خبر عباس يدفع مخيمات لبنان نحو الاقتتال .. شاكر الجوهري

الساعة 03:11 م|14 مارس 2010

بقلم: شاكر الجوهري

اعتقال وتفكيك ونزع أسلحة فصائل المقاومة الفلسطينية، داخل الأراضي الفلسطينية، بموجب المرحلة الأولى من مراحل خارطة الطريق يؤدي إلى حفظ أمن واستقرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

أما العمل على محاصرة وإضعاف رموز المقاومة الفلسطينية في لبنان، فمن شأنه أن يؤدي إلى تفجير الوضع الأمني في الدولة اللبنانية بأسرها.

هذا ليس تحليلاً سياسياً، لكنه الفهم والمخاوف التي تجتاح جميع مفاصل الدولة اللبنانية، كما عبر عنها رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش اللبناني لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية حين التقاه في عمان قبل بضعة أسابيع.

أضاف رئيس الاستخبارات العسكري اللبنانية، أن الحفاظ على أمن واستقرار بلاده يتطلب أمرين عاجلين من سلطة رام الله:

الأمر الأول: ضرورة عمل القيادة الفلسطينية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية من أجل احتواء احتمالات تفجر الأمن داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، لأن من شأن ذلك أن ينعكس سلباً على مجمل الأمن الوطني اللبناني، نظراً لوجود تنظيمات لبنانية متعددة تتجانس مع هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، من الناحية السياسية والعقائدية.. فضلاً عن التحالفات التي تجمع أصحاب الخط والموقف السياسي الواحد.

فكيف تعامل عباس مع الرغبة اللبنانية الواضحة والصريحة التي أبلغ بها..؟

أولاً: تجاهل هذه الرغبة بالكامل حين قرر بالضد منها، إعادة تعيين اللواء أبو العينين مشرفاً على الساحة الفتحاوية في لبنان.

ثانياً: حين اضطر عباس إلى طلب استقالة أبو العينين من منصبه، عقب توجيه رسالة شديدة الوضوح، من خلال حاجز للجيش اللبناني قام بإيقاف موكب أبو العينين، عند مدخل مخيم الرشيدية، ومصادرة أسلحة حراساته، مخرجاً (عباس) إياه من الباب، سارع إلى إدخاله من الشباك مستشاراً للرئيس لشؤون اللاجئين والمخيمات الفلسطينية، ومقره لبنان.

ثالثاً: لم ينتظر عباس وقوع اشتباك بين أبو العينين ورجاله من جهة، واللواء منير المقدح ورجاله من الجهة الأخرى، بل تعجل رئيس السلطة تفجير الموقف من خلال تنحيته للواء المقدح من قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني.

هذه التنحية من شأنها توتير الأجواء داخل لبنان، بدءا من المخيمات الفلسطينية، ليس لأن المقدح رجل صدامي سيقرر هدم القلعة على رؤوس الجميع، ولكن لأن قرار عباس من شأنه:

أولاً: تحييد المقدح، بما هو عليه من مواقف وممارسات توافقية.

فالمقدح يقيم أفضل العلاقات مع عموم قادة فتح في لبنان، وخارج لبنان، وكذلك يقيم أفضل العلاقات مع عموم فصائل المقاومة الفلسطينية وقادتها داخل الساحة اللبنانية.

ثانياً: إعطاء ضوء أخضر لأبي العينين، وأنصار تحالف العسكر في اللجنة المركزية، للتقدم خطوة، بل خطوات أخرى، باتجاه فرض نفوذهم، وتكريسه في لبنان، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم دون اصطدام مع المقدح ورجاله.

ثالثاً: التحضير لاشتباكات واسعة النطاق مع فصائل الأصولية الجهادية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، التي تجد كلمة المقدح لديها الآن صدى إيجابياً، وقبولاً.

للتذكير، بعد أن طلب رئيس الاستخبارات العسكرية اللبنانية من عباس العمل على احتواء عوامل التفجير في لبنان، أطلق رئيس السلطة الفلسطينية تصريحاً نارياً حذر من ازدواج تجربة مخيم نهر البارد في مخيم عين الحلوة..!

يستدعي الأمر التذكير أيضاً في هذا المقام بأن اغتيال المرحوم اللواء كمال مدحت (أيار/ مايو2009)، لم يكن لأنه رجل صدامي، وإنما لأنه كان هو الآخر يقيم أفضل العلاقات مع عموم الفصائل الفلسطينية في لبنان، بما في ذلك حركة حماس.. ولأنه كان يمثل "بربيش" إطفاء جاهز لإخماد بذور الفتنة، أينما استعدت للاشتعال.

أيضاً العلاقات الجيدة التي نسجها عباس زكي، الممثل السابق للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في بيروت مع عموم الفصائل الأخرى، كانت من أبرز أسباب الاصطدام معه.

عودة إلى تهديد عباس بازدواج تجربة مخيم نهر البارد في عين الحلوة، فإن هذا يعني جملة أمور بالغة الخطورة:

أولاً: أن يد عباس لم تكن بعيدة عما لحق بذلك المخيم من خراب..!

ثانياً: أن عباس جاد في استهداف فصائل المقاومة الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية الأخرى في لبنان.

ثالثاً: أن استهداف فصائل المقاومة في لبنان يتجاوز حدود الاستحقاقات التي تترتب على الجانب الفلسطيني بموجب المرحلة الأولى من خارطة الطريق، التي تنص على نزع أسلحة فصائل المقاومة، وتفكيك بنيتها التحتية.

رابعاً: أن التعجيل في استهداف فصائل المقاومة في لبنان يهدف إلى:

1- الحيلولة دون مشاركة هذه الفصائل بالتصدي لعدوان إسرائيلي محتمل على لبنان.

2- إفقاد حزب الله قوة فلسطينية مساندة له في صد العدوان.

مهم هنا لفت النظر إلى أن اللواء المقدح هو المؤسس الأول لكتائب شهداء الأقصى داخل صفوف حركة فتح، وأنه هو الذي أشرف على تأسيس خلاياها الأولى في الداخل الفلسطيني، وتوفير التمويل لعملياتها.

ولذلك، فإن مهادنة المقدح لعباس، وعدم صدور عنه، ولو تصريحاً واحداً ضد رئيس السلطة، لم يحل دون استهدافه من قبل الرئيس، الذي يعرف تماماً ما هو المطلوب منه أميركياً وإسرائيلياً.

ولكن، هل ينجح عباس في إطاحة المقدح..؟

الشك في ذلك كبير جداً، للأسباب التالية:

أولاً: قلة تأثير سلاح المال في حال استخدامه ضد المقدح.. ذلك أن رجاله يدفعون اشتراكات عن عضويتهم في التنظيم الذي أقامه، ولا يتقاضون رواتب.

ثانياً: إقامة المقدح أقوى العلاقات، إن لم نقل أقوى التحالفات، مع عموم الفصائل الفلسطينية الأخرى، وفي المقدمة منها حركة حماس.

ثالثاً: إقامة المقدح أوطد العلاقات مع المقاومة اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله.

رابعاً: عدم موافقة الدولة اللبنانية، وحكومة الائتلاف الوطني اللبناني، التي يشارك فيها حزب الله، على تفجير الوضع الأمني في الدولة اللبنانية.

خامساً: قدرة المقدح على تحريك عمليات عسكرية داخل الضفة الغربية ضد قوات الاحتلال.

هنا مهم جداً الإشارة إلى:

1- أن العملية الأخيرة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا ضد خلية مقاتلة لكتائب شهداء الأقصى في مدينة نابلس، كانت تتبع قيادة المقدح في لبنان.

2- أنه حين حاول ياسر عرفات، الرئيس السابق، الإطاحة بالمقدح، بعيد قيام سلطة أوسلو، نفذت خلاياه داخل الأراضي الفلسطينية عمليات داخل الضفة الغربية، فتراجع عرفات عن قراره.

سادساً: أن المقدح يحظى بتأييد دولة إقليمية وازنة بمثل ثقل سوريا. وخصوم المقدح يتحدثون صراحة أن قرار الإطاحة به جاء رداً على رفض دمشق استقبال محمود عباس..!

بقي السؤال الأكثر أهمية وخطورة:

ما الذي يجعل عباس يواصل تقديم هذه الاستحقاقات غير المنصوص عليها في أي من مراحل خارطة الطريق، في وقت لم تنفذ إسرائيل أياً من الاستحقاقات المترتبة عليها بموجب المرحلة الأولى من مراحل الخارطة، وفي المقدمة منها تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967..؟

يلاحظ هنا بكثير من الدهشة والاستغراب، أن عباس، وبدلاً من التراجع عن الخطوات التي أقدم عليها، تنفيذا لأول مراحل الخارطة، نظراً لعدم التزام إسرائيل بالاستحقاقات المترتبة عليها، بموجب ذات المرحلة، يواصل تنفيذ استحقاقات غير منصوص عليها في أي اتفاق، وباندفاع يدعو لما هو أكثر من الدهشة والاستغراب!!.