خبر كل الطريق من لينكولين..يديعوت

الساعة 09:33 ص|21 مارس 2010

بقلم: اوري مسغاف

هاكم ملاحظة جغرافية من شأنها أن تثير اهتمام بنيامين نتنياهو في مستهل زيارته الى واشنطن. نائب الرئيس الامريكي جو بايدن وان كان مثُل لمدة طويلة في مجلس الشيوخ دلور، ولكن في الاصل هو من سكرنتون، بنسلفانيا. على مسافة نحو ساعتي سفر جنوبا في ذات الولاية تقع غتسبورغ، المدينة التي القى فيها ابراهام لينكولين خطابه الشهير في التاريخ الامريكي.

كان هذا في 1863، في ذروة الحرب الاهلية الفظيعة التي مزقت الامة. لينكولين زار المقبرة، التي دفن فيها نحو 7 الاف من ضحايا معركة مضرجة بالدماء وقعت على مقربة من البلدة. وأمام جمهور غفير وفي اقل من 300 كلمة، أبنّهم انطلاقا من نظرة الى المستقبل: "يجدر بنا، نحن الاحياء، ان نكرس انفسنا هنا الى المهمة غير المنجزة التي حملوها حتى الان بنبل شديد. يجدر بنا أن نكرس أنفسنا هنا للمهمة العظيمة التي لا تزال توجد أمامنا".

لينكولين كان ولا يزال الرئيس الاكثر اعجابا لدى الامريكيين. قبل سنة فقط تأكدت من جديد مكانته هناك، في استطلاع شامل ضم مئات المؤرخين. وهو يسمى "Honest Abe" ايف المخلص. وهذه نقطة مثيرة للاهتمام: ابناء بلاده معجبون به على شجاعته وزعامته في عهد الحرب الاهلية، ولكنهم اختاروا له لقبا محببا على أسم ميزة هامة اخرى. لا غرو أن القول الاكثر شهرة له يعنى بالصدق. "يمكنك أن تخدع بعضا من الناس لبعض من الوقت"، قال لينكولين، "ولكن لا يمكنك ان تخدع الجميع كل الوقت".

هذه الحقيقة المتكررة اكتشفها نتنياهو وحكومته في اثناء زيارة بايدن. ففي تمام سنة على ولايتهما انتهى اللعب بالعينين. جملة ردود الفعل – الفزعة، المشوشة واحيانا الغاضبة – التي اطلقت من القدس تدل على فجوة هائلة بين الثقافة السياسية الامريكية وتلك المحلية. وجدير التوقف عندها، منعا لمفاجآت اخرى في المستقبل.

نتنياهو يعرض نفسه منذ بداية حياته السياسية كخبير للواقع الامريكي. بيد أن هذه هي الولاية الثانية التي يتورط فيها في شرخ مدوٍ حيال الادارة. غريب الاكتشاف بانه لا يفهم لماذا: أمريكا لا تحتمل عدم قول الحقيقة. لا الاكاذيب البيضاء، لا الحيل المنمقة ولا الغمزات. في هذا الموضوع لا توجد لديهم حلول وسط – من آخر موظفي الهجرة في المطار وحتى الرئيس في الغرفة البيضاوية.

بيل كلينتون كان على مسافة خطوة من التنحية المهينة ليس لانه وسخ فستان متدربة في البيت الابيض بل لانه كذب للامة. ريتشارد نكسون ذهب الى بيته لانه اخفى الحقيقة في تحقيقات ووترغيت. وعليه فانه عندما يتعهد نتنياهو أمام ادارة اوباما بتجميد البناء في المستوطنات وعندها يتبين أن هذا تعهد مع نجمة – فضلا عن "القدس الموحدة"، باستثناء الحلول المتعلقة بـ "النمو الطبيعي"، لا يتضمن "بدايات البناء"، التي سبق أن انطلقت على الدرب – فان الامريكيين يتفجرون.

ما نقل بانه الاقتراح الاسرائيلي الحالي لحل الازمة – استمرار البناء بصمت، دون اعلانات تحرج الادارة – هو في هذا السياق المزيد من ذات الشيء. مشكوك جدا أن يوافق الامريكيون على مثل هذا الهراء.

وبالنسبة لـ لينكولين: بحوث حديثة عن شخصيته التاريخية تميل الى القول الى أن التيجان التي وضعت على رأسه لكونه مقاتلا متزمتا في سبيل حرية وحقوق السود كانت مبالغة فيها. يبدو أن ما كان امام ناظريه هو اكثر من أي شيء آخر التحدي لمواصلة المشروع الفاخر للاباء المؤسسين في ظروف ديمقراطية. كديما أكثر منه ميرتس، بمفاهمينا. ولكن من اللحظة التي اتخذ فيها قرار حياته الحاسم فقد سارع نحو الهدف دون أن يتذبذب يمينا أو يسارا.

اسرائيل بحاجة اليوم الى لينكولين خاص بها. فهل لا يزال يوجد احد ما يؤمن بان نتنياهو مصنوع من هذه المادة؟