خبر صيادو غزة يصرون على تحدي إجراءات الاحتلال في ملاحقتهم

الساعة 08:58 ص|17 مارس 2010

فلسطين اليوم : غزة والوكالات

تبدو صرخة صيادي الأسماك في قطاع غزة أكثر وجعاً هذا الموسم بعد تقليل قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق الصيد المسموحة، لتشكل الحلقة المميتة والضربة القاضية في سلسلة المعاناة والمشاكل التي تحفل بها مهنتهم.

ولم يدخر جنود الاحتلال جهداً لمحاربة الصيادين في كسب لقمة عيشهم بابتكار الوسائل التي ساهمت في تحطيم قطاع الثروة السمكية، وألحقت به أضراراً فادحة وتدنت قدراته الإنتاجية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسماك.

وشكلت الزوارق الحربية على مدى سنوات أساس معاناة الصيادين، بالإضافة إلى مشاكل كثيرة أخرى تغتني بها حقيبة مهنة المخاطر.

ويتعرض الصيادون لشبكة عنكبوتية من خفر السواحل الإسرائيلي التي تسرح من دون حسيب ولا رقيب في المنطقة الخيّرة بالأسماك والممتدة على طول سواحل القطاع من بيت حانون شمالا مروراً بمدينة غزة ودير البلح وخان يونس وصولا إلى مدينة رفح جنوبا، شبكة تعمل على مطاردة الصيادين الفلسطينيين وملاحقتهم داخل المياه الإقليمية التي تحددها كما يحلو لها.

صيادو القطاع الذين يستغلون قدوم فصل الربيع الهادئ لاصطياد لقمة عيشهم، لا يجدون ملجأ لكم المشكلات التي تغرقهم بعدما باتوا يعيشون تحت هاجس الاعتقال من قبل جنود البحرية الإسرائيلية، التي تضيق الخناق عليهم وتقوم باحتجازهم متى أرادت من دون أي رادع وتحت حجج أمنية واهية.

يقول عبد الحميد النجار صاحب زورق صيد وأب لأربعة أولاد: يمنعنا وجود الطراد الإسرائيلي الذي يجوب على طول الشاطئ من الصيد بحرية، حتى أنهم أمسكوا مؤخرا ببعض الصيادين وهم على مقربة من السواحل بالرغم من أنه لاحق لهم بذلك'.

ويتابع 'منذ فترة يعمدون إلى السطو على شباكنا التي نتركها ونهرب عندما يقترب منا الزورق الإسرائيلي، ولا من يحاسب'، مشيراً إلى أنه 'في السابق كنا نصل حتى أكثر من 20 ميل ولا أحد يعترضنا، بينما اليوم لا نستطيع الإبحار لأكثر من 2 ميل خوفاً من أن يمسكنا جنود الاحتلال..'.

على مقربة من النجار، كان محمد الجوراني الذي يظهر وكأن الهموم كلها على ظهره، يعمل على تنظيف مركبه، يشرح سبب وضعه، ويقول 'منذ الصباح الباكر وأنا أعمل، لكن على ماذا حصلت؟ لا شيء سوى الأوساخ والنفايات، التي علقت بالشباك'.

ويشكي همه 'أصبحنا نعمل لنسدد الديون، فالرزق قليل والأوساخ كثيرة، بالإضافة إلى أسعار معدات الصيد العالية.. أضف إلى ذلك أنه في السابق كنا نذهب إلى حيث نريد، لكن اليوم بتنا محاصرين وممنوع علينا حتى الصيد في مياهنا البحرية'.

ليس بعيداً من هؤلاء، يجلس أبو جمعة، صياد في العقد الخامس من العمر، وحيداً على مركبه، يحاول إصلاح شباكه.

بداية يرفض محمود الذي يبدو عليه أنه عكس المثل القائل، ارم همومك للبحر الواسع الكلام عن الصيادين، ليعود ويقول 'وما نفع الكلام إن كان بلا نتيجة. نحن نتعب كل النهار ولا نتيجة'.

الصياد الذي تحمل ملامحه قساوة الطبيعة، يؤكد بحرقة أنه كان سيحرق هذه المراكب، 'لولا خوفي على أولادي من الجوع'، ويردف 'لا تتعب الكل يتكلم لكن من دون نتيجة ولن تصل إلى أي مكان؛ نحن محاصرون بشبكة صيد كبيرة، تلتف حولنا وتتسع'.

وينهي كلامه بالقول 'في البحر كان المثل، يوم تبكي يوم تفرح، أما اليوم، فأصبح تفرح يوم تبكي عشرة..'.

يذكر أنه بعد توقيع اتفاق أوسلو وبشكل خاص توقيع اتفاق القاهرة عام 1994 تم تحديد مساحة الصيد المسموح فيها للصيادين بـ20 ميلا، وبالرغم من ذلك، لم تلتزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهذا الاتفاق وحولته إلى اتفاق مزاجي فتقلص المسافة من 20 ميلا، إلى 10 أميال لممارسة مهنة الصيد، وبعد ذلك في العام 2004 أصبحت المسافة المتاحة للصيادين حوالي 8 أميال وبعد ذلك 6 أميال، إلى أن أصبحت حاليا لا تزيد عن 3 أميال.

وتعتبر المنطقة التي سمحت قوات الاحتلال للصيادين النزول فيها من ناحية فنية غير صالحة لمعيشة السمك، ولا يوجد فيها مخزون سمك لعدم وجود الصخور التي تعتبر مأوى لها.

محمود اللحام يتحسر على تلك الأيام حين كان يسمح للصيادين النزول إلى البحر بدون أي معوقات، حيث تبلغ المسافة التي كانوا يصلون إليها ما يقرب من عشرين ميلاً في البحر بين رفح جنوبا ومنطقة السودانية في أقصى شمال قطاع غزة؛ ويضيف 'كان ذلك قبل انتفاضة الأقصى إلا أننا لا زلنا هذه الأيام ممنوعين من الدخول عميقاً في البحر وإننا محرومون من الصيد في مياه بحرنا'.

وتحدث محمد أبو حسن (43 عاماً) أحد الصيادين، بينما كان يقف وسط سوق مدينة خان يونس خلف بعض صناديق الأسماك، عن التدهور الذي حل بمهنتهم، قائلاً بمرارة: إنه لم يتمكن من ممارسة الصيد في بحر خان يونس منذ بداية الانتفاضة بسبب الطوق العسكري المفروض على البحر.

وأشار أبو حسن، الذي يعيل أسرة من ستة أفراد، إلى أن الحصار دفعه إلى ترك مهنة الصيد واضطر للتعامل مع تجار الأسماك، اللذين يجلب بعضهم سمك مهرب عبر الأنفاق مع مصر، مما أفقده فرصة الربح، معللاً ذلك بأن رأس ماله في السابق كان ما يصطاده من السمك، وأي شيء يبيعه يعتبر مكسباً صافياً له، أما الآن فهو يشتري السمك بالمال، وهذا قد يعرضه للخسارة أحيانا أو الربح القليل.

وأكد أن هذه الصعوبات والعراقيل جراء الحصار والحواجز التي تطال في كثير من الأحيان حتى المناطق المسموح بالصيد فيها، مما سبب تراجعاً في كمية وأنواع الأسماك في السوق وبالتالي ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن ثمن كيلو السردين حالياً والذي يعتبر أرخص أنواع الأسماك بلغ قرابة 15 شيقلاً، بينما سعره قبل الحصار كان لا يتعدى 6 شواقل.

ويؤدي الارتفاع في أسعار الأسماك إلى عزوف المشترين عنها، لا سيما وأن الأوضاع المادية لدى المواطنين سيئة بسبب تفشي البطالة ومحدودية الدخل.

وتقوم النقابة العامة للصيد البحري بمتابعة هموم ومشاكل الصيادين وترصد الانتهاكات الإسرائيلية لهذا القطاع الحيوي.

ويقول نزار عياش نقيب الصيادين إن حياة الصياد الفلسطيني أصبحت لا تطاق ويائسة في ظل استمرار العدوان والانتهاكات الإسرائيلية والمتمثلة في الحصار البحري وإغلاق البحر وصغر مساحة الصيد.

وأوضح عياش لـ'وفا' أن قوات الاحتلال في عدوانها وحصارها المستمر على هذا القطاع فهي تحرم قرابة 3600 صيادا من مصدر رزقهم الوحيد، والذي أصبح عادة وهواية يمارسها جيش الاحتلال خاصة خلال المواسم الرئيسية للصيد والتي ينتظرها الصيادين طوال العام علي أحر من الجمر لتعويض ولو القليل من خسائرهم التي بلغت منذ بداية الانتفاضة أكثر من 17 مليون دولار.

وأضاف أن هذه الخسائر تتمثل في تدمير ماتورات 'حسكات' وإتلاف معدات صيادين داخل البحر، وإتلاف وتدمير عدد من لنشات الجر وسرقة معدات صيادين وإتلاف مخازن الصيادين بالإضافة إلي مصادرة 'حسكات' صيد وإغلاق حقل الصيد البحري أحيانا.

وأشار إلي أن الصيادين أصبحوا يخاطرون بحياتهم للحصول على بضعة كيلووات من الأسماك، حيث تحولت المساحات المسموح بها للصيد إلى كمائن تقوم بها الطرادات الإسرائيلية التي تعمل علي إطلاق النار علي مراكب ولنشات الصيادين، وتعمل في بعض الأحيان بعد الاعتداء عليهم باعتقالهم ومصادرة مراكبهم أو تدميرها وإصابة واعتقال العديد من هؤلاء الصيادين منذ بداية الانتفاضة.

وأوضح عياش أن الصيادين يضطرون في كثير من الأحيان إلي التنقل بحسكاتهم وعلي مساحة ثلاثة أميال فقط، مشيرا إلى أن هذه المساحة تشتهر بضحالتها وعدم صلاحيتها للصيد لخلوها من الصخور وأماكن تجمع الأسماك.

وذكر أن قوات الاحتلال تتحكم في الساعات والمسافات المسموح بالصيد فيها لقرابة 700 مركب في مختلف مناطق القطاع، وفي كثير من الأحيان لا يكاد الصياد يدخل البحر الأمر الذي يكبده مزيدا من الخسائر.

وفي المجمل يواجه الصيادون حياة صعبة بعد أن أصبح معظمهم عاطلين عن العمل وفقدوا مصدر رزقهم، وزاد العبء المعيشي الواقع على كاهلهم، بسبب تصاعد وتيرة الاعتداءات ضدهم بشكل تدريجي منذ بداية الانتفاضة، حيث بدأت بتقليص المنطقة المسموح بالصيد فيها ثم إطلاق الرصاص صوب الصيادين، ثم تخريب مراكبهم، وإتباع سياسة الملاحقة والاعتقال.

ويعزى استمرار إجراءات قوات الاحتلال ضد الصيادين بهدف ضرب الثروة السمكية والإضرار بالصيادين، وإلحاق الأذى بهم، وذلك في الوقت الذي تمر فيه مناطق القطاع بضيق وخنق اقتصادي متعمد من جراء الحصار الإسرائيلي، ضمن الحرب الشرسة التي تشنها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني بكل قطاعاته.

ويظل المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والإنسانية مطالبين بالتدخل لدى الجانب الإسرائيلي للسماح للصيادين الفلسطينيين من مزاولة عملهم بأريحية وعدم إستهدافهم أثناء عملهم، انطلاقا من أن كافة الأعراف والمواثيق الدولية تكفل للعمال حرية العمل.