجراء ضربا من الخيال بسبب التحالف الاستراتيجي الأميركي - الإسرائيلي، وبسبب العداء المتأصل في الثقافة والسياسة الغربية تجاه العرب المسلمين، ولكن من الممكن أن يصبح واقعا حالما تتخذ الدول العربية والإسلامية قرارا باعتبار كل من يدعم الاستيطان أو لا يتخذ موقفا حازما حيال الجرائم الإسرائيلية في عداد من يشارك في الجريمة. وهناك إجراءات كثيرة يمكن للعالمين العربي والإسلامي اتخاذها لوضع حد للإذلال الذي يتعرض له شعب فلسطين العربي الذي يبذل جهده لحماية الأقصى بصدور أبنائه العارية بينما يلاحقهم جنود يهود مدججون بالسلاح وبالدعم الأميركي «لأمن إسرائيل».

إن أهمية العرض الذي قدمه فريق بترايوس - مولين هي إشارته الضمنية إلى جدوى الوقفة العربية والإسلامية ليس في وجه الاحتلال الإسرائيلي وحسب، وإنما في وجه كل من يؤيده ويدعمه بالمال والسلاح، وكل من يوفر له الغطاء الدولي كي يستمر في تهويد الأرض والمقدسات، وحقوق شعب أصيل يُقتلع من أرضه ودياره، ويحرم من حريته واستقلاله، ويتعرض لكل أساليب الجرائم ضد الإنسانية أمام مرأى العالم «المتحضر» ومسمعه.