خبر عالم أخذ يختفي- معاريف

الساعة 10:02 ص|15 مارس 2010

بقلم: عاموس جلبوع

 (المضمون: يرثي الكاتب اضمحلال قيم طبقة صهيونية فخور أخذت تتلاشى من المجتمع الاسرائيلي  - المصدر).

في يوم الاربعاء الماضي دفن الدكتور دييف كمحي في كيبوتس شفاييم، وكان في الـ 82 عند موته. قضى اكثر حياته في العمل من اجل الدولة وفي خدمتها في المجال السياسي والامني. اما سائرها فخصصه لمختلف مبادرات السلام ولصحيفة "معاريف"، رئيسا لهيئة الادارة. ينتمي كمحي الى تلك الطبقة التي نشأت داخل الدولة، وخطت معها في طريقها الصعب وكانت نواتها الصلبة مدة سنين. انتمى اكثرها الى جهازي الامن والاستخبارات وبعد ذلك الى مجالات العلوم والتقانة والطب وعالم الاعمال. اخذت هذه الطبقة تتلاشى رويدا رويدا.

        ان قلة من اشخاصها معروفة للجمهور العريق، وشخصياتها التي تحتذى والتي تعيش بيننا، في هاوية النسيان. لم يحظوا حتى في موتهم سوى بتذكار خاطف في احدى الصفحات الداخلية للصحف المكتوبة. بل ان الفريق دان شمرون، رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، وبطل انتيبا، لم يحظ عند موته بأن يشمل في الصفحة الاولى لاحدى الصحف الرائدة في دولة اسرائيل. ليسوا هم ابطال الاعلام المملوء جهلا، والذي يصور في الصحف الاولى كل عارض أزياء مبتدىء او رافض للتجنيد دائم. ولست استطيع ألا أذكر بالخير ها هنا رجلان من رجال الاعلام يهتمان بتخليد اولئك الاشخاص من الطبقة التي اخذت تتقلص وهما: ايتان هابر من صحيفة "يديعوت احرونوت"، واوري درومي في زاوية خاصة في صحيفة "هآرتس".

        ليس الحديث هنا عن أشواق لـ "اسرائيل الجميلة" التي كانت قبل حرب الايام الستة. لم تكن اسرائيل جميلة بل كانت قبيحة احيانا؛ كان أخيار وكان أشرار، وكانت مخاوف وجودية. لم يكن آنذاك في الحقيقة "احتلال المناطق"، و "السيطرة على شعب آخر"، لكن كل دولة اسرائيل الصغيرة كانت آنذاك بمنزلة "أرض محتلة" تضطهد "عرب 48". الحديث هنا عن أشواق للطبقة الطلائعية، التي تجسد العصر الذهبي الصهيوني للدولة. لم  تكن هذه الطبقة بطبيعة الامر كتلة سياسية واحدة. فقد كان فيها أناس مركز ويسار ويمين. لكن يخيل إلي أنه قد ميز أكثرها من جملة ما يميز، ثلاث قيم: قيم الفعل والعمل، على عكس التنفج والثرثرة والكلام الفارغ بالحكمة بعد الفعل الذي اصبحت عندنا قيما أساسية؛ والايمان بعدل النهج الصهيوني، والايمان بقدرة الدولة على التغلب على الصعاب الكبيرة التي واجهتها منذ اللحظة الاولى بالاستعداد للتضحية، والايمان بمستقبل الدولة في النماء مع الصراع، والسعي الى السلام عن القوة، مع الاستعداد لدفع ثمن تنازلات ضرورية و "مؤلمة". وذلك على العكس من التوجه الذي أضاع نهجه الصهيوني لمصلحة "كونية ليبرالية"، التي تتنبأ بنهاية الدولة صبح مساء؛ والشعور الوطني، وحب الوطن والارض، والاستعداد غير المشروع للتوحد مثل رجل واحد في أزمان الخطر والحرب.

        ان أحد رموز الوطنية هو العلم القومي. عكس هذه القيمة هو الصورة التي شهدناها في 6 آذار 2010، في مظاهرة اليسار الاسرائيلي في حي الشيخ جراح مع الفلسطينيين. كانت مظاهرة ضاجة مصحوبة بعشرات أعلام منظمة التحرير الفلسطينية وبعدة أعلام خضراء لحماس بلا أي علم اسرائيلي. لماذا؟ لان الفلسطينيين عارضوا ووافق رئيس حركة ميرتس على ذلك. كادت وسائل اعلامنا تمر بذلك بصمت ولم تهتز أركان الدنيا: تخلى أناس حزب اسرائيلي يعرف نفسه على انه صهيوني عن وعي تام من هويتهم القومية، ومن "ذاتهم" ومن "جوازهم القومي". السؤال الكبير الذي يثار هو: هل تستطيع دولة اسرائيل والمجتمع الاسرائيلي الحفاظ على جمرة تلك الطبقة وقيمها.