خبر فقه الخراب .. خيري منصور

الساعة 12:26 م|18 مارس 2010

فقه الخراب .. خيري منصور

ما أن ترد كلمة خراب أو خربة في فلسطين المحتلة سواء تعلقت بالكنيس أو القرى المدمرة والمترجمة إلى العبرية، حتى نتذكر رواية يزهار سيملانسكي عن "خربة خزعة"، وهو واحد من الضباط الصهاينة الذين ساهموا في التنكيل بالفلسطينيين، وإثارة الهلع لدى أطفالهم عام 1948 بهدف الإسراع في التهجير، وقد تكون رواية سيملانسكي نوعاً من التطهر أو غسيل الدم بالحبر، لكنها تبقى وثيقة على طريقة شهد شاهد من أهلها، فهو يروي تفاصيل تدمير تلك القرية، وقتل أصحابها ومن ثم الرهان السادي بين الجنود على إصابة الحيوانات في مواقع محددة من أجسادها لكن المهر الرشيق والعصي على التصويب والذي أصاب الجنود بالإحباط يبقى شارة عصيان وتمرد ومقاومة في الرواية. ولعل هذا المهر هو الحصان الذي قال عنه لحود درويش لائماً نفسه وأهله والعرب جميعاً، لماذا تركت الحصان وحيداً.

 

تلك بالطبع حكاية أخرى، وإن كانت مترعة بالأسى شأن كل الحكايات المتعلقة بزمن الاحتلال أو الزمن الأصفر كما يسميه الكاتب اليهودي غروسمان.

 

إن للخراب مفهوماً خاصاً في الأدبيات الصهيونية وهو يشمل كل ما يعتقد من اعتنقوا الأساطير أنه من المقدسات اليهودية التي تم الاستيلاء عليها من "الجوييم" أو الآخرين وفق مصطلحات المعجم الصهيوني، وإذا كان الإعلان عن ترميم كنيس الخراب في الخامس عشر من مارس/آذار لهذا العام، فإن التمهيد لهذا الإعلان بدأ منذ وقت طويل وبتزامن مع انتهاك الأقصى، والسطو المسلح والمؤدلج على الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال، والمقصود بهذا الإعلان وما سوف يعقبه من حملات إعلامية هو المشروع المؤجل لما يسمى الهيكل الثالث والذي لا يمكن للحفريات والجرافات أن تنجزه إلا بخلخلة أسس الأقصى وتحويله إلى كيان عمراني هش لا يقوى على الصمود أمام زلزال بأدنى درجات رايختر.

 

الخراب مقترن دائماً بكل الحلقات التي يتشكل منها المسلسل الاستيطاني الصهيوني، والاحتلال بحد ذاته هو خراب شامل، ولا ننسى أن الإعلام الصهيوني يختار مصطلحات ورموزاً من الميثولوجيا اليهودية الملفقة كي يخاطب الوجدان اليهودي، ويعزف على أشد الأوتار حساسية، فقد أطلقت الدولة الصهيونية منذ عام 1965 اسم المخربين على الفدائيين الفلسطينيين، كي تربط بين ما تتصور أنه خراب المعابد والكُنُس وبين المقاومة الفلسطينية تماماً مثلما غيرت كلمة واحدة من كتاب النحو في مدارس الضفة الغربية وغزة عام 1967 عندما حولت عبارة وردت في الكتاب تقول عاد العربي منتصراً إلى عاد العربي زائراً كأنها كانت تمهد سايكولوجياً لما سمي في ما بعد زيارة السادات إلى القدس.

 

ما من مفردة أو حتى فاصلة ترد في هذه الأدبيات الملغومة إلا وتم انتقاؤها بدقة حاخامية وتحت حراسة الجنرالات لأن من طبيعة هذه المشاريع التي تأسست على السطو والاستيلاء المتدرج أن تخلق ما يشبه الشيفرا بين اليهود على اختلاف وجودهم في مناطق شتى من هذا الكوكب.

 

والخراب الحقيقي الذي تُشمّ رائحة دخانه وغباره هو ذلك الذي عبر عنه سيملانسكي عن "قرية خزعة" أو "خربة خزعة" كما سماها عندما جعلها عنواناً لروايته الفاضحة.

 

وتهدف حكومة نتنياهو بتآلفها الدموي من هذا الإعلان إلى إصابة عدة صقور بحجر واحد، فهي تصرف الانتباه عن الاستيطان والأزمة التي نجمت عن استمراره بين تل أبيب وواشنطن، وتخترع قاسماً مشتركاً جديداً بين يهود العالم، وتقيس آخر ما تبقى من مناعة في الدم العربي.

 

صحيفة الخليج الإماراتية