خبر هل لا يزال أمل التضامن العربي قائماً؟ ..بلال الحسن

الساعة 03:32 م|21 مارس 2010

هل لا يزال أمل التضامن العربي قائماً؟ ..بلال الحسن

لا تزال القمة العربية، التي ستنعقد في ليبيا أواخر هذا الشهر، في حالة انتظار: هل تنعقد أم لا تنعقد. وإذا انعقدت، فهل سيحضرها الملوك والرؤساء العرب، ومن المرشحون لمقاطعتها، الذين يشكل غيابهم تحديد مستوى تلك القمة وقدرتها على إنجاز شيء ما، وحين تنعقد برجال الصف الأول أو بمن حضر، فهل ستكون قراراتها فعالة وإيجابية؟ أم ستكون قرارات عادية تتجنب الخوض في المسائل الأساسية المطلوبة؟

 

هذه الصورة حول القمة، تبرز كم أن الخلافات العربية كبيرة وكثيرة، وتفتقد آلية للتصدي لها، وإمكانية تجاوزها. فمن آلية سلامات ولقاءات ود وكفى، إلى آلية تعترف أن الخلافات تنبع من غياب الرؤية السياسية العربية الموحدة، والقوية، التي تلتقي حول المصالح العربية، وصياغتها بطريقة تقول للآخرين كفى لقد تجاوزتم الحدود، وأصبح الأمر يحتاج إلى قرارات دولية تتعامل مع المصالح العربية بجدية، وها نحن نقول لكم بجدية، هذه هي المصالح العربية، وها هي تنبع من فلسطين، ومن تعاملكم الحنون مع عدوانية "إسرائيل". ها هي تنبع من القدس، ومن المساس الصهيوني بها، في عملية استفزاز تاريخية تغضب الفلسطينيين والعرب والعالم الإسلامي.

 

وإذا كانت هناك حاجة إلى موقف عربي موحد وواضح وحازم تجاه السياسة الدولية التي تتجاهل المطالب العربية، فهناك أيضاً حاجة إلى موقف عربي آخر، أساسه الخلاف بين العرب أنفسهم حول السياسات الإقليمية، إذ هناك انقسام واضح في الرؤية العربية حول كيفية التعامل مع السياسات الإيرانية، ومن السياسات التركية المستجدة، ومن الدور العربي في إطار هذه السياسات الإقليمية. وربما يكون هذا الأمر هو الأمر الأصعب الذي تواجهه القمة العربية، والذي لا يبدو حتى الآن أن هناك مناخـاً، أو مبادرات، باتجاه البحث فيه ومعالجته.

 

من دون تمهيد عربي يتداول هذه القضايا قبل القمة، ويعد اقتراحات لكيفية التعامل معها، ستكون القمة العربية القادمة عاجزة عن الإنجاز.

 

يفرز هذا الوضع حاجة إلى حوار عربي مفقود، في وقت شهدت فيه السعودية مهرجان الجنادرية الخامس والعشرين، وموضوعه الأساسي هو الحوار، الذي يرعاه الملك عبد الله بن عبد العزيز، الحوار الداخلي والحوار بين الأديان والحوار بين الحضارات، وانعقدت من أجله ندوة فكرية حضرتها وساهمت فيها شخصيات دولية وعربية مرموقة. وكذلك في وقت تم فيه استذكار مبادرة الملك عبد الله في قمة الكويت العام الماضي، حين دعا الحكام العرب، بادئا بنفسه، إلى التعالي والتسامي على الخلافات والانقسامات، وإنجاز مصالحات سياسية، تقود الوضع العربي نحو حالة من التلاقي والتضامن. وفي إطار استذكار مبادرة الملك عبد الله، نشأت داخل ندوة الجنادرية هذه دعوة إلى إنشاء مؤسسة تنتدب نفسها لنقل تلك المبادرة إلى إطار التطبيق الشامل. حيث الحاجة إلى مصالحات، وحيث الحاجة إلى ما هو أهم من المصالحات، أي إلى صياغة تصور سياسي يوحد الرؤية العربية للمشكلات، ويشكل الأساس الصلب للمصالحات المطلوبة. وربما تكون القمة العربية هي المناسبة الأفضل لبحث مثل هذه المسألة والبت فيها. مع توجيهات لا بد منها، تبلورها القمة، وتحدد أسس المصالح العربية، وتحدد بالتالي كيفية التعاطي مع المشكلات المطروحة. وذلك من أجل أن تنجح هذه المؤسسة المنشودة في أداء مهمتها. وكثيرون يأملون أن تجد هذه الفكرة طريقها إلى التنفيذ.

 

المسألة إذن سياسية في جوهرها. وهي لا بد لها أن تتعامل مع مسائل ملموسة أبرزها:

 

أولاً: موضوع المفاوضات الجارية مع "إسرائي"، فقد أصبحنا أمام سياسات إسرائيلية وقحة، ترفض التعامل مع حقوق الفلسطينيين، وتخالف القانون الدولي بالسعي للاستيلاء على التراث العربي والإسلامي، وذلك بعد أن أوغلت، وخلافاً للقانون الدولي، في فرض تغييرات جغرافية من خلال الاستيطان، وفي فرض تغييرات ديموغرافية من خلال الاستيلاء على الأرض، ومن خلال بناء الجدران العازلة. ولا تتورع السياسة الإسرائيلية الوقحة هذه عن الحديث عن ترحيل فلسطينيي 1948م، تطبيقاً لشعار يهودية دولة "إسرائيل". وتتزامن هذه السياسة الإسرائيلية مع سياسة دولية، من واشنطن إلى اللجنة الرباعية، تتجاهل الشطط الكبير في السياسات الإسرائيلية، وتتعامل مع ذلك الشطط بلطف بالغ وحنان لئيم. وهي تلجأ إلى خداع سياسي كبير، حين تنتقد علناً سياسات "إسرائيل"، ثم لا تتخذ أي إجراء عملي لوقف تلك السياسات. ثم يأتي الموقف العربي، ملايناً ومسايراً، بينما يتطلب الوضع موقفاٍ عربياٍ ضاغطاً وواضحاً وحاسماً.

 

ثانياً: الموقف من السياسات الإقليمية، وخاصة سياسة إيران التي تشكل عنواناً أساسياً في الانقسام العربي.. وليس مطلوباً هنا القول، أو الاكتفاء بالقول، نحن مع سياسة إيران أو ضدها، مطلوب أن تتبلور سياسة عربية إقليمية، تقول هذا هو مطلبنا، وهذا هو ما نريد. وهذا هو ما يعبر عن مصالحنا، من أجل بلورة تضامن إقليمي يضع العرب في قلب المعادلة الإقليمية. وفي حالة كهذه. ستكون الأطراف الأخرى في المجال الإقليمي مجبرة على أخذ وجهة النظر العربية بعين الاعتبار، أما في غياب وجهة نظر عربية، تعبر عن المصالح ولا تكتفي بالرفض والانتقاد، فإن كل طرف إقليمي سيواصل العمل حسب تصوره، وحسب مصالحه. إن نقد السياسة الإيرانية، وصد المواقف السياسية المرفوضة، لا يتم إلا من خلال موقف عربي، موقف يجسد نفسه على الأرض. موقف معلن.

 

بالتوقف أمام هاتين المسألتين، والبت فيهما بحزم ووضوح، وعلى قاعدة رسم سياسة عربية تعبر عن المصالح العربية، ولا تنتقد محوراً من أجل الانحياز إلى محور آخر، تستطيع السياسة العربية أن تنتقل من موقع إلى موقع، وتستطيع الدعوة للتضامن العربي أن تجد طريقها إلى التطبيق.

 

ويمكن عندها لمؤسسة عربية تنشأ عن القمة العربية، وتسعى إلى دعوة الملك عبد الله للحوار والتصالح والتضامن، أن تحقق نجاحا في تغيير صورة الوضع العربي القائم.

 

إن كل عمل سياسي يحتاج إلى قيادة، ويحتاج إلى قائد. ونحن نعيش لحظة عربية تحتاج أكثر ما تحتاج إلى قيادة وإلى قائد.

 

صحيفة الشرق الأوسط